مرة أخرى يأتى «الفيتو» الأمريكى ليمنع العالم من إيقاف المذبحة، التى تجرى فى غزة على يد اسرائيل، وليضع النظام الدولى -ممثلًا فى مجلس الأمن- فى حالة شلل متعمدة.. وكأن الدولة العظمى لا تكتفى بكل ما قدمته من دعم لإسرائيل فى حرب الإبادة، التى تشنها على الشعب الفلسطينى، بل تستهدف النظام الدولى بأكمله وتقبل أن تقف وحيدة ومنعزلة فى مجلس الأمن فى وجه كل دول العالم بمَن فيهم أقرب الحلفاء -أو مَن كانوا كذلك حتى وقت قريب!!- وترفع «الفيتو» فى وجه الجميع لكى تستمر المذبحة. فى مشهد سيكون له حتمًا عواقبه وتداعياته الخطيرة. قد تكون هذه هى المرة الخامسة، التى تستخدم فيها واشنطون «الفيتو» منذ حرب الإبادة على غزة، لكنها الأكثر دلالة وخطرًا. يأتى «الفيتو الأمريكى» بعد أن أصبح الموقف فى غزة فوق احتمال كل شعوب العالم، وبعد حصار الجوع الذى فرضته إسرائيل بدعم أمريكا وحدها، وبعد أن أصبح العالم كله يدرك بشاعة جرائم النازية الصهيونية، التى أدمنت قتل الأطفال وقصف المدنيين، وتدمير كل شىء يتيح الحياة فى غزة. ويأتى «الفيتو الأمريكى» هذه المرة على قرار لا يستهدف إلا الجانب الإنسانى فقط بإيقاف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية والإفراج عن الرهائن والأسرى.. ترفض واشنطون ذلك لأسباب واهية، لتقول إن الحرب ستستمر، وإن المذبحة لن تتوقف، وإن عسكرة الطعام التى تقوم بها بالشراكة مع إسرائيل ستظل سلاحًا لن يتم التخلى عنه حتى بعد أن رأى العالم كله كيف تحول توزيع أقل القليل من الطعام إلى مصيدة للموت، وعرفت الدنيا كلها أن الهدف هو التهجير القسرى لشعب فلسطين الصامد على أرضه، وأعلن العالم كله رفضه لكل هذه المخططات ورفضت الأممالمتحدة أن تشارك فى الجريمة، ولم يكن مشروع القرار الذى عرقل «الفيتو الأمريكى» الأخير صدوره إلا تعبيرًا عن عالم يريد إيقاف المأساة والانتصار للعدالة والحفاظ على ما تبقى من نظام دولى سينهار وحتمًا إذا استمر الخروج على القانون بلا محاسبة وبلا عقاب! هل تدرك واشنطون -لمصلحتها قبل مصلحة الآخرين- أن العالم قد تغير، وأن كل أكاذيب إسرائيل قد انكشفت، وأن العالم لم يعد يتحمل المشاركة فى جرائم إسرائيل، والسكوت عليها؟.. وهل تدرك واشنطون معنى أن تقف وحدها فى مجلس الأمن لتمنع قرارًا إنسانيًا بوقف المأساة بينما أقرب حلفائها يستعدون للمؤتمر الدولى، الذى سيعقد فى رحاب الأممالمتحدة بعد أيام من أجل تفعيل حل الدولتين؟ وهل تدرك واشنطون أن كل محاولات الضغط قد فشلت فى قطع الطريق على عالم أصبح يعرف جيدًا أنه لا سلام ولا أمن للمنطقة والعالم إلا بدولة فلسطينية مستقلة على حدودها القانونية تكون القدس المحررة هى عاصمتها؟! للأسف الشديد.. يبدو أن للدول الكبرى أحيانًا حساباتها الخاطئة، لكنها لا تواجه الأسوأ إلا حين لا تراجع نفسها ولا تدرك حجم خسائرها!! كان مشروع القرار فى مجلس الأمن فرصة للمراجعة أمام أمريكا لكن «الفيتو» كان حاضرًا، وكانت حاضرة معه هذه العزلة عن عالم لم يعد يتحمل عبء الصمت على جرائم إسرائيل أو التواطؤ معها! ربما متأخرًا ستدرك واشنطون أن هذا «الفيتو» هو الأسوأ، وأن تكلفته هى الأكبر لأنه -رغم كل محاولات التبرير الفاشلة- لم يكن إلا «الفيتو» ضد الإنسانية وتصريحًا باستمرار المذابح الإسرائيلية والتمسك بسلاح التجويع ومؤامرة التهجير، وكل الأوهام التى لن تنقذ إسرائيل من الكارثة، ولن تعفى أمريكا من المسئولية كشريك متضامن فى كل المأساة!