كمال الملاخ شخصية من الصعب أن تتكرر، شخصية فريدة ذات كاريزما عالية ولا أنسى كيف شجعنى وأنا فى سن صغير وأعتبرنى صديق له، وكان يكتب عنى دائماً فى الصفحة الأخيرة من جريدة الأهرام؛ وأطلق علىّ اسم "الأثرى الشاب"، وكان يزورنى فى مكتبى وأنا مفتش آثار الهرم ويحتسى معى القهوة ويشجعنى على حب الآثار.. ويدعونى الى حفلات العشاء التى يحضرها كبار الأدباء والكتاب.. وقد كنت فى زيارة للقاهرة وأنا أدرس بجامعة بنسلفانيا وذهبت معه لأتناول الغذاء على مائدة أنيس منصور بالحرانية وهناك قابلت العديد من العظماء الذين كنت أسمع عنهم فقط من خلال مؤلفاتهم.. و منهم الأديب توفيق الحكيم وعلى رأسه الطاقية الشهيرة وعصاه التى لا تفارق يده.. وفى هذا الوقت كانت كاميرا الفيديو قد ظهرت، أى أن الكاميرا تنقل ما هو موجود بالحجرة وتراه أمامك فى التليفزيون. وقد أراد أنيس منصور أن يداعب توفيق الحكيم وقد أظهره فى التليفزيون وفوجئ الحكيم بأنه يرى نفسه على الشاشة ولم يصدق ذلك أو أراد أن يتأكد أن ذلك صحيحاً؛ لذلك بدأ يعبث بشاربه ويحرك العصا فى يديه؛ كل ذلك يحدث ونحن نضحك والحكيم يتعجب من هذا الإختراع.. وأنيس منصور هو صديق حميم لكمال الملاخ.. وهناك العديد من القصص الطريفة التى قصها علىّ أنيس منصور فقال.. أن الملاخ كان معروفاً فى أخبار اليوم أنه مسلم وأننى .. اى أنيس منصور.. قبطى. وكانا بارعين فى تدبير المقالب لبعضهم البعض، فأتصل أنيس منصور بالملاخ يوماً وقال له بأنه سكرتير شخصية أثرية أفريقية وأنه يريد أن يقابله فى ميناهاوس فى المساء، وكان ذلك بعد أن اكتشف الملاخ مراكب الشمس وأصبح شخصية معروفة. وبالفعل يذهب الملاخ إلى مينا هاوس ويجلس منتظراً الضيف المهم والذى لم يحضر بالطبع.. والكاتب الكبير أحمد رجب -أطال الله لنا فى عمره- كان أيضاً من أصدقاء كمال الملاخ وقال أن كامل الشناوى كان يقول عن الملاخ بأنه يظهر أمام الناس طويل القامة ولكنه فى الحقيقة قصير ويظهر بأن شعره غزير وهو فى الحقيقة أصلع.. وهناك قصة تظهر إنه كان مثل البرنس يتحدث بأدب شديد ودائماً يستعمل فى كل مناسبة كلمة مرسى Merci، ولكنه فى نفس الوقت مقاتل شرس وعنيد لا يستطيع أحد أن يتغلب عليه. أما قصة كشف المركب فقد سمعت جزء منها من كمال الملاخ. وحكى لى انه كان يجلس على مقهى شهير مع أنيس منصور وعلى هاتف المقهى جاءة خبر الكشف وتحرك مع أنيس الى الهرم وفى الطريق إحترك محرك السيارة وقال له أنيس أن لعنة الفراعنة قد حلت. وقف الملاخ بجوار حفرة المركب المكتشفة والتى تقع فى الناحية الجنوبية الغربية من هرم الملك خوفو وكانت معه مرآة فشاهد من خلالها ما هو موجود داخل الحفرة من أخشاب متراصة فوق بعضها البعض وهنا قال الملاخ: "إنه كشف مراكب الشمس".. واستطاع حمدى فؤاد الذى كان يعمل محرراً لجريدة الأهرام آنذاك أن يرسل خبر الكشف إلى مراسل ال نيويورك تايمز فى القاهرة لتنقلب الدنيا كلها ويسافر الملاخ إلى أمريكا يرافقه زكريا غنيم للحديث عن اكتشاف مراكب الشمس والهرم الدفين وذلك فى عام 1954. ولا ينسى الملاخ هذا اليوم فى صيف 1957م عندما اتصل به محمد حسنين هيكل بالملاخ وسأله: لماذا لا تتفرغ للصحافة؟ وكان هذا هو الطريق ليتخلص من الخصوم والأحقاد التى حدثت نتيجة لنجومية الملاخ، واستطاع الملاخ أن يقدم لنا مدرسة جديدة فى الصحافة المصرية، فهو الذى قدم لنا مدرسة الإيجاز فى كتابة الأسماء واشتهر بعباراته القصيرة ونال تقدير العالم كله، وحصل على شهادات وأوسمة رفيعة المستوى. وأطلق اسمه على أحد نجوم الفضاء بناءً على ترشيح من جامعة كلورادو لمركز دراسات وأبحاث الفضاء، وكتب العديد من الكتب عن الآثار ولكن يكفينا ابداعاته وأفكاره التى لازالت من معالم مصر الثقافية، ويكفينا أيضاً تشجيعه للعديد من الصحفيين الشبان وأنا شخصياً أعتز بأننى كنت تلميذاً فى مدرسة كمال الملاخ.. وكنت أسعد بلقاء الغذاء الذى كان يقام فى نادى الجزيرة والذى كان يجمعنى معه والراحلين جمال مختار وأحمد قدرى. والملاخ كما ذكرنا شخصية متميزة ومهما كتبت عنه فلن استيطع أن أوفى الرجل حقه وأسترجع الجوانب الطيبة فيه وهى كثيرة. وأشير هنا إلى ما كتبه أنيس منصور عن الملاخ -صديق حياته- حيث يقول.. "قال لىّ كمال الملاخ أننى حزين على وفاة العقاد، هذا الرجل العظيم وأسف للمناقشة الحادة التى دارت بينى وبينه قبل أن يموت. فقد طلب منه المخرج عاطف سالم أن يتوسط لدى الأستاذ العقاد كى يقوم عاطف سالم بإخراج رواية "سارة" والتقى المخرج والمؤلف فى مكتبة الأنجلو المصرية.. ووافق الأستاذ ولكن لم يجرؤ عاطف سالم أن يعرف من العقاد الأجر الذى يريده، وطلب من كمال الملاخ أن يعرف منه، وتحدث الملاخ تليفونياً مع العقاد وقال له: "المخرج يريد أن يعرف كم تتقاضى عن روايتك".. فرد الأستاذ: "ما يتقاضاه طه حسين لا أكثر ولا أقل..". ولكن لعلك تعرف أن روايتى ليست بها أحداث. فهى تحليلية ولا أعرف كيف يمكن إخراجها ولا من التى تؤدى هذا الدور!! فكان رد الملاخ: "سوف أدخل بعض التعديلات على الرواية فرد العقاد: ما هذا الذى تقوله؟ أننى لا أحب أن أتعامل مع أمثالك من الجامعيين الغير مبدعين.. هل تعرف من الذى تكلمه؟.. أنت تعلم العقاد.. ورد الملاخ وأنت تعلم الملاخ.. إذا كنت أنت العقاد فأنا الملاخ.. فقال العقاد ومن تكون أنت يا هذا؟ العقاد هو الأهرام.. وأنت تتسول أمام الأهرام.. إن أقصى ما تستطيعه هو أن تشير بأصبعك إلى الأهرام.. فإذا فعلت ذلك تستحق أعلى جائزة أدبية.. هذه حدودك أنت وغيرك..". وهنا تغيرت لهجة الملاخ وأردف قائلاً: "يا أستاذ عقاد أنت الأهرام هذا صحيح، ونحن طلال إلى جوارك، بل إذا كنا جامعيين فلأننا تخرجنا فى جامة الجامعات التى أسسها عباس محمود العقاد فكيف تغضب من تلامذة تلاميذك؟ وكيف تنكر عليهم أن يتمسكوا بكبريائهم التى تعلموها منك؟ وكما صنعت مراكب الشمس شهرة كمال الملاخ وجعلت صيته فى كل مكان، فقد كانت السبب فى موته، فعندما منع من أن يشترك فى الكشف عن الحفرة الثانية للمركب الثانية وصل به الحال إلى أن يتحدث مع كل إنسان يقابله، ولا أنسى أننى كلمته تليفونياً قبل سفرى إلى أمريكا لمدة ثلاث ساعات وسافرت وبعد أسبوع اتصلت بىّ زوجة أخيه دورثيا وقالت: "الملاخ مات يا زاهى.. وبكيت على صديقى كمال الملاخ.