الصحافة القومية، عانت ومازالت تعاني من هموم المهنة، والتي انعكست سلبا علي أدائها خلال تلك المرحلة الآنية التي يمر بها الوطن، والتي تحتم علينا البحث عن السبيل لتصحيح مسارها، الواجب والضروري من أجل مواكبة التحديات التي نحن بصددها لإعلاء مشروع نهضة مصر، دعما لبناء مصر الجديدة.. وذلك درءا لما آلت إليه أوضاعها نتيجة لما أفسده النظام البائد من تشويه لمفهومها، وما أحدثه من تهميش لدورها الإيجابي، والذي استبانت معالمه بما أرسته من ضغائن مهنية، وصراعات علي تولي المناصب القيادية، بهدف التكالب علي المكاسب الشخصية، حيث تفنن النظام البائد في زرع الفتنة بين الأسرة الصحفية، وأشعل نار الفرقة بين النسيج الصحفي بالمبالغة في الفوارق المادية، مما جعل المناصب القيادية "سبوبة" يزداد التطاحن عليها، وكان هذا التوجه من النظام البائد حتي يمكنه فرض سيطرة الولاء علي من يختارهم، فما كان من تلك القيادات الصحفية إلا أن غيبت قناعاتها عن إدراك مصلحة الوطن ومواطنيه، ليستبدلوا بها مصالح الحاكم، وزادوها عبثا بإعلاء مصالحهم الشخصية علي المصلحة العامة لتحول بينهم وبين الدور الأصيل للصحافة القومية في المشاركة الفاعلة من أجل بناء صياغة مجتمعية كاشفة لتحقيق الاصطفاف الوطني، وتأصيل دورها القومي في دعم التحول الديموقراطي، والمساهمة الواعية لإعادة المفهوم الحقيقي للصحافة القومية.. وهو ما ليس مقبولا الآن. ومن هذا المنطلق، نجد أنفسنا أمام تحد بالغ الأهمية يستوجب تحركا سريعا لتصحيح المسار، وهو يحتاج لآلية واعية قادرة علي الخروج من المأزق، بخطط واضحة قادرة علي تحقيق الإصلاح علي أرض الواقع، بعيدا عن زيادة العبث الإداري، والذي كان سببا رئيسيا في تردي أوضاع المؤسسات الصحفية القومية الذي تشهده الآن، والذي تأكد علي الصعيدين المهني والإداري، وهو ما جعلها غائبة عن مشهد المشاركة الإيجابية الواعية علي طريق الإصلاح.. وهو ما يستلزم تفعيل دور الصحافة القومية، في إعلاء الضمير بصدق ومصداقية لعرض الحقائق، بعيدا عن صحافة الإثارة التي لا نحتاج إليها.. ويتفق المخلصون من أبناء هذا الوطن - ممن يعملون بمهنة الصحافة - علي أن الدور الأصيل للصحافة يتجلي في إرساء مباديء ممنهجة من أجل خلق ثقافة تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تفشت، والتي يصر عليها أناس - غابت ضمائرهم - ممن يثيرون ثورة الشك والتشكيك، ويشكلون قوام الثورة المضادة، بهدف تقسيم الشعب المصري إلي فصائل وقبائل، وهو بئس ما يصنعون. وإذا كانت ثورة يناير مازالت تعاني من حرب الضلال والتضليل الإعلامي حتي الآن، فإن الثورة المضادة تصر علي إعمال أدواتها في إصرار - ما أقبحه - باختراق صف الإصلاح والتصحيح، وهو ما يلزم يقظة واعية من المخلصين - وما أكثرهم - علي كبح جماح محاولات البعض لإعادة النظام البائد، في غيبة لصحيح المعلومات بما يثيرونه من غمامات يوارون خلفها ما يضمرون، وهو ما يلزم إدراك قول الله تعالي: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (سورة الرعد - الآية 11)، إذا أردنا صلاحا وإصلاحا إعلاء لقيمة ضمير الأمة - الذي تمثله صحافتها - في تصحيح المسار، والمنوط بها أن تكون كاشفة للسلبيات بهدف تصحيحها، حتي يمكننا مواجهة الفساد باقتلاعه من جذوره، حفاظا علي حق الشعب في حياة كريمة، وإعلاء لإخلاص الضمائر. إن تصحيح مسار الصحافة القومية، لن يتأتي إلا بشحذ همة الصحفيين العاملين بها، وهو ما يحتم تحرير رقابهم بإرساء عدالة اجتماعية ناجزة، وهو ما يتطلب وضع نظام عاجل لتعديل نظم الأجور وإعادة توزيع الدخول في تلك المؤسسات الصحفية علي العاملين بها، علي ألا يتوه بين لجان واجتماعات تزيد دخول القائمين عليها، ويغيب معها ويتعثر وصول العدل لمستحقيه، وليكن تقييم القيادات الصحفية الجديدة مبنيا علي ما يتحقق، مع إلزامهم بالإعلان عما تم إنجازه من إصلاح شهريا، فليس من المعقول أن نحاسب رئيس الجمهورية علي أدائه يوما بيوم، ونترك غيره من مسئولين دون حساب عما يعملون؟!.. وأناشد مجلس الشوري أن يعطي تعليماته لتلك القيادات بالإعلان في مؤسساتهم - من منطلق الشفافية - عما يملكون لحظة توليهم مناصبهم، وكيف آلت إليهم ملكية ذلك؟، حماية لهم مما يثار من شبهات هم في غني عنها.. فليتحملوا مسئولياتهم، وليدركوا أن الله رقيب علي ما يفعلون، وليقدموا ذلك علي خشيتهم من رقابة من يتولون أمرهم من عاملين في تلك المؤسسات، وليعلموا أن المؤسسات الصحفية القومية هي ملك الشعب، وقد اؤتمن مجلس الشوري عليها، وهو الساعي للحفاظ علي ما اؤتمن عليه.. وتحيا مصر.