فى الاقتراح المصرى الذى تبنته القمة العربية ثم الدول الإسلامية والمجتمع الدولى حول إعادة إعمار غزة فى قمة القاهرة الاستثنائية كانت مصر حريصة أن تكون الرؤية واضحة والحل شاملًا، وأن يتعامل الجميع مع إعمار غزة على أنه خطوة على طريق الحل السياسى والدولة الفلسطينية المستقلة وليس باعتباره مشروعًا عقاريًا أو استغلالًا لأوضاع إنسانية قاسية نتيجة حرب إبادة وحصار تجويع، وقبل كل ذلك قهر سنوات طويلة من احتلال لم يتوقف يومًا عن ارتكاب أبشع الجرائم النازية. مع قمة بغداد يتأكد للعالم أجمع أنه لا طريق إلا هذا الطريق، وأن كل المحاولات (غير المشروعة وغير الإنسانية) للالتفاف على الحقيقة قد وصلت إلى طريق مسدود، الإجرام الإسرائيلى مستمر، والدولة المارقة والخارجة على كل القوانين ترفض كل محاولات إيقاف المذابح وتسد كل الطرق على أى حل سياسى، والقوى الكبرى التى كانت تدعمها تتكشف لها الحقائق وتدرك أن الكيان الصهيونى قد أصبح عبئًا لا يمكن تحمله للأبد، والقوى الصهيونية فى العالم كله تدرك خطورة استمرار نتنياهو وحكومته الفاشية على مستقبل الكيان الصهيونى نفسه، ورغم ذلك كله يمضى مجرم الحرب نتنياهو فى طريقه، وكما أهان أمريكا نفسها بالإصرار على استمرار المذبحة الإسرائيلية فى غزة أثناء زيارة ترامب لدول الخليج، يمضى الآن فى حرب يرفضها حتى جيشه ويخشى عواقبها، لأنه -بكل وضوح- يدرك أن نهاية الحرب هى نهايته، ولأن العالم ما زال -حتى الآن- لا يواجهه بما يستحق من عقوبات رادعة لم يعد هناك سبيل لتجنبها!! خطورة الأوضاع لا تحتمل التسويف أو المراوغة على الإطلاق. عودة الحديث المرفوض جملة وتفصيلًا عن «التهجير» الذى سيكون قسريًا فى كل الأحوال لا يعنى إلا تشجيع نتنياهو على المضى فى خطته لإعادة احتلال غزة (!!) ومطالبة العالم بانتظار الشهر القادم لنستمع لأخبار جيدة عن غزة، أمر لا يمكن تمريره بينما آلة القتل الإسرائيلية تواصل عملها وسكان غزة يتضورون جوعًا كما يقول الرئيس الأمريكى نفسه!! لم يعد أمام العالم كله إلا تطبيق القانون الدولى والالتزام بأحكامه وفرض العقوبات القادرة على ردع إسرائيل. الأوضاع لم تعد تحتمل المزيد من التسويف أو التهرب من المسئولية. العمل العربى المشترك قادر على إلزام الجميع بطريق الحق والشرعية ورفض جرائم إسرائيل التى تقود المنطقة إلى انفجار غير مسبوق. على الجميع أن يستوعب الدرس وأن يدرك حجم الخطر. نقطتان أساسيتان فى حديث الرئيس السيسى بقمة بغداد: الأولى أن تحديات المنطقة المعقدة تتطلب من الجميع أن نكون على قلب رجل واحد قولًا وفعلًا، والثانية أن على العالم أن يستوعب حقيقة أنه حتى لو نجحت إسرائيل فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال ما لم تقم الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية. كل هروب من الحقيقة الفلسطينية هو هروب إلى المستحيل!!