ما ان سقط النظام السابق، حتي رفعت شعارات "التطهير" وعلي رأسها "تطهير الاعلام".. ومن حين لآخر تنطلق المسيرات متجهة الي " ماسبيرو" وتهتف الحناجر الغاضبة" الشعب يريد تطهير الاعلام".. والسؤال: تطهير الاعلام ممن؟ وكيف نحدد من يبقي ومن يرحل؟؟ ومن يملك الحق في استبعاد صحفي او اعلامي من عمله.. وهل يتسبب "أشخاص" بعينهم في أزمة الاعلام المصري، فإذا استبعدوا انصلح حاله؟؟ اللواء أحمد انيس- وزير الاعلام- قال في حوار له مع صحيفة الاهرام في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي: ان الإعلام المصري الآن أشبه بحالة مريض عليه أن يخضع فترة للعلاج حتي يبرأ من مرضه ،وبسؤاله عن" التطهير" أجاب بأن مصر " تملك جهازا اعلاميا متخما بكوادر وظيفية عديدة ومتنوعة والاطاحة بكل هؤلاء دفعة واحدة تشكل خطرا علي منظومة العمل ، وأنه منذ اللحظة التي تولي فيها زمام الأمور ،كان شغله الشاغل اختيار القيادات القادرة علي مواكبة فكر وفلسفة ثورة يناير ،ولأول مرة يتم الدفع بقيادات شابة في موقع القيادة العليا، مؤكدا انه لم تعد هناك قيادات قديمة في مواقعها الوظيفية سوي النذر القليل وانه خلال الأيام القليلة المقبلة سيتم استبعادها في حركة تغييرات تكميلية، و كل الوجوه التي يصنفها الرأي العام علي النظام السابق لم يعد لها وجود بالصورة التي تهدد محتوي الرسالة الإعلامية، أو تقود ثورة مضادة كما يردد البعض" . وطالب المصريين بقليل من " الصبر".. تطوير لا تطهير د.مصطفي عبد الوهاب -رئيس القناة السابعة بالتلفزيون المصري- يتحفظ علي كلمة" التطهير" ويقول" اذا كان المقصود من" التطهير" هو التطوير فانا معه، بمعني ان اغير الفكر الذي يحكم المنظومة الاعلامية، اما ان استبدل قيادة باخري واشخاص بآخرين ليعملوا في ظل نفس الفكر ،فلن يتغير شيء، في غياب رؤية واضحة ،وفي ظل نفس التشريعات والقوانين التي تعيق تنفيذ رؤي جديدة" ،وأ ضاف"لابد ان تضمن التشريعات عدم تبعية العاملين في الاعلام الرسمي للحكومة، ولايجب ان يكونوا مطالبين بالانحياز لها، فإذا تم ضمان ذلك سيختلف اداؤهم بالتاكيد". وشدد د. عبد الوهاب علي ضرورة تغير بيئة العمل لتساعد علي التغيير، ويوضح قائلا" إذا اردت ان انقل الاحداث علي الهواء مباشرة فلابد من توفير وحدة اذاعة خارجيةsng ، فلا يمكن ان تحاسبني مهنيا دون توفير الادوات ، لابد ايضا ان نراعي الاعداد الضخمة في "ماسبيرو" فهي تستنزف ملايين الجنيهات في شكل اجور كل شهر، دون ان تقدم اي انتاج او تحقق ايرادات بنفس القدر، والخلاصة انه لو غيرنا اشخاصا في ظل نفس المناخ فلن يتغير شيء". عودة للمكارثية حاتم زكريا -سكرتير عام نقابة الصحفيين- رأي فكرة تحديد " الفاسد" الذي يستلزم تطهير الاعلام منه، عملية صعبة ، وتساءل" هل يكون المعيار هو استبعاد كل من كان عضوا في الحزب الوطني مثلا، وأجاب: سيكون معيارا جائرا، لان هناك من انضم للحزب مكرها واجبر علي ذلك ، كما انه ليس كل من كان عضوا في الحزب استغل منصبه او اساء لمهنته، فهناك من استغل الصحافة كمهنة دون ان يكون عضوا في الحزب الوطني، ولذلك لابد فعلا من وضع معايير موضوعية حتي لايخضع الامر للاهواء الشخصية ،ونعيد للاذهان" المكارثية" الامريكية، وأضاف زكريا ان نقابة الصحفيين تقوم حاليا بإعادة النظر في القوانين والتشريعات الصحفية ،بحيث لا تخضع الصحف القومية للحزب الحاكم بأي شكل من الاشكال، من خلال بحث شكل الملكية وطريقة اختيار قياداتها، كما يتم بحث قانون حرية تداول المعلومات. فكر فاشي من جهته رفض سعيد شعيب- مدير مركز صحفيون متحدون- "لفظ التطهير"، فيقول "كلما اسمعه اتذكر علي الفور كل رموز الفاشية ، سواء التي قامت علي اساس عرقي او سياسي او ديني، وعلي رأسها نظام هتلر ، وماو تسي