أكتب إليك سيدتي بعد ان ضقت ذرعا بمن حولي، فلم يعد يشعر صديق بمشكلة صديقه.. واختصارا للمقدمات فتلك هي حكايتي.. أنا شاب في سنتي الجامعية الأولي، مشكلتي تبدو تافهة لكن أقسم لك تؤرق منامي، وهي ببساطة تتلخص في ثلاث كلمات هي: »أنا قصير القامة«. لكي لا أطيل عليك فلن أخوض في تداعيات شعوري بذلك، لكني سأسرد السبب المباشر الذي دفعني إلي كتابة هذه الرسالة بعد طول تردد، فعندما قابلت الفتاة التي خفق لها قلبي وجدت نفسي أقل منها طولا، وأرجو منك ألا تسيئي فهمي فيما أقول، فلا أعلم لسوء حظي أم لحسن حظي وقعت في غرام هذه الفتاة. هي جميلة، بل آية في الجمال، طاغية الأنوثة، وهنا تكمن المشكلة، فأنا أجهل ان أقابلها، ليس لضعف شخصيتي أو لارتباكي أمامها، لكن لمنظري المضحك مقارنة بها، فهي أطول مني بفارق ملحوظ، كما انني ضئيل الجسم وهي -كما ذكرت- »فائرة«، ومن يراها يعطيها أكبر من سنها لجمالها وأنوثتها. حين أكون معها أري في عيون من حولي نظرات سخرية واستهزاء ممزوجة بالحسد، ولا استطيع ان أصف لك وقع تلك النظرات علي، فكأنها سهام من نار تصيب قلبي، وربما أترك مذاكرتي وأفكر: هل كان سيحدث ذلك لو كنت طويل القامة؟ هل كان سيحدث ذلك لو كنت قوي البنيان؟ وهل تقاس الأمور بهذا المقياس؟ لن أكذب عليك سيدتي فأنا أشعر وأنا معها أني لست رجلا، أشعر انها ليست بأمان وهي معي، أشعر انها مع أخيها الأصغر. منذ أقل من أسبوع كنت معها في منطقة مزدحمة فقام بعض الشباب بمغازلتها علي مرأي ومسمع مني، وكان من المفترض كرد فعل رجل أو شاب يغار ويخشي علي من يحب ان أتشاجر مع هؤلاء الفتية وأجعل حبيبتي تشعر انها معي في امان ولا يستطيع أي مخلوق ان يمسها بسوء، لكن كان رد فعلي اني لم أحرك ساكنا، واكتفيت بنظرة علي هؤلاء الشبان وكأن شيئا لم يكن حين عدت إلي منزلي -أقسم لك- كنت أريد ان أنتحر حتي لا أعرض نفسي لهذا الموقف مرة أخري، ولكي أنهي حياتي البائسة، هذه. سيدتي.. أتوسل إليك: ماذا عساي أن أفعل؟ كيف أهزم قامتي القصيرة علي الأقل أمام حبيبتي؟ القصير »م« الكاتبة: أقدر مشاعرك -عزيزي- ويؤلمني احساسك بالنقص أمام نفسك أولا، ثم أمام الفتاة التي تحبها، وأخيرا أمام الناس جميعا. أعرف ان العيوب الخلقية تؤذي -أحيانا- مشاعر البشر رغم انهم ليسوا مسئولين عنها، فقد خلقهم الله هكذا، ولا اعتراض لإنسان علي ارادة الخالق. فقد يكون هذا العيب »البسيط« امتحانا لقدرة الإنسان علي تقبل القدر والمكتوب، وقد يجعل هذا العيب أو غيره من العيوب الخلقية الإنسان متحديا للظروف، قاهرا لها، محققا لأشياء من الممكن ان يعجز عن انجازها غيره من الناس الطبيعيين، الذين لا يعانون من أية مشكلة خلقية أو في الشكل أو الحواس. ولننظر إلي معوقين وفاقدي بصر أتوا بمعجزات وحققوا انجازات لم يحققها البشر الطبيعيون.. والأمثلة عديدة، طه حسين عميد الأدب العربي كان فاقدا لنعمة البصر منذ طفولته المبكرة، ومع ذلك استطاع ان يتربع علي عرش الأدب العربي، وحصل علي الدكتوراة من جامعة السوربون بفرنسا. وكان وزيرا للمعارف »التعليم« رغم انه فاقد لأهم حاسة من حواس الإنسان: نعمة البصر! عندما يفتقد الإنسان حاسة أو عضوا أو شكلا طبيعيا في جزء من أجزاء جسده يصاب بالأسي وأحيانا الحسرة، لكن الأذكياء هم الذين يحاولون مصادقة ذلك العيب أو تلك النقيصة ولا يعتبرونها نهاية العالم! كان يستوقفني دائما العديد من الأمريكيات البدينات اللاتي يتصرفن بلا أي عقد أو احساس بالنقص، وعندما قرأت ابحاثا نفسية حول هذا الموضوع، أدركت ان العيب ليس هو المشكلة، لكن احساسنا بذلك العيب هو المشكلة. كثيرون يصادقون العيب أو النقيصة التي خلقوا أو اصيبوا بها. هؤلاء يسلمون بوجود ذلك، لكنهم لا يتوقفون عنده، ولا يجعلون منه سدا يحجب عنهم رؤيتهم للحياة أو يعطل احساسهم بجمالها وبهجتها. لذلك - صديقي- فكر بنفس اسلوب هؤلاء الأذكياء الذين يؤمنون بان الجمال احساس ورضا وقناعة، وان الثقة بالنفس كفيلة بهزيمة أي نقص في المقاييس الطبيعية. المهم ان نرضي بالشكل الذي خلقنا عليه الله. وان نصاحب نقائصنا، ولا نجعل منها جدرانا يباعد بيننا وبين البشر والحياة. حب نفسك.. وثق بجمالك الداخلي.. وتعامل مع قصر قامتك ببساطة.. ودون تعقيد. عندها سوف تتعامل مع الناس بلا قلق أو احساس بالخجل. سوف تحب نفسك.. وتحب الحياة.