لاشك أن الانتخابات التي انتهت امس الثلاثاء ستكون أحد أهم الخطوط الفاصلة بين الدولة التي نترقبها، ونعمل جميعًا علي عودتها، أو هكذا ينبغي أن يكون الجميع علي أقل تقدير، وبين الفوضي والانفلات الذي عشناهُ في الأعوام القليلة الماضية، والفساد المالي والإداري المتراكم الذي عانينا منه عُقودًا طويلة، ونظن - ونحن علي أمل يكاد يصل إلي حد اليقين - أن هذه الانتخابات الرئاسية ستكون بداية لخط فاصل يشق طريقه بقوة للفصل بين الفوضي والفساد الذي مضي، والعصر الجديد الذي ننتظر ونتوقع أن يقضي علي تلك المثالب، وأن يسير في طريق الإصلاح بقوة وثبات وخُطيً راسخة. الخط الثاني من الخطوط الفاصلة بين الدولة والفوضي هو عودة هيبة الدولة وبسط سيطرتها علي مجريات الأمور، والقضاء علي الجماعات الخارجة علي القانون، أو تلك التي تحاول أن تبسط نفوذها علي بعض مفاصل الدولة خارج إطار القانون، أو في محاولة للالتفاف عليه، أو الحيلولة دون صدوره أصلا، عملا علي إعلاء المصالح الخاصة علي المصلحة العليا للوطن. وما كان لعامة الناس أو خاصتهم أن يفتئتوا علي الحاكم أو الرئيس أو النظام القانوني للدولة بأن يحاول كل فريق منهم أن يقتطع لنفسه جزءًا من هذه الاختصاصات خارج نطاق الدولة، أو إقامة سلطة موازية لسلطتها الرسمية، فلا تكون هناك دولة قوية ولا نظام محكم. فالمصلحة الوطنية تقتضي القضاء علي تلك الظواهر التي تُرسخ نظام الميليشيات أو الجماعات التي تبحث عن إعلاء مصالحها فوق كل اعتبار وأي اعتبار، مع ضرورة إعلاء سلطة الدولة علي جميع السلطات وفوق كل الاعتبارات. الخط الثالث من الخطوط الفاصلة بين الدولة والفوضي، هو قضية الكفاءة والولاء، فالدول التي تسعي لأن تكون في مصافّ الدول المتقدمة، وتنفض عن كاهلها غبار الماضي المر أو المؤلم، لابد أن تتخلص من مثالب الماضي التي كانت كثيرًا ما تقدم الولاءات علي الكفاءات، ولعبت فيها العلاقات دورًا كبيرًا في تولّي المناصب القيادية، وأهمل دور المؤسسات الوطنية، وصار المزاج الشخصي لدي بعض القيادات هو مناط الاختيار لكثير من المواقع والمناصب العليا. والمصلحة الوطنية تقتضي أن تسترد مؤسسات الدولة الوطنية دورها في تقديم رؤية واضحة أمام متخذ القرار، وأن تكون هناك فرق عمل متخصصة وأمينة ووطنية، لتدرس جميع المعطيات التي تقدمها تلك المؤسسات الوطنية بين يدي متخذ القرار - أيًًا كان موقعه-، وعليه أن يبذل جهدًا أكبر بل يبذل أكبر جهد يمكنه ليصل إلي الاختيار الأمثل والأفضل، وهذا ما حثنا عليه ديننا الحنيف، ودعانا إليه نبينا (صلي الله عليه وسلم) حين قال: «مَنِ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ أَوْلَي بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ. فَقَدْ خَانَ اللهَ. وَرَسُولَهُ. وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ» السنن الكبري للبيهقي . الخط الرابع من الخطوط الفاصلة بين الدولة والفوضي هو العدالة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، ففي جانب تطبيق القانون، يجب أن يكون الصغير والكبير أمام القانون سواء، يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ « (متفق عليه)، وفي الجانب الاقتصادي لابد من دراسة وافية لإحداث التوازن الاجتماعي بمراعاة الطبقات الكادحة والأكثر فقرًا واحتياجًا، والعمل علي تلبية رغباتها واحتياجاتها الأساسية، مع عدم الرضوخ لأصحاب الأصوات العالية ممن يحاولون ابتزاز الدولة دون حق، أو فيما يمكن احتماله ولو مرحليًا، وأن تعرض مطالب الفئات المتضررة فعلاً في صورة حضارية توليها القيادة الجديدة حقها من العناية والدراسة والإنصاف في حدود الإمكانات المتاحة للدولة. وآن لنا أن نتحول إلي العمل والإنتاج بجد وهمّة حتي نستطيع أن نجني معًا ثمار هذا العمل الذي يعود بالنفع علي الجميع، وتستطيع الدولة أن تجد ما تعطيه من ثمرة وحصاد عرق وجهد أبنائها العاملين المخلصين الوطنيين الشرفاء.