بلدنا للنهار.. هكذا كانت، وهكذا ستكون، رغم كل ما تواجهه من خفافيش الظلام!! لا يمكن أن يكون لهذا الإرهاب الأسود مستقبل في مصر. هذه الحقيقة الأساسية التي نعرفها ونؤمن بها، ونحن نواجه هذا الاجرام الإخواني - الداعشي الذي يحاول عبثا كسر إرادة هذا الوطن وبث الفتنة بين أبنائه. نختزن الحزن النبيل علي شهدائنا الأبرار، ونعرف أن المعركة طويلة وصعبة لكنها محسومة بنهاية لا بديل عنها.. وهي أن مصر لن تكون أبدا أرضا للإرهاب!! لو كان من الممكن أن تكون هناك نهاية أخري، لكان الأمر قد اختلف مع تجربة العام الأسود من حكم »الإخوان» لمصر. في غفلة من الزمن حدثت المأساة، استولت الجماعة الإرهابية علي مفاتيح السلطة. احكمت القبضة علي الرئاسة والحكومة والبرلمان. وبدأت في محاولة السيطرة علي الصحافة والقضاء والشرطة. كان وراءها أكثر من ثمانين عاما من العمل المنظم والإرهاب المستمر. وكان وراءها دعم أجهزة المخابرات لدول كبري كان لها فضل رعاية إرهاب الجماعة منذ نشأتها. وكان وراءها قرار من إدارة أمريكية خائبة بالرهان علي »الإخوان» وتسليمهم مقاليد السلطة في مصر والعالم العربي لتنفيذ المخططات باعادة رسم خريطة المنطقة علي حساب الشعوب العربية. وكان وراءها مليارات الدولارات والريالات من حكام عرب ومسلمين نشأوا علي العمالة، وتحولوا لخناجر مسمومة تمسكها الأيادي الأجنبية لتضرب بها في أجساد أمة عربية لا مستقبل لها بدون مصر، ولا نجاة لها إذا سقطت »المحروسة» في أيدي إرهاب »خوارج العصر» بكل تخلفهم وانحطاطهم وخيانتهم للدين والوطن. بإحساس القوة ظنوا أنهم قادرون علي قهر مصر. كشفوا وجههم القبيح وأعلن مرشدهم ما كانوا ينكرونه لسنوات، ووقف يفخر بأنه »قطبي» أي يعتنق أفكار سيد قطب التي تكفّر كل المجتمع وتدعو لقتاله. ووقف »قائدهم» يتحدي بأنهم سيحكمون مصر لخمسمائة عام قادمة. وفتحوا الباب لكل جماعات الإرهاب التي يعرفون جيدا انها خرجت من عباءتهم، ورضعت سموم أفكارهم. وجاءوا بها لتكون جيشا لإرهاب المصريين، ولكي يضعوا شعب مصر كله أمام الخيار المرير: إما أن نحكمكم.. أو نقتلكم! روح مصر الباقية ورغم ذلك كله.. لم يدرك إخوان الإرهاب أنهم سيواجهون قوة أكبر من كل قواهم الاجرامية ومن كل ما يتلقونه من دعم ومساعدات. انها »روح مصر» التي لا يمكن أن تقبل أن تكون أسيرة لقوي الجهل والتخلف، ولمن يريدون اعادة »المحروسة» إلي ظلام العصور الوسطي!! »روح مصر» كانت تعني ميراث آلاف السنين من صنع الحضارة التي علمت الدنيا كل القيم النبيلة، ووحدت المصريين جميعا في سبيكة وطنية لا تعرف الكراهية أو التعصب، وتغمر الكون بما في قلوب أبنائها من محبة للخير وانحياز للحق والجمال. »روح مصر» هي الكنيسة الوطنية بحق، والأزهر الشريف وهو يحفظ الاسلام الوسطي، والشعب الذي يعرف أن أرضه هي التي جسدت وحدة أبناء الوطن ورفضت منطق الأغلبية والأقلية علي أساس الدين، وتمسكت بمبدأ »المواطنة» في وجه كل محاولات زرع الفتنة بين أبناء المحروسة. و»روح مصر» هي التي وضعت المرأة في أعلي مراتب الاحترام منذ الفراعنة، وفهمت الأديان فهما يعلي من قيمة العقل، ويجعل من الفكر الحر واجبا، ومن طلب العلم فريضة. و»روح مصر» هي الاحتفاء بالحياة، وعبادة الله بنشر العمران ونثر المحبة والفرح في ربوع الأرض، ونشر العدالة وتحرير العقل لكي يبدع علما وثقافة وفنا جميلا يطارد القبح ويطهر الحياة من الكراهية والتعصب واستباحة الدم الحرام!! و»روح مصر» هي ميراث الجمال والعلم والفن الذي يتغلغل في شرايين كل مواطن. من أفقر فلاح إلي أكبر عالم. ميراث الحضارات المتعاقبة والأديان السماوية التي تعانقت علي أرض مصر. وميراث الإبداع الجميل منذ الفراعنة وحتي الآن. وميراث مثقفين