كمال الملاخ الذي اكتشف «مراكب الشمس» وانقلبت الدنيا كلها لهذا الاكتشاف. حولته مصلحة الآثار للتحقيق، وتم خصم عشرة أيام من راتبه، ثم استقال عام 1957 بعدها من العمل بالآثار. عندما بدأت عملي بحقل الآثار، قابلت "كمال الملاخ" لأول مرة وانبهرت بشخصيته الفذة، ومنذ اللقاء الأول شجعني الملاخ علي العمل وكنت وقتها أقوم بأعمال الحفائر بموقع "كوم أبو بللو" بالجيزة، حيث كان هناك مشروع لإنقاذ الآثار من مسار ترعة الرياح الناصري، وكشفنا عن جبانة ضخمة يرجع تاريخها إلي العصر الفرعوني وحتي العصر الروماني، وكانت الاكتشافات التي نقوم بها تملأ الدنيا بالأخبار، ويومها أطلق الملاخ عليّ لقب "الأثري الشاب". وبدأ الملاخ يقدمني لأصدقائه، فقد قابلت شخصيات لم أتصور أن أقابلها في يوم من الأيام. فقابلت "توفيق الحكيم" و"أنيس منصور". وكان يقدمني علي أنني صديقه. كان كمال الملاخ شعلة من النشاط، فعندما يمشي في شوارع القاهرة فهو كأنما فرعون خرج من مقبرته، يسير بعزة وقوة وشموخ. وكان صديق لكل نجوم المجتمع، فهو الذي وهب حياته للفن والآثار والصحافة، وكان مبدعاً خلاقاً، وهو أيضاً صاحب فكرة مهرجان السينما في كل من القاهرة والإسكندرية، ومهرجان الأفلام التسجيلية للفنون الأفريقية بأسوان، وبينالي القاهرة. واستطاع الملاخ أن يجعل جريدة الأهرام تُقرأ من الصفحة الأخيرة، فكان يكتب العنوان لصفحة من "غير العنوان" بخط يده. واستطاع الملاخ أن يقدم الآثار بأسلوب سهل وشيق، حتي أنه جعل للآثار عشاقا من خلال أبواب ثابتة في الإذاعة والتليفزيون، وأتذكر تلك البرامج الخفيفة التي كانت تُسجل معه في رمضان. وكان عندما يتحدث عن "نساء الفراعنة" كأنما يتحدث عن حفيدته فيصف جمالها بأسلوب جذاب ممتع رقيق يجعلنا نعيش في زمن الفراعنة. تم الكشف عن "مراكب الشمس" بمنطقة الأهرام في 26 مايو 1954. وكان وقتها "كمال الملاخ" يعمل مديراً لأعمال آثار الهرم، ويحمل درجة الماجستير في الآثار المصرية وكان أمين المنطقة "زكي نور"، وكان الملاخ مكلف بإزالة الرمال والأتربة الموجودة في الجانب الغربي لهرم الملك "خوفو". وفي العمل الأثري دائماً الريس الفني للعمال هو المسئول عن العمل، حيث كان الريس "جرس يني" هو الذي يعمل في هذه المنطقة ويشرف علي العمال في إزالة الأتربة تحت رئاسة "كمال الملاخ". ويروي الكاتب الكبير "أنيس منصور" أنه كان يجلس يتناول الغداء مع صديقه الملاخ و"مورس هنري" مراسل "يونايتد برس" في مطعم "الأكسلسيور" بالتحرير واتصل "يني" بالملاخ ليخبره عن الكشف، وعلي الفور استقلوا جميعاً السيارة متجهين إلي منطقة الهرم، وأثناء الطريق احترق موتور السيارة، وهنا قال الكاتب "أنيس منصور" يبدو أن لعنة الفراعنة بدأت مع الكشف. ووصلوا إلي مكان الكشف في جنوب هرم الملك "خوفو" مباشرة ووقف الملاخ بجوار الحفرة التي تقع في الناحية الجنوبيةالغربية وكان معه مرآة فشاهد من خلالها داخل الحفرة الأخشاب متراصة فوق بعضها البعض، وهنا قال "كمال الملاخ" أنه كشف "مراكب الشمس" وانقلبت الدنيا كلها. وعلي الفور بدأت فرقة أعداء النجاح النيل من المكتشفين، فقد حولت مصلحة الآثار "كمال الملاخ" للتحقيق، وتم خصم عشرة أيام من راتبه، ثم استقال بعدها من العمل بالآثار وكان ذلك في صيف عام 1957. وعمل الملاخ بنصيحة الراحل العظيم محمد حسنين هيكل وتفرغ للصحافة. ويقدم نوعاً جديداً من الصحافة ويحرر يومياً من (غير عنوان). فهو الذي قدم "مدرسة الإيجاز في كتابة الأسماء"، واشتهر بعبارته القصيرة، ونال تقدير العالم كله وحصل علي شهادات وأوسمة رفيعة المستوي. وأُطلق اسمه علي أحد نجوم الفضاء بناءً علي ترشيح جامعة كولورادو لمركز ودراسات أبحاث الفضاء. وكتب العديد من الكتب عن الآثار. ولكن يكفينا إبداعاته وأفكاره التي مازلت من معالم مصر الثقافية، وأعتز بأنني كنت تلميذاً في مدرسة "كمال الملاخ".