عبد السند يمامة: «الإخوان وراء تحريف حديثي عن القرآن وحزب الوفد»    الألعاب النارية تزين سماء العلمين فى ختام حفل أنغام.. صور    كيف تضمن معاشا إضافيا بعد سن التقاعد    بالطبل البلدي، تجار الجملة يحتفلون بمزاد المانجو في سوق المستقبل بالإسماعيلية (فيديو وصور)    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في السودان السبت 19 يوليو 2025    اعتقال 87 شخصا بتهمة الارتباط بالموساد في لرستان الإيرانية    إسبانيا تهزم سويسرا 2-0 وتتأهل لنصف نهائي يورو السيدات (فيديو)    بشكل مفاجئ، الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يحذف البيان الخاص بوسام أبو علي    "صديق رونالدو".. النصر يعلن تعيين خوسيه سيميدو رئيسا تنفيذيا لشركة الكرة    ستوري نجوم كرة القدم.. ناصر منسي يتذكر هدفه الحاسم بالأهلي.. وظهور صفقة الزمالك الجديدة    بثته قناة فضائية، مصدر أمني يكشف ملابسات فيديو سرقة أسوار حديدية من أعلى الطريق الدائري    غرق طفلة سقطت في فتحة تطهير مصرف ري مغطى بالفيوم    زوج البلوجر هدير عبد الرازق: زرعت كاميرات بالشقة وصورتني دون علمي وضربتها علشان بتشرب مخدرات    مطران نقادة يلقي عظة روحية في العيد الثالث للابس الروح (فيدىو)    تحت شعار كامل العدد، التهامي وفتحي سلامة يفتتحان المهرجان الصيفي بالأوبرا (صور)    من المستشفى إلى المسرح، حسام حبيب يتحدى الإصابة ويغني بالعكاز في موسم جدة 2025 (فيديو)    نتيجة الثانوية العامة 2025.. خطوات الاستعلام عبر الرابط الرسمي فور ظهورها    شرط يهدد صفقة بيراميدز المنتظرة    الكرملين: تسوية الأزمة الأوكرانية وتطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن موضوعان مختلفان    مصرع طفلة غرقًا في مصرف زراعي بقرية بني صالح في الفيوم    في أول تعليق لها.. رزان مغربي تكشف تفاصيل حالتها الصحية بعد حادث «سقوط السقف»    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية ببداية الأسبوع السبت 19 يوليو 2025    مجاهد يكشف تفاصيل حذف بيان الاتحاد الفلسطيني في أزمة أبو علي    انتشال جثة شاب غرق في مياه الرياح التوفيقي بطوخ    «الداخلية» توضح حقيقة فيديو تضرر قاطني الجيزة من سرقة الأسوار الحديدية أعلى الطريق الدائرى    رد رسمي من الزمالك بشأن غياب فتوح عن معسكر إعداد الفريق    انتهت.. عبده يحيى مهاجم غزل المحلة ينتقل لصفوف سموخة على سبيل الإعاراة    سعر المانجو والموز والفاكهة ب الأسواق اليوم السبت 19 يوليو 2025    «زي النهارده».. وفاة اللواء عمر سليمان 19 يوليو 2012    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    لخريجي الثانوية العامة والدبلومات.. تنسيق المعهد الفني الصحي 2025 (التوقعات بالدرجات والنسبة المئوية)    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    تعاني من الأرق؟ هذه التمارين قد تكون مفتاح نومك الهادئ    أبرزها الزنجبيل.. 5 طرق طبيعية لعلاج الصداع النصفي    كسر بماسورة مياه الشرب في شبرا الخيمة.. والمحافظة: عودة ضخ بشكل طبيعي    ب37.6 ألف ميجاوات.. الشبكة الموحدة للكهرباء تحقق أقصى ارتفاع في الأحمال هذ العام    "الدنيا مريحة" .. أسعار السيارات المستعملة مستمرة في الانخفاض| شاهد    اليوم.. الاستماع لمرافعة النيابة في قضية «مجموعات العمل النوعي»    اليمن يدعو الشركات والمستثمرين المصريين للمشاركة في إعادة الإعمار    «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرا جماهيريا لدعم مرشحي مجلس الشيوخ في القليوبية    "القومي للمرأة" يستقبل وفدًا من اتحاد "بشبابها" التابع لوزارة الشباب والرياضة    الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن جوريون بصاروخ باليستي فرط صوتي    وزير الخارجية اللبنانى لنظيره الأيرلندي: نطلب دعم بلدكم لتجديد "اليونيفيل"    مي عمر جريئة وريم سامي بفستان قصير.