ناضلوا في أصعب الظروف لكي ينصروا الحق ويدافعوا عن الحياة. ميراث رفاعة الطهطاوي ولطفي السيد وعبدالله النديم وطه حسين والعقاد والحكيم ونجيب محفوظ ويوسف أدريس وشوقي وحافظ وصلاح عبدالصبور وحجازي وأمل دنقل، ميراث بيرم وفؤاد حداد والابنودي وسيد حجاب. وميراث سيد درويش وعبدالوهاب وعبدالحليم وأم كلثوم. وميراث صلاح أبوسيف ويوسف شاهين.. وعشرات الألوف من المثقفين الذين ناضلوا ودفعوا الثمن، ومن المبدعين الذين أثروا حياتنا بكل ما هو جميل، ومن العلماء الذين أثبتوا أننا قادرون بأقل الامكانيات أن نثبت جدارتنا بأن نكون من صناع الحضارة الانسانية كما كنا علي مر الزمن. لن تكون إلا نفسها!! »روح مصر» هي التي انتفضت في وجه حكم الإخوان الفاشي، وهي التي أوقفت مؤامرة جر مصر إلي ظلام العصور الوسطي. وهي التي جعلت كل قادر علي الخروج ، ينزل الي الميادين في 30 يونيو ليعلن أن مصر لن تدخل »نفق قندهار» الذي يريد إخوان الإرهاب أن تسير فيه. وأن مصر لن تكون إلا نفسها، وأنها لن تنكسر أمام إرهاب منحط، ولن تنهزم امام »ثقافة» الكراهية والتعصب ونشر الموت وإشاعة الدمار، ولن تبيع روحها الطاهرة في سوق النخاسة حتي لو أرادوا خداع الناس برفع الشعارات الدينية والتخفي وراء الاسلام البريء من كل ما يفعله »خوارج العصر» باسم الدين الحنيف. في 30 يونيو خرجت مصر لتدافع عن وجود مصر التي نعرفها ونعيش ونموت علي أرضها، كانت لحظة دفاع عن الوجود بكل معني الكلمة. وكان الكل مستعدا لان يدفع الثمن. كانت إرادة أمة بمن فيها جيشها الوطني الذي لم يكن له موقف في أي لحظة حسم إلا الموقف المنحاز لإرادة الأمة. والمأساة أن ما لم يفهمه »الإخوان» قبل 30 يونيو، لم يفهموه حتي الآن. يقودون جماعات الإرهاب في فصل جديد من فصول التآمر علي الوطن ومحاولة نشر الدمار وإشاعة الفتنة واستنزاف الدولة باسم الدين البريء من كل ما يفعلون. يفجرون الكنائس ويتصورون أنهم سينشرون الفزع بين المصريين، ويزرعون الشقاق في صفوفهم. لا يدركون أنهم يستنفرون مصر كلها لتدافع عن نفسها لتحمي »روح مصر» المستهدفة علي الدوام، لانها القادرة علي هزيمة ثقافة الموت ودعاوي الإرهاب باسم الدين. ولأنها لن تسمح لخوارج العصر ان يكون لهم مكان في وطن عاش وهو يجسد قيم التسامح والمحبة، ويتعانق فيه الهلال مع الصليب، ويتوحد فيه كل الشعب في مواجهة كل عدوان علي أرض مصر، أو كل مساس بروحها التي ترفض »ثقافة» الموت، ودعوات التخلف والعداء لكل ما هو جميل في حياتنا، ولكل ما هو نبيل في الدين الحنيف. خفافيش الظلام تتوهم أنها قادرة علي قهر »روح مصر» التي لا تقهر، يريدون الموت ونريد الحياة. يريدون استعادة أزهي عصور التخلف، ونريد مواصلة الطريق نحو الدولة المدنية الحديثة المتقدمة. يريدون قهر العقل والابداع وفرض الاستبداد، ونريد تحرير العقل وإبداع كل ما يجمل الحياة، يريدون ظلام العصور الوسطي، ونرد بأن »بلدنا.. للنهار» كما رددنا مع عبدالحليم كلمات الأبنودي في لحظة أخري مظلمة مرت علينا قبل خمسين عاما، وانكسرت امام »روح مصر» وكان لابد أن تنكسر!! المواجهة الشاملة هي الطريق ماذا يعني كل ذلك؟! يعني أن المعركة ليست فقط بين قوات الأمن وبين بضع مجموعات من جنود الإرهاب الاسود الذي أصبح يعيث في الأرض فسادا باسم الاسلام المفتري عليه.. ولكن المعركةهي بين مصر التي عاشت صانعة للحضارة وحاضنة لأسمي القيم الانسانية، ومتطلعة الي بناء الدولة الحديثة المتقدمة، ومصر التي يتوهم الإرهاب أنه قادر علي تحويلها الي مستوطنة لعصابات الإجرام، وبؤرة للإرهاب باسم الدين، وقاطرة لتقود العالم العربي كله الي ظلام القرون الوسطي الذي يراه الإخوان والدواعش جنة الدنيا ورضوان الآخرة!! المواجهة