وانتصر مبارك لنبض الشارع هذه هي الحقيقة بعد تصريحات الرئيس مبارك أمس الأول في كفر الشيخ بأن موضوع الضرائب العقارية لم يحسم بعدوأنه يفكر في أسلوب متدرج للضريبة. كما يفكر في مد فترة تقدير قيمة العقارات والضرائب المستحقة عليها لتصبح10 سنوات بدلا من5 سنوات,كما هي في القانون الحالي مع وضع معدل التضخم في الاعتبار عند إعادة التقدير الشارع المصري بكل اتجاهاته استقبل تصريحات الرئيس بارتياح وسعادة بالغين بعد أكثر من عامين من القلق عاشها الرأي العام منذ بدء طرح فكرة مشروع قانون الضريبة العقارية حتي صدور القانون ثم زادت حدة الغليان بعد إلزام أكثر من35 مليون مواطن هم الممولون بسرعة تقديم الاقرارات الضريبية في موعد غايته نهاية ديسمبر الماضي, وتهديدهم بالعقوبات والغرامات مما أدي لحالة من التكدس علي مديريات الضرائب العقارية لم تشهده مصر في تاريخها مع حالة من الاستياء الشديد والاحساس بالقهر نتيجة القرارات الجزافية غير المدروسة لوزارة المالية التي كادت تتحمل الحكومة كلها خطاياها. وجاءت تصريحات الرئيس مبارك كعادته دائما إستجابة للرأي العام, ونبض الشارع الذي ظل علي مدار الأشهر الماضية يستغيث بالرئيس من الضريبة التي تم فرضها قهرا علي المواطنين, وخصوصا علي المسكن الخاص بالأسرة.. ناهيك عن التعسف في إلزام أصحاب الوحدات السكنية والغرف والعشش التي لن يشملها الضريبة بأن يقدموا أيضا إقراراتهم الضريبية. وفي الفترة الأخيرة كانت كل المؤشرات تؤكد انتصار مبارك لنبض الشارع, وقرب استجابته للتحفظات التي عكرت صفو الشارع المصري, وهزيمة قانون الضريبة العقارية الذي أعاد لمصر ذكري الضرائب التي ألهب بها محمد علي ظهور المصريين, وقهرهم بعد إستيلائه علي الحكم. ومنذ أيام قليلة وافقت لجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب علي الاقتراح بمشروع قانون بتعديل قانون الضريبة العقارية لاعفاء سكن الأسرة الخاص من الضريبة, وأوصت اللجنة بإحالة مشروع القانون إلي لجنة الخطة والموازنة لمناقشته تمهيدا لعرضه علي مجلس الشعب... في حين رد وزير المالية يوسف بطرس غالي بتصريحات نارية منذ يومين يؤكد فيها أن القانون لن يتغير في تحد صارخ لنبض الشارع. أما النائب مصطفي بكري الذي تقدم بمشروع قانون التعديل فقد استند إلي أن قانون الضريبة العقارية يتعارض مع المادة34 من الدستور, التي تؤكد أن الملكية الخاصة مصونة.. ومع المادة38 الخاصة بالعدالة الضريبية التي تؤكد عدم جواز فرض ضريبة علي رأس مال ثابت لا يدر دخلا.. ولم يجد المستشار الدكروري مستشار اللجنة أي مخالفة دستورية في الاقتراح المقدم من بكري. والسؤال الذي يطرح نفسه... هل كانت الحكومة ولاسيما وزارة المالية تعرف أن فرضها لهذا القانون بمواده المتعسفة سوف يؤدي لكل هذه الأزمات مما يضطر الرئيس مبارك للتدخل لضبط الإيقاع وإعادة الأمور لنصابها, كما يحدث مع كل أزمة؟ الدكتور شوقي السيد الفقيه القانوني وعضو مجلس الشوري يعلق علي تصريحات الرئيس مبارك الخاصة بقانون الضريبة العقارية مؤكدا حكمة الرئيس وإحساسه الدائم بنبض الشارع المصري واتجاهات الرأي العام الصادقة التي تهدف إلي المصلحة العامة, ومن هذا المنطلق جاءت تصريحات الرئيس لترسخ حالة من الهدوء والاستقرار في الشارع المصري بعد فترة توتر استمرت علي مدار الأشهر الماضية بسبب ما تضمنه قانون الضريبة العقارية من مواد استفزازية تهدد استقرار الاسرة والمجتمع, وهو ما لم يكن غائبا عن فكر وحكمة الرئيس مبارك بمجرد وصول نبض الرأي العام إليه برغم تصريحات وزير المالية الاستفزازية والتهكمية للفضائيات والصحف ردا علي كل من كان يحاول اثناءه عن فرض ضريبة علي المسكن الخاص. ويشير د.شوقي الي أن مجلس الشوري عند مناقشته مشروع قانون الضريبة العقارية قبل صدوره اعترض علي بعض المواد وتصادم مع بعض أحكامه التي كانت مستفزة للغاية, وأصر علي تعديل بعضها وعلي تعديل نسب الضريبة وتدرجها وحالات الاعفاء منها وادراجها في نصوص القانون ذاته حتي اعيد القانون الي الحكومة وصدر بعد مناقشات مطولة. وفوجئ الرأي العام بعد صدور القانون ان كل كشك وغرفة بواب ولافتة اعلانية تعامل كأنها في حكم العقار الخاضع للضريبة في جميع أنحاء بر مصر, وتعددت صفحات الاقرار بتعدد الوحدات برغم ان الإعفاء قد امتد الي العقار التي تبلغ قيمته نصف مليون جنيه فلماذا يطالب هؤلاء الذين تم اعفاؤهم بالاقرارات برغم كثرة التأكيدات علي حسن نية المواطنين؟ ويتساءل د.شوقي السيد: هل تحولت وزارة المالية الي جهة لحصر الثروة في البلاد وتقدير قيمتها وافتراض ايراداتها وفرض الضريبة عليها وتحصيلها؟ وهل تركت الوزارة مهامها وتفرغت للاحصاء والتحري والتقدير والتحصيل حتي تحولت الي قوة ضاربة ومصدر فزع للمواطنين؟ ويقول إن تصريحات وزير المالية جاءت استفزازية ومتصادمة مع الرأي العام, وانطلقت في صيغة تهكمية فازداد الرأي العام رفضا للقانون ولتصريحات الوزير, ولم يعد كلام الوزير له مصداقية عند المواطنين حتي لو اكد ان95% من العقارات معفاة من الضرائب لان الناس لم تعد تصدق, لهذا أجمع الرأي العام بذكائه وفطنته علي استهجان القانون لفرضه علي الناس لان الاصل في اصدار التشريعات مصلحة المواطنين وليس قهرهم. ويؤكد د شوقي ان مجلس الشعب والحكومة سوف يستجيبان فورا لتوجهات الرئيس مبارك ولنبض الشارع المصري بجميع فئاته لان الشعب ينبغي ان يكون مصدر السلطات وصاحب السلطة ليتم اعفاء المسكن الخاص من الضريبة العقارية الظالمة لان السكن الخاص في عرف المصريين مثل العرض الذي يجب الحفاظ عليه وليس كما قال وزير المالية في احد تصريحاته ان من لايستطيع ان يدفع الضريبة عليه ان يترك مسكنه ويأخذ علي أده, ولاشك ان الحكومة بدأت تشعر بحرج, وضعها فيه هذا القانون الذي لايناسب مصر ويتنافي مع اتجاه الدولة وتوجيهات الرئيس مبارك بتخفيف الاعباء عن كاهل المواطنين. لا أتوقع عندما سألت الدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب واستاذ العلوم السياسية عن توقعاته لما سيحدث في المجلس بخصوص تعديل قانون الضريبة العقارية قال انه غير متفائل بالمرة ولا يتوقع من هذه الحكومة العنيدة التراجع والاستجابة للرأي العام, إلا بعد تدخل الرئيس مبارك شخصيا. ويشير الي ان حد الاعفاء في القانون للعقارات التي تقل قيمتها السوقية عن500 الف جنيه كلام خادع للناس وللرأي العام ويفترض في المواطن السذاجة لان الشقة التي تقدر اليوم بمائة الف جنيه وهي شقق محدودي الدخل الآن سوف يصل ثمنها الي500 الف خلال سنوات قليلة بسبب التضخم والمضاربة في الأراضي والعقارات التي تؤدي لجنون الاسعار.. اي أن كل مصر ستكون خاضعة للضريبة في غضون سنوات تعد علي اصابع اليد الواحدة وبالتالي فإن هذا الاعفاء هو اعفاء مؤقت وبالتالي لاصحة لتصريحات وزير المالية بان القانون من اجل الفقراء بل هو قانون من اجل عدم تحميل الاعباء الضريبية علي رجال الأعمال من خلال اخضاع الشعب كله للضريبة. ويقول د.زهران إن القانون جعل الحكومة هي الخصم والحكم, فهي التي تقدر ثمن العقار وقيمة الضريبة وهي التي تحصل وتعاقب, ويكفي إجبار أكثر من30 مليون مواطن علي اللهث وراء تقديم الإقرارات الضريبية في وقت قياسي والوقوف في الطوابير بالساعات والتلذذ بتعذيب المواطنين وكان المواطن لايكفيه مايعيشه من احباطات وقهر ومشاكل. والاخطر من ذلك أن هذا القانون يهدد الاستقرار الاجتماعي للمواطنين لان السكن كلمة تأتي من السكون ولا سكون في ظل مطاردة الحكومة للمواطن في سكنه والتحري عن عدد الحمامات في مسكنه وما اذا كان بيته قبليا او بحريا او يطل علي حديقة.. كما ان القانون لايحقق العدالة الضريبية, فعلي سبيل المثال المواطن الذي يملك شقة قدرتها لجان وزير المالية ب501 ألف جنيه يخضع للضريبة في حين ان من يملك عددا لا نهائيا من الشقق قيمة كل منها اقل من500 ألف يعفي من الضريبة.. وهذا بالطبع عوار دستوري. ضوابط محددة اما الدكتور سعيد عبد المنعم وكيل كلية التجارة بجامعة عين شمس واستاذ الضرائب فيقول: ان تصريحات الرئيس مبارك امس الأول ادخلت الاستقرار والاطمئنان في نفوس الشعب المصري كله, مشيرا الي انه قبل صدور قانون الضرائب العقارية عقدت جلسات مناقشة في مجلس الشوري شاركت فيها وحذرنا خلالها من فرض ضريبة علي المسكن الخاص باعتباره لايدر ربحا مما يتنافي مع العرف الضريبي في العالم كله وفي مصر خصوصا ما يهدد بالطعن في عدم دستوريته ومع ذلك لم يأخذ أحد برأينا, وصدر القانون علي هذا النحو الذي أدي لحالة احتقان واعتراض من جميع فئات الشعب نظرا لاننا لم نعتد علي فرض ضريبة علي المسكن الخاص لاسيما ان قانون الضريبة علي الدخل رقم91 لسنة2005 أعفي المسكن الخاص من الضريبة ولكن القانون رقم196 لسنة2008 وهو المعروف بقانون الضرائب العقارية ألغي هذا الاعفاء. واتوقع استجابة للرئيس مبارك ان يقوم مجلس الشعب بإلغاء الضريبة علي المسكن الخاص بالاسرة مع وضع ضوابط محددة منها ان يتم اعفاء مسكن خاص