الصحافة القومية تعاني الكثير، وصحفيوها يعانون أكثر، وحال الصحف القومية لا يسر عدوا ولا حبيبا!.. وهو ما أصبح يشكل أزمة حقيقية تنذر بخطر يهدد حاضر ومستقبل الصحافة المصرية، خاصة أن الصحف القومية هي المد المهني الأصيل والرئيسي للصحافة علي اختلاف أشكالها وتوجهاتها لصناعة الصحافة في مصر.. وهو ما يلزم السرعة في اتخاذ الاجراءات الناجزة لإصلاح المنظومة الصحفية فورا، وبشكل ممنهج، بعيدا عن العشوائية التي عانينا منها خلال النظام البائد، وأدت بنا إلي ما نحن عليه الآن.. ولم لا والصحافة الحرة هي ضمير الأمة ؟! يقولون: "إذا عرف السبب بطل العجب"، وأزمة صحافتنا تكمن في غياب المنهج العلمي المؤسس لإدارة المهنة، سواء في الشق الإداري منها أو الجانب المهني، ويتقدم ذلك من العلل ما نجده من شروط قبول العضوية في نقابة الصحفيين.. فهل من المعقول أن يظل شرط الانضمام لعضوية نقابة الصحفيين هو مجرد الحصول علي مؤهل عال في أي تخصص كان، دون حصر أو قصر علي دارسي تخصص الصحافة؟!، وكيف يكون ذلك والجامعات المصرية تخرج كل عام آلاف الخريجين من دارسي الصحافة، الذين يعانون البطالة، حيث لا يمكنهم العمل في مهنة أخري، هم ليسوا بدارسيها؟!.. والعجيب أن نجد هذه العلة مستمرة بدعم من يؤصلون لها بدعوي باطلة بأن الصحافة مهنة الأساس فيها للموهبة.. ودعواهم مردود عليها، بأنه ليكن الاختيار ممن يمتلكون الموهبة من آلاف خريجي الصحافة الذين يزيدون طابور البطالة الذي يعاني منه شباب مصر.. وأركز علي هذا المبدأ من منطلق إعلاء قيمة العلم، وهو ما ننشده قيمة لبناء مصر الحديثة، وهو ما يدعوني إلي مناشدة نقيب الصحفيين الكاتب الصحفي ممدوح الولي ومجلس نقابة الصحفيين بدراسة ذلك التعديل فورا، والسعي لإقراره والعمل به، كخطوة أساسية وبادئة لإصلاح قوام المهنة، ليكون التصحيح حقيقيا وممنهجا، وقتها يمكننا القضاء علي أخطر السلبيات التي شوهت وجه الصحافة والصحفيين، وإذا تحقق ذلك سنجد صحفيين دارسين للعلوم الصحفية وتاريخها وأدوات ممارسة المهنة، بالإضافة لدراسة التشريعات الصحفية وقوانينها وأصول إدارتها، ويمكن إضافة دراسة ميثاق الشرف الصحفي كمادة أساسية لمناهج الطلاب في كليات وأقسام الصحافة.. وقتها يكون للصحافة عقل ومنهج ، وهو ما نحتاج اليه . إذا كانت تلك البداية السليمة التي أراها لإصلاح الصحافة المصرية، فإن هناك أزمة راهنة تحتاج إلي تدخل سريع من مجلس الشوري مؤزرا بتعاون من نقابة الصحفيين، لاتخاذ الإجراءات العاجلة لإنقاذ الصحف القومية وصحفييها مما هم فيه من هوان وضياع، فإذا كان الحديث الآن عن مصر الحديثة يملأ الأجواء، فكيف يكون تغييب أو تناسي إصلاح المنظومة الإعلامية؟!، ونحن الآن بصدد التركيز علي إصلاح أحوال الصحافة وأخص الصحفيين.. ففي الأسبوع الماضي كتبت مقالا بعنوان: ("سبوبة".. رئيس التحرير!)، عرجت خلاله علي تردي دخول الصحفيين في الصحف القومية، وتفاوت الأجور المثير للجدل في المؤسسة الواحدة، بل يزداد التفاوت - غير المبرر - في الأجور بين مؤسسة وأخري، لتكون المصيبة أكبر، مما يزيد المهنة إمراضا وتجاوزات وعبثية، فكيف نترك الصحفيين في غيبة من العدالة الاجتماعية؟!، وكيف نقبل للصحفيين عيشة ضنكا؟! وأنا لست في ذلك مبالغا، ولكن مساحة المقال لا تتسع لسرد الحقيقة كاملة.. وأري أنه إذا كان مجلس الشوري يسعي لتصحيح المسار الصحفي بدعم أصيل من نقيب الصحفيين ومجلس النقابة، بما وضعه من معايير لاختيار رؤساء التحرير، مشددا علي تضمن طلب الترشح عرضا للأفكار والرؤي التي تدعم تطوير الصحيفة المتقدم لها أحد الزملاء لرئاسة تحريرها، فإنني أري أنه من الضرورة أن تعكف اللجنة المشكلة لاختيار رؤساء التحرير مع ضم نقيب الصحفيين ومجلس النقابة وغيرهم من الصحفيين أهل الخبرة إليها، ليتولوا الإعداد لمشروع نموذجي للإصلاح، مؤسسا ومتضمنا أفضل الأفكار والرؤي المقدمة، مضافا إليه ما يرونه لتصحيح مسارات الصحف القومية، في نفس الوقت الذي تقوم فيه هذه اللجنة باختيار لجنة منها يكون دورها بمفهوم " دعم الأداء المهني"، علي أن يكون أكثرية أعضائها من الصحفيين، وممن يختارون من أساتذة الصحافة أصحاب الخبرة في طرح الحلول الكفيلة بتجاوز الأزمات التي قد تنشأ لأية صحيفة في المستقبل، وكذلك خبراء في التنمية البشرية، لتكون هذه اللجنة بمثابة بيت خبرة يملك قدرة النصح ووضع الآليات للتصحيح المستمر لمسيرة الإصلاح بمنهج علمي مؤيد بخبرة الواقع المهني.. هذا إذا أردنا صلاحا للواقع الصحفي، فتغييرات رؤساء التحرير وحدها لا تكفي.. وتحيا مصر.