بعد كل هذه المطالبات التي لم تنقطع بتجديد الخطاب الديني، لا يستطيع المرء إلا أن يقف مذهولاً حين يخرج علينا من ينتسب للأزهر الشريف ومن كان يتولي مسئولية الإفتاء باعتباره عضواً في لجنة الفتوي »بآخر إنجازاته»!! في عالم الافتاء، فيعلن جواز عقد النكاح علي الجنين وهو في بطن أمه إذا كانت أنثي!. تفوق الرجل »بلا شك» علي من سبق لهم أن أباحوا زواج الأطفال وإرضاع الكبير والتداوي بالبول.. وأثبت الرجل وأقرانه أن الفكر المتخلف هو أصل الداء، وأن ما يبدأ من أوراق صفراء لا صلة لها بصحيح الدين الحنيف، لابد أن تنتهي بمخاصمة العقل وبتدمير كل المعاني الطيبة التي جاء بها القرآن الكريم وبشر بها سيد الخلق. ندرك الآن بلا شك أن معركتنا طويلة وصعبة.. وهي ليست فقط مع عصابات إرهاب، وصل بها الانحطاط الي قتل المصلين داخل دور العبادة كما فعلوا في كنائس مصر، وكما ارتكبوا مجزرة »الروضة» قبل عام. ولكنها تمتد أيضا إلي هذا الفكر الشيطاني الذي يحول رسالات السماء من عالم المحبة، والتسامح والرحمة الي حيث يتجارون بها منطلقين من أفكار التخلف إلي انحطاط التكفير والإرهاب. معركتنا قد يكون تجديد الخطاب الديني بدايتها، لكنها لابد ان تمتد لإصلاح ديني شامل يرتبط بتجديد الثقافة، وإطلاق الفكر واحترام العلم، في معركة المصير التي يخوضها الوطن كان لابد من خطوات سريعة في هذا المجال. ان نستعيد منابر المساجد التي كان التطرف قد استولي عليها.. أن نبعد أنصار الجماعات الإرهابية عن مراكز التأثير والقرار في المؤسسات الدينية، أن نبدأ في مراجعة بعض المقررات الدراسية التي كان فكر التطرف والتعصب ونشر الكراهية قد تسلل إليها. كل هذا جيد. لكنه بداية طريق واستهلال لمعركة لابد ان ندرك أن هناك من سيقاوم فيها حتي النهاية.، ولابد أن نؤمن أنه لا تقدم ولا نهضة حقيقية لنا إلا بالانتصار الحاسم في هذه المعركة علي جيوش التخلف التي استباحت عقل مصر ووجدانها منذ عشرات السنين. قبل ان تنفتح الأبواب في السبعينيات من القرن الماضي أمام فكر الجهالة والتخلف كنا قد قطعنا شوطا بعيدا في طريق التقدم الحقيقي.. كنا أطفالا في مدارس موحدة للجميع، لا تعرف التفوقة ولا تنشر التعصب، أو الكراهية.. بعد القرآن الكريم توجهنا لننهل من بساتين العلم والمعرفة اقتربنا من الدين الحنيف مع طه حسين و»علي هامش السيرة» ومع الدكتور هيكل و»حياة محمد» ومع العقاد و»العبقريات» تم انتقلنا بعد ذلك إلي كتابات خالد محمد خالد وإلي »محمد رسول الحرية» للشرقاوي وكان الإمام »شلتوت» هو طريقنا إلي محمد عبده وقافلة المصلحين الدينيين، كان كل ذلك يجري وسط مناخ ثقافي مزدهر، ومدارس وجامعات تعرف طريق الفن والثقافة والاحتفاء بالحياة والعلم، كان ذلك قبل الغزوة السوداء حيث دخلت الخناجر الي الجامعات، وتم اغراق مصر في جحيم »عذاب القبر» وأشد صفحات التراث إظلاما، وقبل ان يتحالف التشدد الوهابي مع الارهاب الاخواني لضرب كل شيء جميل ومزهر ولمصادرة العقل ومعاداة الحياة، وقطع الطريق علي نهضة كانت تضعنا في قلب العصر والتقدم. تنقية التراث الذي يتصل بالدين الحنيف خطوة ضرورية، مهمة الافتاء هي في يد مفتي الديار المصرية وحده بعد التشاور مع هيئة كبار العلماء وهي محصورة في القضايا الدينية، غير ذلك من الاراء هي اراء شخصية أيا كان من يصدرها أطفالنا جميعا ينبغي ان يتلقوا تعليما موحدا، لا أن نترك بعضهم في ايدي من يعلمونهم التعصب أو من يجعلونهم غرباء في وطنهم. كل هذه المهام ضرورية من أجل تجديد الفكر الديني، وكلها مطلوب أن تتم في زمن قريب، وأن تكون جزءا من اصلاح شامل تكون الثقافة والفنون في القلب منه ويكون التعليم فيه عاملا أساسيا في توحيد الأمة وترسيخ فكرة »المواطنة» واعلاء قيمة العقل وفضيلة التفكير والابداع. من هنا كان صحيحا ان نقول ان معركة الاصلاح الديني هي معركة المجتمع كله وطريقه لكي ينهض ويتقدم وهي معركة أكبر من أن تترك لرجال الدين وحدهم، أو لثقافة مازالت تحدثنا عن زواج الجنين في بطن أمه!!.