في ناشئة الليل، وفي وضح النهار، في الإعلان والإسرار؛ تبقى الأعياد المصرية كاشفة عن روح هذا الشعب، ورواسخ الأفئدة الممزوجة بطين هذا الوطن وحضارته التليدة التي تكشف عن تاريخ عريق ووعي كبير بموجات العادات الغريبة عن معدن الشعب المصري وأخلاقه المرتكزة على الود والتراحم؛ تمامًا كما تعي مُحاولات المغرضين والمتربصين بنا الذين يكرهون لنا الترابط والتلاحم، ويُريدون العبث في عقول أبنائنا عن طريق ظلام الميديا تارة؛ أو باستغلال اندفاع الشباب تارات أخرى؛ ولأن القاعدة تقول: رُب ضارة نافعة؛ فإن الواقع يكشف أن هناك موجات من انبثاقات النور وازدياد الوعي الفكري عند كثير من الشباب المصري بهذه المحاولات الخارجية الآسنة؛ مما فوّت الفرصة على هؤلاء المتربصين وأثبت أن هذا الشعب يعي تمامًا حجم التحديات التي تواجه مستقبله؛ ويقف وقفة رجل واحد خلف قيادته السياسية في توجهاتها القومية تجاه القضايا الإقليمية؛ ولعل هذا هو الغائظ الأكبر لأعداء الكنانة الذين يتربصون بها الدوائر ويحوكون لها المؤامرات التي ترتد في نحورهم. * هذا العام خفتت أصوات النواعق بأن التهنئة بالاحتفال بشم النسيم وعيد القيامة حرام؛ فقد هزمها السمك المملح والبيض الملون بألوان البهجة المصرية الخالصة؛ هزمها مزيج الحضارات المتراكبة من: الفرعونية والقبطية والإسلامية؛ وهذا هو الحمأ المسنون الذي تتشكّل منه جديلة الحب الخالد لهذا الوطن، بكل ما يحمله من ثمار الرقي الإنساني الذي أغاظ أعداءنا وسجّل خزيهم في صفحات التاريخ. التهاني القلبية بين القيادات الدينية المصرية ليست وحدها النموذج الأوفى على تماسك الطين الوطني؛ بقدر تلك التهاني التي تخرج من ثمرات القلب بين الجيران والإخوة والزملاء، والذين يتبادلون الرنجة والفسيخ والخضراوات في الحدائق العامة؛ لأن هذه الأشياء البسيطة التي تسكن قلوبنا المطمئنة بالوطنية هي الباعث الأول للارتقاء بالمحروسة وتثبيت أقدامها في أرض المستقبل التي لا تعترف بغير الاتحاد والقوة سبيلًا إلى المنافسة في المضمار العالمي. * هناك قواعد معروفة للذوق العام لا بد أن نتبعها وإلا انفلتت أخلاقنا سداحًا مداحًا بلا رابط يجمعها في حبل المروءة والأخلاق والأعراف التي ارتضاها المصريون والعرب جميعًا، منذ قدمائنا حتى الآن، ومازتنا عن سائر الشعوب التي ارتضت لأنفسها قواعد أخرى أكثر استسهالًا تحت دعاوى الحرية الشخصية التي ألغت الجنس وأصبحت بلا ضابط عقلي؛ وهو السوس الذي ينخر في جسد المجتمعات الكبرى وسيُحيلها سريعًا إلى مكانها من هامش التاريخ. وما يحدث من سلوكيات غريبة على مجتمعنا من بعض الفنانين المؤثرين يُنذر بالخطر المُحدق ويُسهم في تراجع الذوق العام؛ وهو الأمر الذي يحتاج إلى مواجهات جادة وحازمة؛ ليس فقط في وسائل التربية والتعليم والتثقيف؛ وإنما في المساجد والكنائس، وفي داخل المنزل نفسه بالتوعية الأسرية التي تُحبب الطفل في المروءة والأخلاق ومساعدة المحتاجين، والابتعاد عن رؤية هؤلاء المرضى والمأفونين. وإذا كان "الذوق العام"، بحسب تعريف المعجم الوسيط، هو مجموعة تجارب الإنسان التي يُفسر على ضوئها ما يحسه أو يُدركه من الأشياء ويُسمى "الإدراك السليم"؛ فلا شك أننا نحتاج إلى ضوابط أكثر صرامة ووعيًا للجم جوامح الشباب في وسائل التواصل بالعالم الافتراضي، وبالأندية ووسائل المواصلات بالواقع الحقيقي؛ وإن لم يعد هناك فارق كبير بين الواقعين. [email protected]