تفتحت عيناي علي الدنيا وعلي شاشة التليفزيون! نعم, نحن بحق جيل التليفزيون. أدرك والدي الموظف البسيط مبكرًا أهمية هذا الاختراع العجيب »التليفزيون» ودوره في صناعة الوعي, فاشتري لنا هذا الجهاز بالتقسيط علي استمارة حكومية. ولم يلحق والدي الدفعة الأولي من أجهزة التليفزيون التي طرحتها الحكومة, لكنه أدرك الدفعة الثانية فكان من نصيبنا هذا الجهاز الانجليزي الصنع ماركة »باي» الذي ما زلت أحتفظ به حتي الآن ليذكرني بهذا الزمن الجميل, زمن التليفزيون! كنت أذهب مع جدي إلي مدرسة التوفيقية في شبرا, حيث منفذ تحصيل الرسوم, لندفع القسط نصف السنوي لاشتراك التليفزيون, وقدره ثلاث جنيهات. ربما لا يدرك الجيل الحالي أنه كانت هناك رسوم تُدفع نظير الاشتراك في الخدمة التليفزيونية, هذه الرسوم تم الغاؤها بعد ذلك, ويُقال أنه تم ضمها علي فاتورة الكهرباء. كان التليفزيون آنذاك أبيض وأسود, وقناتان فقط, وفقرة صباحية وفقرة مسائية, لكنه كان مصدر البهجة في البيت, كنا نبكي عندما تُحرق اللمبات الداخلية للتليفزيون, وتتحول الشاشة إلي سوداء, وليس أبيض وأسود, وكان جدي رحمه الله يحمل بين يديه هذا الجهاز الثقيل ويستأجر تاكسي لنذهب إلي توكيل شركة النصر لإصلاح التليفزيون, وكثيرًا ما نعود دونه, لأن اصلاحه سيستغرق عدة أيام, ويعم الحزن البيت لأن هذه الليالي ستصبح كئيبة بدون التليفزيون, ولن تفلح محاولة الجد والجدة في إدخال البهجة من خلال جهاز الراديو, كانوا هم جيل الراديو ونحن جيل التليفزيون. عرفت أفلام الرسوم المتحركة لأول مرة علي شاشة التليفزيون, جيلنا كان يبتهج ويندمج مع البطل فرافيرو العجيب, وحتي الإعلانات كانت تستخدم الرسوم المتحركة إعلانات الشرق للتأمين, وملبس كوفرتينا, ومصر للألبان, ولبن بودرة ريري! علي شاشة التليفزيون رأيت خطاب التنحي لعبد الناصر, ومظاهرات 9 و10 يونيو, ورأيت أيضًا جنازة عبد الناصر, يومها فتح والدي أبواب منزلنا لجميع أبناء شارعنا ليشاركونا في متابعة وقائع الجنازة والبكاء عليه, حيث لم يكن في شارعنا سوي ثلاثة أجهزة فقط. علي شاشة التليفزيون رأيت انتصار أكتوبر, ووقفة السادات كالأسد في مجلس الشعب, وتابعت بألم زيارة السادات للقدس, وكامب دافيد, وانتفضت غاضبًا لاغتيال السادات فجأة في يوم عرسه, أثناء العرض العسكري, في 6 أكتوبر. علي شاشة التليفزيون كنا ننتظر مسلسل المساء, ربما كان الساعة السابعة والربع, وفيلم السهرة يوم الخميس, ومسرح التليفزيون, وعشقت الوجوه الجميلة والعقول النيِّرة لمذيعات التليفزيون... آنذاك. ولكن لماذا تدهور حال ماسبيرو ووصل إلي ما وصل إليه الآن؟ لماذا تركه النابهون والنابهات من أبنائه, وأصبح عامل طرد وليس عامل جذب لأبنائه؟ كان التليفزيون قديمًا قناتين فقط وكنا ننجذب إليه بشدة, والآن قنوات لا تُعد ولا تُحصي, ونهجره إلي الفضائيات الأخري, سواء القطاع الخاص أو الفضائيات العربية؟! في زياراتي القليلة في السنوات الأخيرة للتليفزيون المصري, صُدِمت صدمة عميقة من قذارة الطرقات, ولا آدمية استراحات الضيوف, وسوء أحوال الاستديوهات وكثافة الموظفين, وكان نتيجة كل ذلك تراجع قيمة وأهمية المادة الإعلامية, حتي أنني اتساءل الآن هل يوجد من يشاهد التليفزيون المصري؟! كان التليفزيون في جيلنا يسمي »التليفزيون العربي», لأنه كان بحق سيد المنطقة العربية والأب الروحي للإعلام في العالم العربي, ولكنه الآن لا يُتابع حتي بين المصريين الذين انصرفوا عنه إلي الفضائيات الخاصة والعربية! نحن جيل التليفزيون.... ننعي التليفزيون. تفتحت