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    المخرج خضر محمد خضر يعلن ارتباطه بفتاة من خارج الوسط الفني    قبل عرضه بالقنوات.. تفاصيل إعلان محمد رمضان الجديد بالساحل الشمالي    نواف سلام: ورقة المبعوث الأمريكي هي مجموعة أفكار لتنفيذ إعلان ترتيبات وقف الأعمال العدائية    خبير اقتصادي: رسوم ترامب تهدد سلاسل الإمداد العالمية وتفاقم أزمة الديون    ما حكم رفع اليدين بالدعاء أثناء خطبة الجمعة؟.. الإفتاء توضح    ماركوس يبحث مع ترامب الرسوم الجمركية الأمريكية على الصادرات الفلبينية    رئيس الإمارات ونظيره المجرى يبحثان فى بودابست تعزيز علاقات التعاون الثنائى    5 طرق فعالة للتغلب على الكسل واستعادة نشاطك اليومي    أصيب بنفس الأعراض.. نقل والد الأشقاء الخمسة المتوفين بالمنيا إلى المستشفى    "الصحة" توجه نصائح مهمة للوقاية من ضربات الشمس والإجهاد الحراري    عبد السند يمامة عن استشهاده بآية قرآنية: قصدت من «وفدا» الدعاء.. وهذا سبب هجوم الإخوان ضدي    هل مساعدة الزوجة لزوجها ماليا تعتبر صدقة؟.. أمين الفتوى يجيب    براتب 10000 جنيه.. «العمل» تعلن عن 90 وظيفة في مجال المطاعم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قِيَم وثَوابِت تُوحِّد الأُمَّة
نشر في مصر الجديدة يوم 21 - 03 - 2013


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من: أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فإن الواقع في دول الربيع العربي يحتاج من جميع أبناء الوطن أن يأخذوا خطوة جادَّة من أجل إصلاح الوطن والقضاء على الفساد المتراكم من عقود، وليس ذلك بالأمر الهيِّن، خاصة أن إصلاح النفوس التي تربَّت على قيم ومبادئ لا تُقرُّها الأديان ولا تسمح بها الديمقراطية الصحيحة والتي تضمَّنها الإعلان العالمي حول الديمقراطية، وأقرَّها مجلس الاتحاد البرلماني الدولي في (القاهرة: سبتمبر 1997م) فقد جاء فيه: "تهدف الديمقراطية أساسًا إلى صون وتعزيز كرامة الفرد وحقوقه الأساسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية الجماعية، وتأمين تماسك المجتمع وتلاحمه، وتوطيد الاستقرار الوطني والسلام الاجتماعي، فضلاً عن تهيئة المناخ المناسب لإرساء دعائم السلام الدولي".
ومع أن مرجعيتنا إسلامية، ومنها نوقن بأن فيها من القيم والأخلاق ما يحفظ للبشرية الأمن والسلام والعدل والمساواة والكرامة، ومع إيماننا الراسخ بأن الله عز وجل أنزل هذه الشريعة لنشر الخير وتعميمه وقمع الشرِّ وتحجيمه..
مع كل ذلك الذي ندين به إلا أننا أردنا أن نبين للناس جميعًا أن ما يتغنى به البعض من نظم من وضع البشر ويقدمونها للناس على أنها طريق الخلاص والإصلاح، إلا أنهم لا يقبلون بها إلا إذا حققت لهم مصالحهم وأتت بهم، وإن لم تُحقِّق لهم مصالحهم أثاروا حولها الغبار، وأطلقوا في وجهها الدخان ظنًّا منهم -وخاب ظنهم-أن ذلك يحجب الحق أو يُشوِّه صورته، لكنهم في كل مرة يرجعون بخُفَّيْ حُنَين، حيث يزداد الحق نصاعة وظهورًا، وتصير أعمالهم هباء منثورًا: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) (الرعد: 17)، ودائمًا لا يحيق المكر السيِّئ إلا بأهله.
