لم يكن القتال فى الإسلام أو المعارك التى خاضها المسلمون يومًا من الأيام بهدف الاعتداء على الغير، بل كان لرد العدوان الذى يتعرض له المسلمون، من خلال هذا الباب وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك نقدم لك عزيزى القارئ معركة فى ذاكرة التاريخ الإسلامى خاضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم وعن أرضهم. تعد معركة «سومنات» عام 416ه/1025م من المعارك الفاصلة فى تاريخ الإسلام بالهند، بطل هذه المعركة القائد الفاتح السلطان «محمود بن سبكتكين الغزنوى»، الذى أثبت من خلال فتوحاته أنه من أعظم الفاتحين فى تاريخ الإسلام، وقد اتبع سياسة فى غاية الحكمة تقوم على تقوية وتثبيت الجبهة الداخلية عسكريًّا وسياسيًّا وعقائديًّا؛ مما يسر له فتح الهند ونشر الإسلام بها. اقرأ أيضًا | أحمد عمر هاشم: الظلم محرّم بين العباد.. والعدل من أعظم القيم يقول د. محمود عبد الفتاح أبو طه أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: تكمن أسباب هذه المعركة فى أن السلطان «الغزنوى» بدأ فتوحاته ببلاد «الهند» من مركز قوة بعد أن ثبت الجبهة الداخلية لدولته، فسيطر على سهول «البنجاب» وبدأ حملاته الأشهر لنشر الإسلام فى تلك البقاع فقام بحملة كبيرة على شمال «الهند» سنة 392ه/1001م، انتصر خلالها على ملوك الهند وأمرائها وقضى على سلطانهم فى «البنجاب»، وعمل على نشر الإسلام الصحيح فى كل نواحى «السند» و«البنجاب»، ثم تصدى لمحاولة أمراء شمال «الهند» استعادة ما أخذه المسلمون، وانتصر عليهم فى معركة هائلة سنة 398ه/1007م، وفتح أحصن قلاع «الهند» الواحدة تلو الأخرى، وفى سنة 408ه/1017م فتح إقليم «كشمير»، والذى كان له صدى كبير وعظيم، نتج عنه دخول العديد من أمراء «الهند» فى الإسلام، وهكذا أخذ السلطان «محمود الغزنوى» على عاتقه نشر الإسلام فى بلاد الهند والقضاء على الوثنية، تنسب هذه الموقعة «سومنات» لاسم صنم للهنود، من أعظم أصنامهم، يحجُّون إليه، وسومنات منطقة تقع على بحر العرب جِهة الهند ما بين كراتشى اليوم وبومباي، هذا ويذكر المؤرخون أن السلطان محمود وطَّد نفسه للوصول إلى هذا الصنم؛ للقضاء على هذه الخرافة، فقصد «سومنات» بعد أن استولى على قلاع كثيرة وهدم ما فيها من أصنام، ثم بدت له منطقة أخرى مقفرة، تحصَّن فيها عشرون ألف مقاتل فقاتلهم وألحق بهم الهزيمة، ثم وصل إلى «سومنات»، فنظر إلى قلعة الصنم فإذا هى حصن حصين قد بُنى على البحر، ثم اشتبك الفريقان ورأى الهنود من المسلمين قتالًا وصبرًا لم يعهدوا مثيلًا له، وصعِد المسلمون الأسوار ونادوا بالتكبير، ودارت المعارك فى ساحات الصنم واحتدمت حتى تراكمت الجثث وكاد الفناء يستوعبهم، فلما شاهدوا القتل ويئسوا من نصر سومنات لهم، ركبوا البحر هربًا، وكان عدد القتلى منهم يزيد على خمسين ألفًا.