إنه الرئيس ترامب المثير للجدل.. ومنذ يومين صرح بأنه سيكتفى بالتوصية لمشروع ريفييرا غزة وليس فرضه، بعد أن فوجئ بعدم الترحيب به، ووصف خطته بأنها جيدة، معبرًا عن دهشته من رفض مصر والأردن للمقترح. وأصبحت كل الاحتمالات قائمة، وقد يكون تراجعا حقيقيا، على طريقة ترامب بالإدلاء بتصريحات مثيرة ثم التراجع عنها، بعد أن أدرك حجم الرفض العربى والدولى لمشروعه، وأن الأمور لم تكن بالبساطة التى يتصورها، وأن غزة ليست قطعة أرض مطروحة للاستثمار. ومضى على نهجه كبار مسئوليه، وزير الخارجية «ماركو روبيو» الذى أكد أن اقتراح ترامب كان يهدف إلى خروج مؤقت لسكان غزة حتى يتم إعادة إعمارها، وليس ترحيلا دائمًا، ومبعوثه للشرق الأوسط «ستيف ويتكوف» أكد أن تصريحات ترامب أُسيء فهمها، وأن المخطط لا يعنى الإخلاء القسرى لسكان غزة، وأنه تفكير خارج الصندوق. وإذا افترضنا أنه تراجع حقيقى، فالسبب هو الرفض العربى والدولى، واستنكار موقفه بعد أسلوبه فى المؤتمر الصحفى مع ملك الأردن، وعدم رغبة الزعماء العرب فى مقابلته خشية تكرار نفس الموقف، ونجاح الملك عبدالله الثانى فى إحراجه بدلا من العكس. ولم يستنكر الرأى العام العربى فقط مشروع ريفييرا ترامب، ولكن أيضا طريقة الاستعلاء والاستفزاز التى يتحدث بها مع زعماء العالم، وكأنه فى دعاية انتخابية يهاجم فيها خصومه، وأصبح السؤال: ما فائدة الجلوس معه إذا كان مصرا على طرح مشروع يستحيل تنفيذه على أرض الواقع؟ ولأول مرة يشعر رئيس أمريكى أن دخول البيت الأبيض أصبح محفوفا بالمخاطر والتقرب من رئيس أقوى دولة فى العالم والتباهى بالجلوس معه ليس أمرا جيدا، خوفا من المفاجآت الكلامية على الهواء مباشرة. وربما أدرك ترامب أن التعقيدات السياسية فى المنطقة أكبر بكثير من مشروعه المرفوض، وأن الإدارة الأمريكية تواجه مأزقا صعبا بسبب انحيازها لإسرائيل على حساب دول المنطقة، وأنها تفتح بابا واحدا للصداقة وتغلق كل الأبواب. ولكن الاحتمال الآخر ليس مستبعدًا وهو أن يكون تراجع ترامب مجرد مناورة، حتى تنتهى المرحلة الأخيرة لوقف إطلاق النار، وتخفيف الضغوط الداخلية عن نتنياهو، والتصريح له على بياض باستكمال تدمير غزة، بزعم القضاء التام على حماس، بعد ظهور قوتها العسكرية فى مراسم تسليم الأسرى. وبدأت إسرائيل بالفعل فى التشدد بشروط للمرحلة الثانية المفترض بدأها بعد أيام، أهمها نزع سلاح قطاع غزة بالكامل وتجريد جميع الفصائل الفلسطينية من أسلحتها كشرط أساسى للمفاوضات، وأن «اليوم التالي» فى غزة وفق تصريحات نتنياهو سيكون بدون حماس وبدون «السلطة الفلسطينية»، والالتزام بخطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإنشاء «غزة مختلفة». كل الاحتمالات قائمة ويوصف دونالد ترامب بالعناد، وتنفيذ رؤيته دون التأثر بالضغوط، حتى عندما تواجه قراراته انتقادات قوية أو تحديات قانونية.