لم يعد الضحك حكرا على "إفيه" يلقى على خشبة المسرح أو مشهد ارتجالي في فيلم أو مسلسل كوميدي، فاليوم أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي لاعبا جديدا في صناعة الكوميديا وشريكا إبداعيا يعيد إحياء التراث بطرق غير تقليدية، تقدم لنا ضحكا بصيغة مختلفة, فيها من الإبداع قدر لا يستهان به، ومن السخرية الذكية ما يعكس تطورا مذهلا في العلاقة بين التكنولوجيا والفن, وبينما اعتدنا مشاهدة المسرحيات الكلاسيكية على خشبة المسرح أو عبر شاشات التلفاز، ظهرت اليوم موجة جديدة تعيد تقديم هذه الأعمال بصيغة رقمية مبتكرة, من خلال مقاطع مصورة تعيد تقديم مشاهد من أشهر المسرحيات، مثل مسرحيتي "العيال كبرت", "ومدرسة المشاغبين", ومقاطع لمشاهد من أعمال درامية كوميدية بأسلوب ديزني, وبلغات أجنبية، مما أثار دهشة الجمهور وجذب اهتمام الملايين على مواقع التواصل, فهل نحن أمام عصر جديد من الضحك؟. انتشرت مؤخرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وصور ساخرة مولدة بالكامل باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، سواء عبر تقنيات deepfake أو برامج تحويل المشاهد الكلاسيكية من المسرحيات والأفلام إلى نسخ كرتونية أو ثلاثية الأبعاد بأسلوب فكاهي, فنرى مشهد من مسرحية "العيال كبرت" يتحول إلى رسوم متحركة، أو شخصية من مسرحية "مدرسة المشاغبين" تظهر وكأنها بطلة في لعبة فيديو، كل هذا بات ممكنا بفضل تقنيات التوليد التلقائي للصور والفيديو, فهل تخيلت يوما أن ترى "سعيد صالح" أو "أحمد زكي" في نسخة كرتونية على طريقة أفلام ديزني؟, لم تعد هذه الفكرة ضربا من الخيال، بل باتت ممكنة بخطوات بسيطة وأدوات مجانية متاحة للجميع. ففي الخطوة الأولي يتم إلتقاط الصور من المشهد الأصلي وأخذ لقطات Screenshots من المشهد المطلوب تحويله, مع التأكد أن كل صورة تبرز وجه الشخصية بشكل واضح ومنفصل. لتأتي الخطوة الثانية بتحويل الصور إلى أسلوب ديزني بإستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي ومن أشهرها والتى يتم استخدامها حاليا "ToonMe" أو استخدام إضافات داخل ChatGPT Plus عبر DALLE. ويجب ملاحظة أن بعض الأدوات المجانية تتيح عددا محدودا من المحاولات، ويمكن إنشاء حساب جديد لإستكمال التجربة. أما مرحلة تحريك الصورة ومزامنة الشفاه تتم من خلال موقع Hydra أو أي منصة تحريك تعتمد على الذكاء الاصطناعي. حيث يتم رفع الصورة، وإضافة المقطع الصوتي للمشهد من المسرحية الأصلية أو تسجيل صوتي خاص. يقوم الموقع تلقائيا بتحريك الشفاه وتعبيرات الوجه لتتناسب مع الصوت. الخطوة الأخيرة وهي التجميع والمونتاج, فبعد تحريك جميع الشخصيات، يتم استخدام تطبيقات مثل CapCut أو InShot لجمع المشاهد في فيديو متكامل. يمكن إضافة خلفيات موسيقية، تأثيرات مرئية، وتعليقات نصية لتكتمل التجربة الكرتونية. يمكن أيضا إضافة مؤثرات مستوحاة من أفلام ديزني, مثل الخلفيات الخيالية أو النجوم المتطايرة, لتعزيز التجربة البصرية وجعل الفيديو أكثر جذبا للمشاهدين. هذه الطريقة، لا تكتفي فقط بالحفاظ على التراث المسرحي بل تعيد تقديمه بروح بصرية جديدة لجيل يعشق الكرتون والتكنولوجيا. وإلى جانب تحويل الأسلوب البصري، تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دورا كبيرا في ترجمة الأعمال الفنية, ففي تجربة مسرحية "مدرسة المشاغبين"، أُعيد فى بعض المشاهد ترجمة الحوار إلى اللغة الإنجليزية، مع الحفاظ على روح الكوميديا المصرية, ويتيح هذا التوجه الفرصة أمام جمهور عالمي لفهم الكوميديا العربية دون الحاجة لترجمة مكتوبة، بفضل مزامنة الشفاه وتقنيات voice cloning. يعتمد صانعو هذا النوع الجديد من الكوميديا على خوارزميات قادرة على تحليل تعبيرات الوجوه، وتضخيمها أو تحويلها إلى رسوم بأسلوب ساخر، كما يمكنهم تغيير أصوات الفنانين لتركيبها على شخصيات خيالية، ما يخلق محتوى فكاهيا غير متوقع. هذا الاتجاه فتح بابا جديدا لصناعة المحتوى، خاصة عبر TikTok وInstagram Reels، حيث أصبح بإمكان أي شخص أن يعيد تشكيل مشهد كلاسيكي بأسلوب كوميدي حديث، يمزج بين النوستالجيا والتقنية، ويعيد تقديمه لجيل جديد بلغته البصرية السريعة والمتغيرة. رغم الطرافة التي يصنعها هذا النوع من المحتوى, إلا أن هناك تساؤلات حول حقوق الملكية الفكرية للفنانين، ومدى أخلاقية استخدام صورهم وأصواتهم في محتوى لم يشاركوا فيه فعليا, البعض يعتبرها وسيلة مبتكرة لإحياء الكوميديا القديمة، بينما يرى آخرون أنها قد تفقد العمل الفني أصالته. في المقابل، يرى فريق آخر من الفنانين والمبدعين أن الذكاء الاصطناعي لا يهدد الفن، بل يمنحه أداة جديدة للتطور، خصوصا إذا ما استخدم باحترام للسياق الإبداعي ولحقوق المشاركين الأصليين. يبقى السؤال الأهم.. هل يمكن للضحك المولد آليا أن يحمل نفس العفوية والصدق الذي نحبه في الممثلين الحقيقيين؟ ربما لا، لكنه بالتأكيد يعكس كيف أن أدوات الذكاء الاصطناعي باتت قادرة على فهم الذوق البشري، بل والمساهمة في تطويره أيضا. إن تحويل الأعمال الكوميدية إلى رسوم متحركة أو ترجمتها بلغات أخرى باستخدام الذكاء الاصطناعي ليست فقط تقنية جديدة، بل هو أسلوب فني مختلف يعيد تعريف كيفية استهلاكنا للفن, وفي عالم تتداخل فيه الثقافة مع التكنولوجيا، تبرز هذه التجارب كبوابة لإعادة اكتشاف كنوزنا الفنية, ولكن هذه المرة، بعيون الجيل الجديد. إنها ثورة رقمية تعيد تعريف الكوميديا وتمنحها بعدا جديدا، حيث يجتمع الحنين مع الابتكار، والضحك مع الخوارزميات. اقرأ أيضا: فيلم Inception يلهم فلسطيني ليحصد ربع مليون درهم