الربانية الأساس الأول للإصلاح:
إن منطلق الإصلاح لا يمكن أن يؤتي ثماره، ولا أن يحقق هدفه، إلا إذا كان مستمدًّا من وحي السماء؛ لأن الله خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه وما يفسده: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14).
وإن المنهج الذي نزل من الحق ويهدي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن ورائه قومه ويرشدهم إلى خطوات المنهج خطوة خطوة، كل خطوة في وقتها المناسب، ويؤيدهم في كل ذلك بنصره، فتكون النَّهضة موفَّقة لا محالة (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة: 21)، ومن أين يأتي الخطأ إذا كان واضع المنهج هو العليم الخبير، ومُنفِّذه معصوم من الزلل محفوظ من الخطأ، مؤيد بالتوفيق والنصر، ومن هنا كانت النبوَّات رحمةً للعالمين؟.
لقد أخرج هذا المنهج للناس أمة من أقوى الأمم وأفضلها وأرحمها وأبرَّها وأبركها على الإنسانية جميعًا؛ وله من قدسيَّته واستقراره في نفوس الناس ما يسهِّل على الجميع تناوله وفقهه والاستجابة له والسير عليه متى وُجِّهوا إليه، فضلا عن الاعتزاز بالقومية والإشادة بالوطنية الخالصة؛ إذ إننا نبني حياتنا على قواعدنا وأصولنا ولا نأخذ عن غيرنا، إلا ما هو من الحكمة التي هي ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها، وفي ذلك أفضل معاني الاستقلال الاجتماعي والحيوي بعد الاستقلال السياسي.
وإن في السير على هذا المنهاج تقوية للوحدة الوطنية ثم للوحدة العربية، ثم للوحدة الإسلامية ثانيًا، فيمدُّنا العالم الإسلامي كله بروحه وشعوره وعطفه وتأييده، ويرى فينا إخوة يُنْجِدُهم وينجدونه ويمدُّهم ويمدونه، وفي ذلك دعم كبير وقوة لا تقهر بإذن الله تعالى.
تَأبَى العِصِيُّ إذا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرا وإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادا
وهذا المنهاج تام شامل، كفيل بتقرير أفضل النظم للحياة العامة في الأمة عملية وروحية. وهذه هي الميزة التي يمتاز بها الإسلام، فهو يضع نظم الحياة للأمم على أساسين مهمين: أخذ الصالح وتجنُّب الضار، (ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ) (الأعراف: 157).
وإذا سلكنا هذا السبيل استطعنا أن نحلَّ كثيرًا من المشكلات المعقدة التي عجزت عن حلِّها كل النظم الحالية، وإنا نذكر هنا كلمة جورج برنارد شو: (ما أشدّ حاجة العالم في عصره الحديث إلى رجل كمحمد يحلّ مشكلته القائمة المعقَّدة بينما يتناول فنجان القهوة).
وبعد ذلك كله، فإننا إذا سلكنا هذا السبيل، كان تأييد الله من ورائنا، يُقوِّينا عند الوهن، ويُنْقِذنا في الشدائد، ويُهَوِّن علينا المشاق، ويهيب بنا دائمًا إلى الأمام: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء: 104).
الأخلاق دعامة الإصلاح:
إن ما تعيشه كثير من الدول الإسلامية تقتضي من أبناء هذه الدول أن يضعوا لأنفسهم ثوابت خُلُقيَّة يلتزمون بها، وهم يعملون لرفعة أمتهم وارتقاء دولتهم.
والعجيب أن ذلك جاء واضحًا جليًّا في إعلان الأمم المتحدة، حين يقول: ينبغي أن تتحلَّى الحياة العامة في مجموعها بالطابع الأخلاقي، وأن تتَّسم بالشفافية، مما يقتضي وضع المعايير والقواعد التي من شأنها أن تكفل ذلك.
ومن هذه الأخلاق:
أولا: الصدق: فإن الصدق من أمهات الأخلاق التي يجب أن نصبغ به حياتنا، ونُربِّي عليه أبناءنا؛ لأنه سبيلنا إلى كل خير نافع وإلى البرِّ الجامع: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا».
