أتمني ألا تشغلنا »الهلاوس» التي يرددها من يدعون الحديث باسم الدين الحنيف، عن حقيقة المعركة التي ينبغي أن نخوضها من أجل استعادة الفهم الحقيقي لدين كان وسيظل للأبد عنواناً للتسامح ودليلاً إلي العمل الصالح لخير كل البشر. نحن نقاتل الإرهاب وندفع الثمن من أرواح أغلي أبنائنا، ونصمم علي استئصال كل بؤر الإرهاب من علي أرض مصر، ونثق تماماً في أننا سنستكمل المهمة، وسنؤمن الوطن من مخاطر هذه الفئة الباغية، ومن يقفون وراءها ويوفرون لها الدعم والمساندة علي وهم أن تبقي شوكة في جانب مصر، تستنزف قواها وتمنع تقدمها الذي سيتحقق بالرغم من كل ما يوضع أمامنا من عقبات. سنستأصل كل بؤر الإرهاب، لكن علينا أن ندرك أن المهمة الأصعب ستكون القضاء علي أفكار الضلال التي اعتمد عليها إرهاب الإخوان والدواعش، والتي ستظل تنتج أجيالا من المخدوعين الذين يسيرون في نفس طريق الإرهاب، كما فعلوا منذ أن فتحته من جديد جماعة الإخوان قبل تسعين عاماً، مستعينة بفكر الخوارج، وبدعم الاحتلال البريطاني وشركة قناة السويس الأجنبية، لكي تجهض تحرك مصر في ذلك الوقت نحو استكمال الاستقلال وفتح أبواب التقدم. سنستأصل بؤر الإرهاب بلا أدني شك، وستبقي معركتنا ضد فكر الإرهاب التي ينبغي أن تدار بوعي كبير، وبإدراك لمدي صعوبتها بعد أن تمكن هذا الفكر المتخلف من استغلال تراجع دور الدولة لسنوات طويلة، ليفرض نفوذه في المجتمع، وليفرض سطوته علي الكثير من مؤسسات الدولة، وليفرض ثقافته المتخلفة علي مجتمع تراجع فيه مستوي التعليم، وحرم البسطاء من الثقافة الحقيقية، وترك الفقراء رهينة في يد جماعات الزيت والسكر المدعومة بأموال مشبوهة.. أو بأموال مرصودة لكي تضرب أعظم ما تملكه مصر من ثقافة وفنون وآداب وعلوم، وفهم حقيقي للإسلام لا يعرف هذا الغلو، ولا يؤمن إلا بأن الدين الحق هو دعوة للخير والجمال، وللعدل والحرية، وللإخاء والمساواة بين البشر أجمعين. معركتنا هذه صعبة، ولا ينبغي أن ننشغل عنها بهذه »الهلاوس» التي يرددها أدعياء الدين، ولا بالفتاوي الشاذة التي مازالت تقف عند التداوي ببول الإبل، لتصل إلي مطالبة نجم الكرة محمد صلاح بالتوبة لأنه يلعب بالشورت بدلا من اللعب بالجبة والقفطان! معركتنا صعبة.. وهي لا تقف عند حدود الخطاب الديني وضرورة تجديده، ولا عند فتاوي التخلف التي تطارد المسلمين وتهين الوطن كله حين تحرم السلام علي إخوتنا في الوطن إذا اختلفوا معنا في الدين. هذه كلها أعراض لأمراض تفتك بعقل المواطن وتمنع تقدم الوطن وتفتح الباب لأجيال جديدة تنشر إرهابا جديداً تحت عناوين مختلفة، لكن الأصل واحد، والعدو لا يختلف. معركتنا صعبة، لأن عليها أن تتجاوز هذا الواقع الأليم انطلاقاً من حقيقة أساسية، وهي أن المعركة ليست مسئولية المؤسسات الدينية وحدها، بل هي مسئولة الدولة كلها. وأن المطلوب ليس مراجعة لكتب التراث، ولا تجديداً لخطبة الجمعة، الأمر يتجاوز ذلك