تونج وستالين والخوميني والبشير. لابد ان تكون هناك آليات لاصلاح الاعلام المصري، وهي تتمثل في: اولا : استرداد المصريين للمؤسسات الاعلامية التي يسيطر عليها النظام الحاكم وهي الصحف القومية وتلفزيون الدولة، فكل تلك الوسائل مغتصبة منذ ايام عبد الناصر وهي تعمل لصالح الحاكم ايا كان وفي اي زمن. وهناك صيغ كثيرة للملكية كصيغة البي بي سي والتلفزيون الالماني والدانماركي ، ثانيا لابد من انشاء هيئة مستقلة للصحافة والاعلام وهي موجودة في كل دول العالم وليست باختراع ، تكون ممثلة للمجتمع بكل طوائفه ، وتكون مستقلة تماما عن اي سلطة تنفيذية ، ويكون هناك توافق عام علي تشكيل مجلس امنائها، بمشاركة من الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، علي أن يراقب البرلمان ميزانيتها لكن دون ان يتدخل في عملها، و مهمتها هي تقييم اداء الصحافة والاعلام ، لتكون بديلة لكيان المجلس الاعلي للصحافة. ثالثا: تحرير الاعلام ، واتاحة حرية الاصدار للصحف وحق امتلاك الاذاعات الارضية ، فحتي الآن يقتصر اصدار الصحف علي الاثرياء بسبب الشروط المتمثلة في توفر حد ادني لرأسمال الشركة. ويتابع شعيب": رابعا: لابد من اتاحة التعددية النقابية، وهذا حق اقرته مواثيق حقوق الانسان الدولية، وحتي اذا عارض البعض هذه التعددية، تظل حقا لايمكن ان يسلبه احد. نريد اصلاحا لا تطهيرا د. ايمن منصور- الاستاذ بقسم الاذاعة والتليفزون بكلية الاعلام بجامعة القاهرة، رفض هو الآخر لفظ" التطهير" وطالب باستبداله بكلمة "الاصلاح" وقال ان مشكلة الاعلام المصري هي المهنية المفقودة ،والتي ترجع الي غياب الكوادر القادرة علي العمل بمفردات العمل الاعلامي بمختلف تصنيفاته، كالتغطية الاخبارية التي تتطلب احترام قيم ومعايير اختيار الخبر، او في برامج التوك شو، التي تتطلب الحرص علي تقديم الرأي والرأي الآخر بالتوازن المطلوب، اذن فتقييم العاملين في المجال الاعلامي يكون علي اساس اذا ما كان " محترفا" ام" غير محترف " ، ويتابع د. منصور قائلا" للاسف لدينا اقلية محترفة وأكثرية لاتجيد ادوات العمل الاعلامي ، واري ان المنادين بالتطهير هم من اصحاب المواهب المحدودة وليس لأحد منهم علامة في مجاله، لذلك انا مع تولي الاصلح بغض النظر عن انتماءاته او آرائه السياسية، ولايجب ان يكون" المد الثوري" هو المعيار في المهنة، فنختار" من نزل التحرير" ونرفض "من لم ينزل" ، واذا اردنا الاصلاح الحقيقي لابد من الاختيار علي اسس مهنية، اما التطهير فكلمة توحي بأننا نبحث عن قديسين يعملون بالاعلام، وهذا غير مطلوب، لأننا لا نعمل في "مسجد". ويلفت د. منصور الي انه لا يوجد في التشريعات الاعلامية الحالية ما يفرض علي تليفزيون الدولة ان يكون تابعا للسلطة او الحكومة او الحزب الحاكم، لكن ربما تكون هناك بعض العبارات المطاطة مثل ان يحافظ التليفزيون الرسمي علي "مصالح الدولة العليا" وكل يفسرها حسب ما يري ، لكن د. منصور أكد ان الاعلام الرسمي تغير بالفعل خلال الفترة الاخيرة، فقال" لابد من الاشارة الي ان هناك برامج توجه النقد لسياسات المجلس العسكري وطريقة ادارته للبلاد ، علي لسان ضيوفها من المعارضين، لكن في نفس الوقت يأتي ذلك احيانا بشكل مبالغ فيه وهو ما يسمي في علم النفس hyper correction، او "التصحيح المبالغ فيه" وكأنهم في حالة دفاع دائم عن انفسهم ضد كل من يتهمهم بأنهم تابعين للمجلس العسكري، فيريدون ايصال رسالة" بأننا نستطيع ان نفعل مثلما تفعل القنوات الاخري ونستطيع ان "نهاجم"، فبدأت ظاهرة الهجوم من اجل الهجوم، وهو بالطبع امر غير مرغوب وليس هو المطلوب. وأعتقد ان مؤسسات الدولة الاعلامية لن تصل الي" الاحترافية" قبل عشر سنوات، ولن يحدث اي جديد قبل استقرار الاوضاع في البلاد بشكل حقيقي".