لم يكن القتال فى الإسلام أو المعارك التى خاضها المسلمون يومًا من الأيام بهدف الاعتداء على الغير، بل كان لرد العدوان الذى يتعرض له المسلمون، من خلال هذا الباب وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك نقدم لك عزيزى القارئ معركة فى ذاكرة التاريخ الإسلامى خاضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم وعن أرضهم. دارت معركة «البويب» الفاصلة بين المسلمين وكتائب الفرس فى شهر رمضان المعظم، والبويب مكان بالقرب من الكوفة، وهى تصغير لكلمة باب، أو بمعنى أدق الخوخة فى الباب، وهذا التشبيه الدقيق ينطبق على تلك البقعة الصغيرة الضيقة التى يصب فيها نهر الفرات. اقرأ أيضًا | د. إبراهيم البرزنجى «1-2»: دستور أهل القبلة خطوة مهمة لتحقيق الوحدة الإسلامية حول هذه المعركة يقول د. محمد سالم الأزهرى، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: كانت تلك المعركة الحاسمة عنوانا للجندى المسلم المرابط الزاهد القوى بإيمانه الذكى بفكره وتخطيطه، كما كانت نموذجا عمليا على حسن التخطيط، ودراسة العدو دراسة جيدة، والأخذ بأسباب النصر، فبعد الانتكاسة التى حدثت للمسلمين فى معركة الجسر، ومقتل العديد من الشهداء، منهم القادة والسادة وعلى رأسهم قائد جيش المسلمين «أبو عبيدة الثقفي» والذى سقط شهيدا، وانكسر المعسكر الإسلامي، لكن سرعان ما تحامل المسلمون على أنفسهم، وعلى رأسهم البطل المقدام «المثنى بن حارثة»، هذا الرجل بالرغم من جروحه، ومن تجرعه مرارة الهزيمة، غير أنه كان عجولا متربصا بجند الفرس، يريد أن يرى أمير المؤمنين «عمر بن الخطاب» منه خيرا خصوصا وقد أوكل إليه مهمة ليست باليسيرة وهى قيادة الجيش، وفى ظروف قاسية عصيبة، فعمل على جمع شتات المسلمين، وتنظيم صفوفهم، ودراسة العدو دراسة جيدة، خصوصا أن له سابق خبرة وتجربة بالمعسكر الفارسي، وطبيعة الأرض، وبالفعل جهز الجيوش ورابط فى منطقة البويب، وأرسلت الفرس خيلها ورجالها، من أكفأ الرجال وأمهرهم، وأكثرهم خبرة وقوة، وعقدت مكافآت جزيلة ومنح عظيمة لمن يأتى برأس قائد المسلمين «المثنى»، وتصوروا أن يوم الجسر سيتكرر مرة أخرى.. التقى الجمعان وأبلى «المثنى بن حارثة» ومن معه بلاءً حسنا، حتى إنهم كانوا يقاتلون فى شدة وبأس وقوة لا مثيل لها، ولم يجد الفرس أملا إلا الفرار من أمام هذا الزحف الهائل، وهذا الجراد المنتشر الذى لا يبقى ولا يذر، تعالت الصيحات بالتكبير والتهليل، حتى غطت على صوت سنابك الخيل، وصليل السيوف، و«المثنى» يحض جيشه على القتال وهو يقول: «إنى لأرجو ألا تؤتى العرب اليوم من قبلكم».. تمكن المسلمون من هزيمة الفرس وكسر شوكتهم فى جيش مكون من أكثر من مائة وخمسين ألف جندى، غير العدة والعتاد وقتل «مهران» قائد الجيش الفارسى، وحقق المسلمون النصر على الفرس فى هذه المعركة الحاسمة التى كانت من أعظم الانتصارات فى تارخ الأمة.