تصوروا هذا الوضع المقلوب! صاحب كشك سجائر يدفع الضرائب عن أرباحه التي يحققها بالجنيهات من بيع أكياس الشيبسي أو الكبريت أو المياه الغازية، بينما شخص آخر يشتري الأراضي ويبيعها بالملايين ولا يدفع مليماً واحداً للضرائب! كله بالقانون! هذا ما حدث ومازال يحدث بالفعل. فقد اشتري صاحب إحدي الشركات الكبري بمحافظة الجيزة عدة أفدنة من الأراضي بسعر المتر 03 جنيهاً وبعد فترة باع هذه المساحة ب732 مليوناً من الجنيهات ولم يدفع ضرائب فالقانون يعفيه، والأراضي التي تم بيعها ليست »داخل« كردون المدينة! قانون أعرج.. يلزم بياع اللبان بالضريبة ويعفي الملايين منها! هذا القانون الذي قام وزير المالية يوسف بطرس غالي بتفصيله علي البعض وضحك به علي الناس جميعاً عندما تقرر خفض الضريبة علي الدخل إلي النصف تقريباً لتصل إلي 02٪ بدلاً من 24٪.. وإن كان الأمر قد تغير مؤخراً بتحديدها ب52٪ علي الأرباح التي تزيد علي 01 ملايين جنيه. هذه الواقعة عايشها وكيل وزارة سابق لوزارة المالية اسمه محمد عبدالحميد الشرقاوي، وكان وقت صدور القانون إياه - رقم 19 لعام 5002- يتولي منصب رئيس ضرائب الجيزة أول بمصلحة الضرائب العامة وفي نفس الوقت كان ومازال عضواً بالمجالس القومية المتخصصة شعبة السياسيات المالية بالمجلس القومي للإنتاج والشئون الاقتصادية. المهم أن تفاصيل المهزلة عايشها بنفسه وكان شاهداً علي الكارثة التي مازال القانون يحميها، ولذا وجد نفسه يكاد يصرخ عندما علم أن صاحب الشركة بالجيزة لم يدفع مليماً واحداً من حصيلة بيع الأراضي التي كان يملكها، وكاد هذا المليونير أن يخرج لسانه لكل مسئولي الضرائب فالقانون معه للأسف ومع غيره من بائعي وتجار الأراضي! وقتها أسقط في يد الجميع فالقانون ينص في مادته رقم 24 علي فرض ضريبة قدرها 5.2٪ من الإيرادات الناتجة عن التصرف في العقارات المبنية أو الأراضي »داخل« كردون المدينة! وبالتالي فإن الإيرادات الناتجة عن التصرف في العقارات المبنية أو الأراضي »خارج« كردون المدينة لا تدفع ضرائب! وهو الأمر الذي استغله رجل الأعمال إياه وغيره من رجال الأعمال حيث كانت الأراضي التي باعها خارج كردون مدينة الجيزة وفي نطاق الظهير الصحراوي للمحافظة ومن ثم لم يدفع مليماً واحداً عن 732 مليون جنيه حصيلة بيع لأراضي اشتري المتر منها بسعر 03 جنيهاً فقط. المقصود ليس رجل الأعمال هذا أو ذاك بالذات، لكنه القانون الذي يفرض ضرائب علي أكشاك السجائر ويعفي أصحاب الملايين وربما المليارات! لم يكتف محمد الشرقاوي وكيل وزارة المالية السابق بمجرد الدهشة والاستغراب من ذلك القانون المشبوه، لكنه كان إيجابياً وأعد تعديلاً بعث به إلي وزير المالية ممتاز السعيد وإلي رئيس مصلحة الضرائب أحمد رفعت يقضي بأن تنص المادة 24 من ذلك القانون علي فرض ضريبة 5.2٪ كما هي من الإيرادات الناتجة عن التصرف في العقارات المبنية أو الأراضي داخل كردون المدينة وخارج كردون المدينة حتي يشمل الظهير الصحراوي.. وقال إنه لا يتصور شخص يتصرف بالبيع لعدد من الأفدنة امتلكها بملاليم وباعها ب732 مليون جنيه ولا يدفع مليماً واحداً للضرائب! ولم يكتف الشرقاوي بذلك الاقتراح بل أضاف إليه ضرورة عدم تسجيل أية أراض إلا بعد تسديد الضرائب المستحقة عليها، وهو اقتراح في قمة الأهمية حيث يحتم علي الجهة الحكومية المنوط بها الإشهار عدم استكمال عملية توثيق العقود إلا بعد موافاتها بخطاب من مأمورية الضرائب المختصة بتسديد الضرائب، مع اقتراح آخر طرحه وكيل الوزارة السابق يقضي بأن يكون سعر الضريبة علي التصرفات 5.2٪ علي المبالغ التي تقل عن مليون جنيه تزداد إلي 5٪ علي التصرفات التي تزيد علي ذلك مثلما كان الوضع في القانون رقم 751 لعام 1891. واقترح الشرقاوي كذلك تعديل سعر الضريبة علي الدخل لتكون 5٪ لأكثر من 02 ألف جنيه حتي 03 ألفاً، و02٪ لأكثر من 03 ألفاً حتي 005 ألف و52٪ لأكثر من 005 ألف حتي مليون جنيه..، وما زاد عن ذلك تصبح الضريبة 03٪.. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن تتناسب الأعباء العائلية مع الأوضاع الاقتصادية التي تتغير باستمرار. أكثر من ذلك فقد أضاف محمد الشرقاوي اقتراحاً آخر يتعلق بتسديد المتأخرات الضريبية يقضيب بالتجاوز عن مقابل التأخير في قانون ضريبة التمغة وقانون ضريبة الدخل خلال موعد غايته سنة واحدة إذا ما تم سداد الممول نصف الضرائب المستحقة عليه قبل مرور 6 شهور من تلك السنة.. وذلك من شأنه تحصيل عدة مليارات من المتأخرات الضريبية! هذا ما قاله مسئول ضريبي سابق وهو يضيف إليه ما يؤكد صدق كلامه مشيراً إلي أن ابن المخلوع كان دائماً يعارض ما كان يقترحه الشرقاوي في كل مناسبة يشارك فيها.. وهو ما يكفي دليلاً علي أهمية تنفيذ هذه المقترحات بسرعة وبشكل يحقق العدالة التي كان ومازال لا يعرف المحروس عنها شيئاً! ذلك ما اقترحه الشرقاوي الحريص علي المصلحة العامة وبعث به إلي وزير المالية ورئيس مصلحة الضرائب.. ولعل اقتراحه يجد وقتاً لمناقشته من جانب هذين المسئولين الكبيرين، ولا يتم إهماله ووضعه في الأدراج!