إلي حاجتنا لثورة ثقافية شاملة تعيد تصحيح المسار في التعليم والثقافة، وتجعل من التفكير فريضة، ومن إتقان العمل ضرورة، ومن احترام العقل وحرية الإبداع دليلا للتقدم، ومن المواطنة الكاملة التي تساوي في الحقوق والواجبات بين كل المصريين أساسا للدولة التي نبنيها معا، ونحرسها معاً من كل المخاطر.. وأولها خطر الإرهاب والتطرف الذي يسلطه كل الأعداء علينا، مستهدفين وحدتنا الوطنية التي ستظل قدس الأقداس لكل المصريين. تجربة السنين تقول إن ضرب جماعات التطرف والإرهاب ضروري، لكن الخطر يبقي طالما بقي هذا الفكر المنحرف قابلا للحياة، وطالما بقي المجتمع مستعداً لقبوله والتعامل معه! تلقت هذه الجماعات ضربات قاسية في الخمسينيات والستينيات. لكن ما أن منحها السادات في السبعينيات فرصة العودة، في خطأ فادح دفع حياته ثمناً له.. حتي وجدنا الثعابين تخرج من جحورها، ووجدنا ثقافة الكراهية والتعصب جاهزة للتحرك، ووجدنا من يدعم من الخارج ومن يساند من الداخل لكي يغلق طريق التقدم والنهضة أمام مصر. وفي عهد مبارك ظن النظام أن التعايش مع هذه الجماعات ممكن. وظن البعض أن بإمكانهم أن يحتفظوا بالسلطة ومعظم الثروة، وأن يتركوا هذه الجماعات تعمل دون أن تنازعهم الحكم. فكانت النتيجة كارثة حقيقية، حيث انتشرت هذه الجماعات في مفاصل المجتمع، واستغلت تخلي الدولة عن وظائفها، لتملأ الفراغ، وبينما كانت الأحزاب السياسية محاصرة في مقراتها، كانت هذه الجماعات تغزو الريف وتنتشر في المدن، وتعلم الأطفال التعصب في مدارسها، وتمد نفوذها إلي الجامعات وإلي باقي مؤسسات الدولة.. ولتكون بعد ذلك جاهزة لسرقة ثورة يناير من أصحابها، ثم للاستيلاء علي الحكم، ولتبقي رغم السقوط في ثورة 30 يونيو قادرة علي نشر إرهابها الأسود الذي نخوض الآن معركة استئصاله علي أرض سيناء وفي كل بقعة من أرض الوطن. سنستأصل بؤر الإرهاب الإخواني الداعشي، لكن سيكون علينا أن نخوض معركة طويلة من أجل القضاء علي فكر الإرهاب وثقافة التعصب والكراهية. وهي معركة أكبر من أن نلقي مسئوليتها علي رجال الدين وحدهم. إنها معركة المجتمع كله والدولة بكل مؤسساتها من أجل إصلاح شامل يكون تجديد الفكر الديني جزءا منه، وتكون نقطة الانطلاق فيه أن نستعيد احترامنا للعقل، وانتماءنا للعصر، وقدرتنا علي أن نعود صانعين للحضارة. ولن يحدث ذلك إلا بتعليم ينمي القدرة علي التفكير والابتكار وبثقافة تفجر طاقات الإبداع وتنشر قيم المواطنة، وبفكر مستنير لا ينشغل بفتاوي مضاجعة الموتي والزواج من الجن ومطالبة محمد صلاح بالتوبة (!) عن علم يقود العالم نحو تقدم غير مسبوق. المجتمع المستنير هو القادر بإطلاق طاقات الفكر والإبداع، أن يحقق الإصلاح ويصنع التقدم ويغلق الباب أمام أفكار التطرف والكراهية. قد تكون المعركة ضد فكر الإرهاب أصعب من المعركة ضد جماعاته المنحطة. لكنها ضرورة حياة لوطن يستحق الأفضل ويستطيع تحقيقه.