ومن أجل ذلك نهيب بوسائل الإعلام أن تتقي الله سبحانه، وأن تتأكد من مصادرها؛ لأن بعضها لا ينقل أخبارًا عن الصادقين، وعليها ألا تتلمَّس للبرآء العَيْب، وأن تعلم أنها تتحمل الوزر الأكبر في ذلك، وتتحمل كل ما يترتب على نقل الكذب والإشاعات المغرضة من أضرار للأفراد أو المؤسسات والأحزاب والهيئات والوطن، وإن لم تحاسب عليها في الدنيا فلن تفلت من الحساب عليها في الآخرة.
ثانيًا: التعاون والتساند: إن النهوض بالأمة لا يمكن أن يحققه أي فصيل بمفرده، ولكن لا بد من تعاون جميع أبناء الدولة، فالأمة تحتاج لجهود المسلم والمسيحي والرجل والمرأة والشاب والشيخ.. وهذا التعاون شعاره قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2).
إن الواجب علينا أن نتعاون على البناء والتعمير، وعلى العمل والإنتاج، وفي نفس الوقت ننبذ من بيننا من يُخرِّب أو يُدمِّر أو يحرق أو يُعطِّل الإنتاج أو ينشر الفساد.. وهذا ما يجعلنا أهلا لأن نكون خير أمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران: 110).
ثالثًا: التَّراحُم والتَّعاطُف والمودَّة: فإن دعوة الآخرين للخير وتحذيرهم من الشرِّ يجب أن ينبعث من رحمتنا بالآخرين والتعاطف معهم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى منه عُضْو تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى».
رابعًا: الرِّفْق واللين: فإن التعامل في لين، والرفق بالآخرين خاصة مع المخطئين يُقرِّب البعيد ويُؤلِّف النافر، ويجمع القلوب قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159)، كدرس للأمة كلها مع من كانوا سببًا في هزيمة أحد، وكان هذا التوجيه الربَّاني لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا عُزِلَ عَنْهُ إِلَّا شَانَهُ".
خامسًا: القول الحسن: حين يتحاور أبناء الوطن فيما يُصْلِح أمرهم وبلدهم يجب أن يتخيَّروا أحسن الكلمات؛ حتى نغلق أبواب الشياطين التي تأخذ الكلمات وتحملها ما لا تحتمله وتنفخ فيها بما ليس فيها، خاصة في ظلِّ أبواق الفضائيات التي أضحت لا همَّ لها إلا كتمان الخير ونشر الفساد والشر، وقد أمرنا ديننا بالقول الحسن، قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء: 53). وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان يَئِس أن يُعْبَد في أرضكم، ولكن رَضِي في التحريش بينكم"، وفي رواية "فيما تحقرُنّ من أعمالكم".
والقول الحسن يقتضي أن نبتعد عن السخرية من الآخرين أو الاستهزاء بهم أو غيبتهم، أو السعي بالنميمة للإيقاع بين الأفراد أو الفصائل أو الأحزاب، مما يُحوِّل الساحة إلى سوق للتراشق وميدان للعداوة والبغضاء والشحناء، وبالتالي لا نجد وقتًا للعمل المثمر البناء.
سادسًا : المبادرة بالأعمال التي تخدم الوطن:
إن من أشدِّ الآفات الآن أن الساحة تحوَّلت إلى ميدان للأقوال حتى اسمها يدل عليها (مَكْلَمَة) وسوق رائجة للكلام، الضارّ منه أكثر من النافع، ومن أجل ذلك يجب على العقلاء أن يعملوا ما ينفع وطنهم، ويحل مشاكلهم، ولا يكتفي بإلقاء اللائمة على غيره، وليكن شعار الجميع العمل في صمت، وأن نطلع الله تعالى لا الناس على أعمالنا بأن تكون خالصة بعيدة عن الرِّياء والسمعة والشهرة وضجيج الإعلام، وبذلك نكون قد فقهنا قول الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105).