واحد فقط لو تعدد السكن لممول واحد علي ان يكون للممول حق اختيار السكن الذي يعفي من الضريبة. ويوضح د. سعيد عبد المنعم ان هذه الضريبة مخالفة للعرف الضريبي لانها تعتبر فرضا للضريبة علي رأس المال نفسه وليس علي العائد منه.. واذا كان الوزير يتعلل بأن هناك دولا كثيرة تفرض ضرائب علي المسكن الخاص, فالرد عليه ان هذه الدول مثل امريكا وانجلترا ظروفها غير ظروفنا من الناحية الاقتصادية.. ومستوي دخول الافراد لايقارن بمستوي دخل المواطن في مصر.. كما ان هذه الضريبية تفرض في هذه الدول وتحصلها اجهزة المحليات بالمدن لترتقي بالخدمات المقدمة للمنطقة اي تعتبر في منزلة الرسوم أما قانون الضريبة العقارية فيجعل الجزء الاكبر من الضريبة يذهب للموازنة العامة. اتجاه للإعفاء يبدو ان هناك اتجاها حقيقيا من الدولة لإعفاء المسكن الخاص من الضريبة العقارية استجابة للرأي العام, وأكبر دليل علي ذلك تصريحات الرئيس مبارك التي اثلجت صدور المواطنين. هكذا بادرني د. حمدي عبدالعظيم الخبير الاقتصادي وعميد اكاديمية السادات السابق مشيرا الي ان تحويل مشروع القانون بتعديل الضريبة العقارية للمناقشة في لجنة الخطة والموازنة هو بداية الطريق, مؤكدا أن الحكومة وقعت في مأزق بعد أن اكتشفت امكانية الطعن بعدم دستورية القانون لعدة اسباب منها ان العقار الخاص هو رأسمال لا يدر ربحا.. كما أن اعفاء العقارات التي تقل قيمتها عن500 الف جنيه يشوبه عدم الدستورية لانه ضد العدالة الضريبية. المواطن له رأي ولكن ما هو راي المواطن الذي صرح المسئولون علي مدار الفترة الماضية بأن القانون من اجلهم؟ أحمد عبد الحكيم موظف علي المعاش يقول: اشتريت شقتي في مدينة نصر التي اعيش فيها مع اسرتي منذ30 عاما ب20 ألف جنيه وليس لنا مأوي غيرها وفي ظل المضاربات العقارية والارتفاع الجنوني في الاسعار قد يصل سعرها الآن إلي500 ألف جنيه, وبذلك اعتبرني القانون من الاغنياء وسليل الاسر العريقة وفرض علي ضريبة لن استطيع سدادها لان معاشي بالكاد لا يكفي كل متطلباتي ومع كبر السن احتاج لعلاج لا أقدر علي ثمنه.. يعني باختصار انا من الفقراء ولست حتي من الميسورين.. والعجيب ان وزير المالية في احد تصريحاته يقول من لايقدر علي دفع الضريبة عليه ان يترك شقته ويشتري اخري علي أده.. هكذا بكل بساطة سيخرجنا الوزير من بيوتنا التي قضينا فيها كل عمرنا,, ولكن بعد توجيهات الرئيس مبارك بشأن تعديل الضريبة العقارية فقد شعرنا بارتياح وبانفراجة قريبة ونأمل بإعفاء المسكن الخاص من الضريبة. ويقول كمال محمدي محاسب أملنا كبير في مجلس الشعب بأن يصحح الخطأ ويزيل الاحتقان في الشارع المصري الذي سببه قانون الضريبة العقارية بفرضه ضريبة علي المسكن الخاص الذي يؤوينا مع ابنائنا. ويضيف تدخل الرئيس مبارك شخصيا كعادته دائما لإصلاح ما أفسده الآخرون, ونتمني ان يصدر قراره وتوجيهاته للحكومة باتخاذ الاجراءات اللازمة لتعديل القانون واعفاء المسكن الخاص من الضريبة العقارية.