تابعت تحليلا للأحداث في مصر علي شبكة "السي إن إن " ذكر إن المصريين لم يدفعوا دماء كافية، ولم يعانوا من الألم، مثلما عانت الشعوب الحرة , لهذا لم يحافظوا علي الحرية التي اكتسبوها يوم اجبروا حسني مبارك علي التنحي، وأضاعوا حريتهم بأيديهم، وسرقت أحلامهم باختيارهم! وحملت القناة الشهيرة الحكومة الأمريكية مسئولية المساهمة في سرقة حرية المصريين، لكي تحافظ علي أمن إسرائيل الذي تعهد الإخوان بالحفاظ عليه!! ولكن الشبكة الأمريكية لم تستبعد في تحليلها أن يفاجئ المصريون العالم باستعادة حريتهم مرة أخري وإلي الأبد! حقا إن الشعب يدفع الآن ثمنا فادحا لاستعادة حريته التي قدمها علي طبق من ذهب لليمين المتطرف، ولم يحصد سوي المزيد من الفقر والقتل والعنف والتعذيب والهيمنة وكبت الحريات، وقد شاهدنا عودة أكثر عنفا وشراسة لرجال الشرطة، عصا النظام ودرعه في كل الأنظمة المتخلفة وغير الديمقراطية!! كما أظهر البيان المشترك الذي أعدته 13 منظمة حقوقية في مصر تحت اسم " مبادرة النقاط العشر لوقف جرائم النظام " أن البلاد شهدت خلال الأسابيع الأخيرة سلسلة من الانتهاكات , والجرائم الجسيمة التي وقعت علي أيدي رجال الداخلية بحق المواطنين، سواء داخل السجون والأقسام ومراكز الاحتجاز غير القانونية، أو أثناء المظاهرات والاحتجاجات، وفي حين أن بعض تلك الجرائم تعد عودة لنمط التعذيب المنهجي الذي ساد في النظام السابق، فإن البعض الأخر تجاوز تلك الجرائم، حيث وصل عدد القتلي في ذكري ثورة 25 يناير فقط 53 مواطنا، من بينهم 38 شهيدا لقوا مصرعهم في بورسعيد وحدها !! كما دفعت بعض تلك الممارسات الوحشية جريدة "إندبندنت" البريطانية إلي نشر تقرير علي صدر صفحتها الأولي حول اعتقال الأطفال الذي لا يتجاوز بعضهم سن التاسعة بشكل غير قانوني، من بينهم أطفال شوارع وباعة جائلون , وتعرض هؤلاء الأطفال للانتهاكات والتعذيب علي يد الشرطة في معسكرات الأمن المر كزي، ووصل إلي حد الضرب و"التعليق" والصعق بالكهرباء وإغراقهم بالمياه بعد تجريدهم من ملابسهم!! . والأمر الغريب حقا أن يخرج علينا العقيد هاني عبد اللطيف المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية عبر برنامج الإعلامي القدير يسري فودة علي شاشة " أون تي في " ليحمل مسئولية الأحداث الجارية إلي الشعب الذي اختار النظام الحالي بإرادته! وينفي عودة الدولة البوليسية مرة أخري بعد سقوطها في 28 يناير! محذرا من اندلاع حرب أهلية، لوانسحبت الشرطة من المشهد!! إذا كانت الدولة البوليسية قد سقطت كما يدعي سيادة العقيد، فبماذا نصنف ما يجري علي أرض المحروسة من عمليات القتل والتعذيب والسحل والقمع وتجريد الرجال من ملابسهم في الشوارع، وإذا لم يكن اختطاف وحجز المواطنين والأطفال في معسكرات الأمن المركزي، وإساءة استخدام السلطة في القبض علي المتظاهرين واحتجازهم بشكل غير قانوني، يعد إحدي ممارسات الدولة البوليسية الوحشية، فماذا نسميه بالله عليكم؟! إن المصريين مازالوا يشعرون بان النظام السابق لم يسقط بعد، فالتعامل الأمني والمحسوبية والهيمنة، وتجاهل المطالب والاحتجاجات، والفقر والجوع والبطالة، كلها لم تتغير بل زادت سوءا وفجاجة، ويخطئ حقا من يعتقد أن التعامل الأمني مع الغاضبين والمعترضين والرافضين لاستبدال نظام بأسوأ منه، يمكن أن يكون مجديا، فالعنف لا يولد إلا مزيدا من العنف والثأر والغضب، والعدوان علي دولة القانون، يدفع إلي مزيد من الفوضي والعصيان والخراب!! وكرة الثلج تزداد مع الأيام حجما وخطورة! إن المصرين قرروا أن يضعوا نقطة ويبدأوا من أول السطر، ليكملوا ثورتهم ويستعيدوا حريتهم وأحلامهم، وإلي الآن مازال الطريق مفتوحا أمام النظام وحزبه ليضع يده في يد الجميع، ويقوم بتغليب مصالح الوطن علي المصالح الحزبية الضيقة، ليصنعوا معا دولة وطنية حرة تتسع لكل المصريين علي اختلاف توجهاتهم وانتمائهم. أتمني أن يفتح النظام قلبه وعقله، ولا يظل جورج الخامس يفاوض جورج الخامس.. كيلا تضيع مصر من الجميع!!