دعينا من الماضي سيدتي.. وفكري معي في حل لمشكلتي ومشكلة ابني في آن معاً، تلك المشكلة التي تنغص حياتي وتمرر طعمها.. وإليكِ قصتي: سيدتي.. أنا رجل في أواخر الثلاثينيات من عمري، وقعت في مطب في حياتي الاجتماعية.. كنت أنا المسئول عنه، لكن قدر الله وما شاء فعل، وليس أمامي سوي التركيز في مشكلتي الحالية. كنت أعمل في معرض موبيليات، وهناك تعرفت علي سيدة منذ عدة سنوات، ومنذ رأيتها لفتت نظري، وقررت أن اتزوجها، هكذا دون مقدمات ولا ترتيبات، ودون سؤال عن رأي أهلها في الأمر. هل تقبليني زوجاً لك؟ نعم.. هكذا تمت الخطبة، وفي ظرف شهرين تزوجنا ونحن سعداء، وعشنا معاً 4 سنوات كاملة، رزقنا الله خلالها بابني الوحيد. بعد ذلك ظهر والدها فجأة في حياتنا، وبات يأتي إلينا كثيراً ويقضي أياماً في بيتنا، رحبت به فأنا لم أره من قبل، ومن باب الفضول سألت زوجتي عن سبب إقامته في بيتنا، فقالت إن هناك خلافات بينه وبين زوجته »أم زوجتي«. ثار الشك في قلبي، وبدأ »الفأر يلعب في عبي« كما يقول المثل الشائع، وبحثت في الأمر حتي اكتشفت المصيبة، والدها هارب من تنفيذ حكم بالسجن! دب خلاف كبير مع زوجتي لأنها لم تخبرني بهذه المصيبة قبل أن نتزوج، وانتهي الأمر بطلاقنا، الطامة الكبري سيدتي هي أنني ذهبت إلي بيت والدها لرؤية ابني، فوجئت بأنهم تركوا هذا البيت وباعوه وانتقلوا إلي مكان آخر لا أعلمه حتي الآن. أعرف أنني مخطئ لأنني لم أكن دقيقاً في الاستقصاء عن زوجتي قبل أن تتم الزيجة، وها أنا ذا أدفع الثمن غالياً، بأن حرمت من رؤية ابني الوحيد لأكثر من عامين حتي الآن.. لا أعرف أين هو، ولا كيف يبدو، ولا أي شيء عنه. سيدتي.. أريد رأيك في الأمر برمته، وبالله عليك دليني.. كيف أعالج الخطأ الذي وقعت به؟ إنني اشتاق إلي رؤية ابني وفلذة كبدي واطمئن عليه. داعياً من الله عز وجل أن ينزل في قلب أمه الرحمة، وتصغي إلي كلماتك وتسمح لي برؤية ابني. المعذب »ص. م. ص« الكاتبة: أشعر تماماً بمعاناتك.. فأنت أب محروم من رؤية ابنه الوحيد، والأكثر من ذلك أنك لا تعرف عنه شيئاً، لا مكانه، ولا أخباره، ولا كيف أصبح شكله بعد عامين من الغياب! بالطبع.. كان عليك أن تسأل، وتعرف من هي المرأة التي سوف تشاركك حياتك، ويتوحد معها مصيرك، لكن هذا يحدث في أحيان كثيرة، يتغلب القلب علي العقل، وننسي في غمرة المشاعر وتدفقها أن نعمل العقل، وندقق في بعض الأمور المهمة التي تؤثر بشكل جوهري في حياتنا ومستقبلنا. المهم.. علينا أن نتعامل الآن مع الواقع. قدر الله وما شاء فعل. إذن ما الحل؟ أري أن تبحث عن أي قريب أو صديقة لزوجتك، وأن ترسل من خلالهم رسالة تصف فيها حالك، وتطلب منها أن تقدر موقف أب منزوع المشاعر أو مدهوس علي ابوته! وأنا شخصياً أتمني أن تكون زوجتك من قراء هذه الصفحة، وأن تحرك سطوري هذه مشاعرها الإنسانية كأم تعرف »غلاوة الضني«.. فالأب كذلك يتألم والإبوة مرادفة للأمومة حتي وإن كانت الأمومة أسمي في المعني، والعطاء. لذلك أيتها الأم الغائبة.. أتمني أن يحرك فيك شهر رمضان مشاعر النبل والإنسانية، وأن تؤمني بحق زوجك في رؤية ابنه، فهو حق شرعي، وإنساني، لذا أرجو أن تراجعي نفسك، وتحكمي ضميرك قبل كل شيء، فلا شيء يعلو علي حكم الضمير إذا ما أردنا أن نرضي عن أنفسنا، ويرضي عنا خالقنا العظيم سبحانه وتعالي. إنه شهر رمضان الكريم.. هذا الشهر الذي يحاول فيه كل إنسان أن يتطهر من ذنوبه، ويصفو إلي نفسه، ويتقرب إلي الله سبحانه وتعالي. إنها فرصة لتصحيح الأخطاء، وتقويم النفس، والبحث عن السلام الداخلي الذي لا يعادله شيء في الدنيا. أرجوك.. سيدتي.. راجعي نفسك.. قومي ما اعوج منها، وخاصمي العند والغضب، افتحي قلبك بالحب لهذا الزوج الذي كان يوماً حبيباً وشريكاً وأباً لابنك. وأياً كان موقفك منه.. سواء الإصرار علي الطلاق أو الرغبة في العودة إلي حياتكما المشتركة، فلا تحرميه من حق الرؤية لابنه. كوني رحيمة بأب يبكي بالليل والنهار. وكوني عادلة حتي يرضي الله عنك، ويمنحك السلام والراحة النفسية. يمكنك أن تصلي إلي اتفاق بحضور شهود علي تنظيم حياة الولد بينكما، بحيث لا يحرم منك أو منه، وهذا هو العدل، والشرع، والحق. وصدقيني.. إذا كنت تحبين ابنك، وتحرصين علي صحته النفسية، اجعليه يشبع حباً، أي لا تحرميه من حبك، ولا تحرميه من حب أبيه، فكلاهما يمنحه الثقة والقوة، ويشعره بالسند المعنوي، والدعم النفسي. إنه رمضان.. ذلك الشهر الذي نبحث خلاله جميعاً عن شيء نفعله، ويطهرنا من الداخل. وأنت أمامك فرصة ذهبية.. انتهزيها.. ولا تضيعيها..!