الأمنية ضرورية وحاسمة، والمتطلبات السياسية ليس هذا مجالها وان كان التنبيه إليها ضروريا. ما نريد التركيز عليه هنا هو استنفار »روح مصر» لكي تدافع عن مصر المنحازة للحياة ضد الموت، وللعلم ضد الجهالة، وللمحبة ضد الكراهية والعنف، وللحق والحرية والعدل والكرامة.. ضد كل ما هو قبيح في حياتنا. بالقطع هناك حاجة ماسة لبرامج سريعة لمواجهة اجتماعية واقتصادية لمشاكل الفقر والبطالة. وهناك ضرورة لإنهاء حالة الموت السياسي للحياة الحزبية. لكن ما أود التركيز عليه هنا هو المواجهة الأساسية بين ثقافة الموت »حتي لو ارتدت عبارة دينية!!» وبين ثقافة الحياة والتقدم التي لابد أن نحشد قوانا لدعمها.. ليس فقط لنكسب جولة حاسمة كما فعلنا حين اسقطنا حكم الإخوان الفاشي، وكما نفعل الآن ونحن نخوض المعركة ضد إرهاب إخواني- داعشي منحط، ولكن نحسم المستقبل لصالح النهوض والتقدم والعدل والحرية، ولكل القيم التي تجسد »روح مصر» الحقيقية. أسئلة المواجهة!! وليس أمامنا هنا إلا أن نطرح الاسئلة، ثم ننتظر الجواب، مع كل الرجاء بألا يكون الانتظار عقيما، لأن التحديات لا تقبل هذا علي الإطلاق!! نسأل- وننظر الجواب- هل يمكن أن يستمر قتالنا ضد الإرهاب مع دفع الثمن الغالي من أرواح أبنائنا واستنزاف دولتنا، بينما معامل »التفريخ»، للإرهاب مستمرة في عملها لأسباب مختلفة؟! هل يمكن أن تستمر مدارسنا في زرع الكراهية بين أطفال يسقطون ضحايا لمناهج مازالت تحتاج لإصلاح، أو لمدرسين قادمين من مدارس الإرهاب؟! وهل يمكن أن نحافظ علي روح مصر، بينما »شركة برهامي وشركاه»، مستمرة في اصدار فتاوي التكفير، وتحريم التعامل مع الأقباط، وإباحة »نكاح الأطفال»، والانتصار لأفكار تعيد المرأة لعصر الجواري، وتعيد الرجال لعصر العبيد؟! وهل يمكن أن نجتث الإرهاب من جذوره- وليس فقط أن ننتصر عليه في معركة أو أخري- دون نهضة ثقافية حقيقية تستنهض كل المبدعين والمفكرين لكي تضيء المسارح المظلمة، وتنبض الحياة في قصور الثقافة من جديد، وتعود السينما ويزدهر الغناء؟! معركتنا ضد الإرهاب لابد أن تكون شاملة. وعلينا أن ندرك أن الجانب الفكري والثقافي قد يكون الأصعب، ولكنه السلاح الأساسي علي المدي الطويل، وبدونه ستظل شجرة الإرهاب تنتج ثمارها المرة والمسمومة موجات وراء موجات.. المعركة صعبة وطويلة، ولكنها قضية حياة أو موت لا مفر من أن نخوضها.. وأن نحسمها لمصلحة هذا الوطن. نحن نعاني من آثار أربعين عاما تركنا فيها هذا الوباء ينتشر دون مواجهة حقيقية منذ أن ارتكب السادات خطيئة التحالف مع هذا التيار الإرهابي ثم دفع حياته ثمنا كذلك، ودفعت مصر- ومازالت- الثمن الباهظ لترك جماعات الإرهاب تنفث سمومها وتنشر أفكارها الضالة في شرايين المجتمع دون مقاومة حقيقية. لم يعد أمامنا إلا المواجهة الشاملة في معركة مصيرية، علينا أن نخوضها بيقين كامل بقدرتنا علي اجتثاث هذا الوباء من جذوره. فمصر التي في خاطرنا وعقولنا وقلوبنا ترفض أن يقودها هؤلاء إلي ظلام العصور الوسطي من جديد. وروح مصر الحقيقية ستبقي مخلصة لقيم الحضارة الإنسانية التي كانت أبرز صانعيها، ولرسالات السماوات التي تعانقت علي أرضها تنشر المحبة والسلام، ولكل القيم النبيلة التي ترفض هذا الإرهاب وتطارد حتي النهاية أفكار الضلالة وإرهاب خوارج العصر. بلدنا للنهار.. هكذا كانت، وهكذا ستكون، رغم كل ما تواجهه من خفافيش الظلام!! آخر اليوميات من جميل إبداع العظيم صلاح جاهين: ولا كل من له خارطة قالت أنا بلد الرك ع المدنية والعمران وعمار يا مصر عمار بنيلك وأمتك عمار بأفراحك وبالأحزان عيد قيامة مجيد. وكل عام ومصر بخير وسلام. وشعبها الواحد يقهر الألم، ويهزم الظلام، وينشر النور والمحبة كما فعل علي مر الزمن.