عيناي علي الدنيا وعلي شاشة التليفزيون! نعم, نحن بحق جيل التليفزيون. أدرك والدي الموظف البسيط مبكرًا أهمية هذا الاختراع العجيب »التليفزيون» ودوره في صناعة الوعي, فاشتري لنا هذا الجهاز بالتقسيط علي استمارة حكومية. ولم يلحق والدي الدفعة الأولي من أجهزة التليفزيون التي طرحتها الحكومة, لكنه أدرك الدفعة الثانية فكان من نصيبنا هذا الجهاز الانجليزي الصنع ماركة »باي» الذي ما زلت أحتفظ به حتي الآن ليذكرني بهذا الزمن الجميل, زمن التليفزيون! كنت أذهب مع جدي إلي مدرسة التوفيقية في شبرا, حيث منفذ تحصيل الرسوم, لندفع القسط نصف السنوي لاشتراك التليفزيون, وقدره ثلاث جنيهات. ربما لا يدرك الجيل الحالي أنه كانت هناك رسوم تُدفع نظير الاشتراك في الخدمة التليفزيونية, هذه الرسوم تم الغاؤها بعد ذلك, ويُقال أنه تم ضمها علي فاتورة الكهرباء. كان التليفزيون آنذاك أبيض وأسود, وقناتان فقط, وفقرة صباحية وفقرة مسائية, لكنه كان مصدر البهجة في البيت, كنا نبكي عندما تُحرق اللمبات الداخلية للتليفزيون, وتتحول الشاشة إلي سوداء, وليس أبيض وأسود, وكان جدي رحمه الله يحمل بين يديه هذا الجهاز الثقيل ويستأجر تاكسي لنذهب إلي توكيل شركة النصر لإصلاح التليفزيون, وكثيرًا ما نعود دونه, لأن اصلاحه سيستغرق عدة أيام, ويعم الحزن البيت لأن هذه الليالي ستصبح كئيبة بدون التليفزيون, ولن تفلح محاولة الجد والجدة في إدخال البهجة من خلال جهاز الراديو, كانوا هم جيل الراديو ونحن جيل التليفزيون. عرفت أفلام الرسوم المتحركة لأول مرة علي شاشة التليفزيون, جيلنا كان يبتهج ويندمج مع البطل فرافيرو العجيب, وحتي الإعلانات كانت تستخدم الرسوم المتحركة إعلانات الشرق للتأمين, وملبس كوفرتينا, ومصر للألبان, ولبن بودرة ريري! علي شاشة التليفزيون رأيت خطاب التنحي لعبد الناصر, ومظاهرات 9 و10 يونيو, ورأيت أيضًا جنازة عبد الناصر, يومها فتح والدي أبواب منزلنا لجميع أبناء شارعنا ليشاركونا في متابعة وقائع الجنازة والبكاء عليه, حيث لم يكن في شارعنا سوي ثلاثة أجهزة فقط. علي شاشة التليفزيون رأيت انتصار أكتوبر, ووقفة السادات كالأسد في مجلس الشعب, وتابعت بألم زيارة السادات للقدس, وكامب دافيد, وانتفضت غاضبًا لاغتيال السادات فجأة في يوم عرسه, أثناء العرض العسكري, في 6 أكتوبر. علي شاشة التليفزيون كنا ننتظر مسلسل المساء, ربما كان الساعة السابعة والربع, وفيلم السهرة يوم الخميس, ومسرح التليفزيون, وعشقت الوجوه الجميلة والعقول النيِّرة لمذيعات التليفزيون... آنذاك. ولكن لماذا تدهور حال ماسبيرو ووصل إلي ما وصل إليه الآن؟ لماذا تركه النابهون والنابهات من أبنائه, وأصبح عامل طرد وليس عامل جذب لأبنائه؟ كان التليفزيون قديمًا قناتين فقط وكنا ننجذب إليه بشدة, والآن قنوات لا تُعد ولا تُحصي, ونهجره إلي الفضائيات الأخري, سواء القطاع الخاص أو الفضائيات العربية؟! في زياراتي القليلة في السنوات الأخيرة للتليفزيون المصري, صُدِمت صدمة عميقة من قذارة الطرقات, ولا آدمية استراحات الضيوف, وسوء أحوال الاستديوهات وكثافة الموظفين, وكان نتيجة كل ذلك تراجع قيمة وأهمية المادة الإعلامية, حتي أنني اتساءل الآن هل يوجد من يشاهد التليفزيون المصري؟! كان التليفزيون في جيلنا يسمي »التليفزيون العربي», لأنه كان بحق سيد المنطقة العربية والأب الروحي للإعلام في العالم العربي, ولكنه الآن لا يُتابع حتي بين المصريين الذين انصرفوا عنه إلي الفضائيات الخاصة والعربية! نحن جيل التليفزيون.... ننعي التليفزيون.