استتبع أحداث يوم الجمعة الحزين - عقب الحادث الإرهابي، الذي تعرضت له كنيسة القديسين - زوبعة تنظيرية، شارك فيها كثيرون من جهات شتي، وتوجهات عدة، كل يعرض لما يحلو له، وصاحبتها هوجة إعلامية، أصابت بعضها، وتشرذمت أفكار أغلبها، لتشوه الصورة المجتمعية، مصورة الوضع علي عكس واقعه، وبشكل مغاير لحقيقته! الشارع المصري آمن، مواطنوه مسلمين ومسيحيين يتعايشون في محبة ومودة، لايضمر أحد لقرينه أية بغضاء أو كره، فالصغار من أبنائنا يتقاسمون طعامهم في المدارس، ويتشاركون في الملاعب، والكبار يتزاملون في العمل، ويتعاونون علي الخير، مؤكدين أن المجتمع المصري نسيج واحد لا يمكن لأحد الفصل بين أوصاله، ولن يتمكن واهم أو مغرض، من تحقيق ما يدبر له، مهما عظم من خطته، ومهما غلفها بدهاء. مصر كنانة الله في أرضه، من أرادها بسوء قصمه الله.. هذا ما سطره تاريخ الشعوب، وأكده تاريخ المحروسة، علي وجه الخصوص، حيث فشل كل أعدائها في التفرقة بين طوائف الأمة، مهما تعددت، فمصر للمصريين جميعهم، دون تفرقة بين أحد من أبنائها، سواء كانت تفرقة عقائدية، أو طائفية، أو مذهبية، أو عرقية، أو لون، أو جنس، فنحن المصريين جميعا عبرنا الهزيمة إلي النصر، في السادس من أكتوبر تحت مظلة صيحة واحدة "الله أكبر"، أرهبنا بها عدو الله وعدونا، وكان النصر للمصريين مسلمين ومسيحيين، وكان منا الشهداء، مما احتواهم تراب مصر مختلطا بدمائهم الذكية، دون تفرقة، ذودا عن الوطن، مسطرين أعظم آيات الانتماء. هكذا كانت مصر وستظل، حتي قيام الساعة، كما أرادها الله وطنا للمحبة، يحتضن كل الأديان.. فما أحلاه الانتماء، وما أعظمه حب الوطن، ليس بيننا مكان لحاقد أو آثم، ولن يكون، وليس منا من هو منتهز، يسعي لتحقيق أغراض في نفسه، زرعها داخله شيطان الفتنة، فالانتماء للوطن لا يعرف أمثال هؤلاء، بل يلفظهم. ما أحوجنا الآن، لمزيد من اليقظة، وإدراك حقيقة الخطر الذي يتهددنا جميعا، ويتربص بنا، ولا يفرق بين مسلم أو مسيحي.. ومصرنا تتطلع لجهود أبنائها المخلصين، ليفسدوا علي العابثين أحقادهم، ولنستنفر الانتماء بين أطياف المجتمع، ونبثه بين أبنائنا مذ نعومة أظفارهم، ليعود ما غاب عنا.. أليس العلاج في الانتماء؟!