في ظل هيمنة العصر الرقمي واقتحام الذكاء الاصطناعي لكافة المجالات، بما فيها صناعة الفن، أصبح من الواضح أن هذه التقنيات الذكية ستشكل حجر الزاوية في جميع مراحل العملية الإبداعية, بدءا من كتابة القصص والسيناريوهات، مرورا بإخراج وتصوير المشاهد وتطبيق المؤثرات البصرية، وصولا إلى عمليات ما بعد الإنتاج مثل التسويق وتحليل البيانات وتوقع الإيرادات, وقد شهد العالم مؤخرا إنتاج أفلام باستخدام الذكاء الاصطناعي بالكامل، مما يمهد الطريق لتغييرات جوهرية في الطريقة التي تصنع بها الأفلام, وبما إن تغيرات المناخ وما ينتج عنها من آثار قد تصل لحد الكوارث أصبحت من القضايا التي تشغل صناع الفن تم صناعة فيلم «ندتو»، وهو أول فيلم باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي عن تغير المناخ. تتيح أدوات الذكاء الاصطناعي لصناع الأفلام إنشاء محتوى إبداعي بطريقة أكثر سرعة وكفاءة, فعلى سبيل المثال، يمكن لأنظمة توليد النصوص والحوارات المدعومة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي كتابة السيناريوهات، بينما تتيح أدوات مثل «Runway ML» و»MidJourney» إنتاج صور ومشاهد واقعية دون الحاجة إلى مواقع تصوير أو استخدام ممثلين, كما تستخدم بعض الأدوات الذكاء الاصطناعي في تصميم المؤثرات البصرية بشكل يتفوق على الطرق التقليدية من حيث الدقة والسرعة، مما يخفض تكلفة الإنتاج بشكل كبير. ومن أبرز الأمثلة الحديثة على هذا التوجه فيلم «ندوتو»، الذي يعد أول فيلم يتناول قضية تغير المناخ في أفريقيا باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل كامل, يمثل هذا الفيلم خطوة رائدة في استخدام التكنولوجيا لسرد القصص وإبراز القضايا الإنسانية بطرق جديدة ومبتكرة. «ندوتو» هو فيلم قصير يسلط الضوء على آثار تغير المناخ المدمرة في القارة الأفريقية, يقدم الفيلم صورا مأساوية للفيضانات المدمرة في نيجيريا ومالي، والجفاف الشديد والانخفاض التدريجي لصحراء الساحل شمالا, تظهر هذه المشاهد كيف أسفرت التغيرات المناخية عن مقتل ونزوح الملايين من سكان القارة. تجنب الفيلم استخدام الصور النمطية عن القارة الأفريقية، وسعى إلى تقديم رسالة توعوية بأسلوب إبداعي بعيد عن المبالغة, وقد أبدعت الصحفية زين فرجيه، قائدة فريق العمل، في توجيه الفيلم ليعكس معاناة المجتمعات الأفريقية بطريقة فريدة ومؤثرة. حيث تم إنتاج الفيلم خلال أسبوع واحد فقط، مما يظهر القوة الهائلة لأدوات الذكاء الاصطناعي في تقليص الوقت والجهد اللازمين لصناعة الأفلام, استخدمت عملية الإنتاج مجموعة من التقنيات المبتكرة، من بينها أداة «Runway ML» التي تعد منصة لتوليد الصور والفيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى أداة متخصصة طورتها «Mirada Studios». اقرأ أيضا: سابقة .. «بوابة أخبار اليوم» تنتج فيديو صحفي بالذكاء الاصطناعي عبر هذه الأدوات، تم إنشاء آلاف الصور التي استخدمت لإنتاج مشاهد الفيلم، رغم أن عددا قليلا منها فقط تم تضمينه في النسخة النهائية, ساعدت هذه التقنيات فريق العمل على التغلب على تحديات الإنتاج التقليدي، مثل الحاجة إلى مواقع تصوير، ممثلين، أو موارد مالية ضخمة. ويرى صناع العمل أن الذكاء الاصطناعي يوفر وسيلة جديدة ومبتكرة لصناعة الأفلام، حيث يتيح للأفارقة فرصة رواية قصصهم بشكل مباشر ودقيق, كما أن هذه التقنية قللت من تكلفة الإنتاج بشكل كبير، مما يفتح الباب أمام المبدعين لتقديم أعمال متميزة دون الحاجة إلى تمويل ضخم. الفيلم يعكس أيضا توجها نحو استخدام التكنولوجيا لإظهار الجماليات الفنية, فقد دمج بين الصور الواقعية للأطفال والمناظر الطبيعية من أفريقيا بأسلوب يعكس خطورة التغير المناخي، لكنه يحافظ في الوقت ذاته على لمسة فنية إبداعية. ويعد إثباتا لفكرة أن العمل الفني يمكن أن يكون قويا ومؤثرا دون الحاجة إلى تعقيدات الإنتاج التقليدي. «ندوتو» ليس التجربة الأولى لفريق العمل, فقد سبق لهم إنتاج فيلم «أفريقيا التي لا توقف»، الذي عرض في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولاقى استحسانا كبيرا، هذه الأعمال تعكس توجها نحو استخدام التكنولوجيا الذكية لسرد قصص تبرز التحديات التي تواجه أفريقيا بطريقة عصرية.