إن على الراغبين في إعلاء شأن الوطن أن يتقدموا بالأعمال لا بالأقوال، وأن تكون لهم خطة عملية للأعمال التي تعود على الوطن والمواطنين بالخير والسعادة، وليعلموا أن سعادة الفرد، هي على المدى الطويل، في سعادة شعبه؛ لأنه ما استحق أن يُولد من عاش لنفسه فقط.
وما أروع ما تساءل به الإمام البنَّا مع الإخوان: هل أنتم على استعداد بحق لتجاهدوا ليستريح الناس؟ وتزرعوا ليحصد الناس؟ وأخيرًا.. لتموتوا وتحيا أمتكم؟.
وهل أعددتم أنفسكم بحقٍّ لتقوموا بالتضحية لرفع الظلم عن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان؟ فهذا ما ينصر الله تعالى به هذه الأمة ويعيدها إلى مكانتها؛ لأن الله عز وجل ينصر من ينصره، وذلك بنصرة دينه ونصرة المظلومين من عباده. ويقول: إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ.
سابعًا: الحرية المسؤولة لا الفوضى: حين تتنسَّم الشعوب أريج الحرية التي حرموها عشرات السنين، فإنهم يُقْبِلُون عليها بِنَهَم، قد ينسيهم من حولهم، وأن من حقهم أن ينعموا أيضًا بالحرية المسئولة والتي تجعل الجميع يقف في وجه من يريد استغلال الحرية للتجاوز والاعتداء على حريات الآخرين وعقائد الآخرين ودور العبادة والممتلكات، ومن حق الجميع ألا تجلب عليهم الحرية الدمار والخراب والقتل باسم الحرية..
وقد اقتضت حكمة الله تعالى رحمة بالناس جميعًا أن يضع الموازين بالقسط لحرياتهم، بأن شرع لهم الشرائع، وأرسل إليهم الرسل؛ كي يرشدوهم إلى طرائق السَّير بحرياتهم، وتطبيق استعمال الحريات في إطارها القوي السليم، حتى تستقيم أحوال الناس جميعًا، ويطمئن كل منهم إلى صون حريته من انتقاصها أو مصادرتها.
وإن الحرية لا تسمو بالإنسان إلا إذا حفظت للآخرين حريتهم، ولم تَطْغَ على أحد ولم تسبب ضررًا لإنسان، ولا تكبل يد إنسان في تصرف إلا إذا كان من ورائه أذى أو فساد في الأرض، وقد وضع الإسلام ضابطًا عامًّا ألا وهو: التوافق مع الحق والخير والذي يتضمن:
(أ) بألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى انتقاص حرية الآخرين.
(ب) ألا يترتب عليها إخلال بأمن المجتمع وسلامته.
(ج) ألا تفوت حقوقًا أعظم منها.
وهذا ما يمكن أن نسمِّيه التوازن بين حق الفرد وحق المجتمع، أو المصلحة الخاصة والمصلحة العامة.
ثامنًا : العدل: بالعدل قامت السماوات والأرض، وبالعدل تدوم الدول وتستقر، ومن ثَمّ وجب علينا أن نحقق العدل في وطننا، وأن ننصف الآخرين ولو من أنفسنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (النساء: 135). وننصفهم ولو كانوا من أعدائنا: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) (المائدة: 8).
ومن العدل ألا نقول أن الناس كلهم ليس فيهم خير "من قال هلك الناس فهو أهلكَهم أو أهلكهم"، كما أنه ليس من العدل أن نُضخِّم السيئات ونُصغِّر من شأن الحسنات، والأخطر من ذلك أن نُحوِّل الإيجابيات إلى سلبيات، وأن يتحول الهوى إلى معبود ننقاد له، وقد حذَّر الله تعالى سيدنا داود عليه السلام من اتباع الهوى فقال الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (ص: 26).
تاسعًا : سيادة القانون: ولا بد من التأكيد على أن العدل أساس الملك؛ ولذلك فليكن القضاء هو السبيل الذي لا يصح لأحد أن يتجاوزه أو يخرج عليه إعمالا لمبدأ سيادة القانون، وهذا مبدأ أقرَّته الأديان، ومعمول به في كل الدول وجاء في إعلان الديمقراطية للأمم المتحدة، حيث يقول: "تقوم الديمقراطية على سيادة القانون ومباشرة حقوق الإنسان. وفي الدولة الديمقراطية لا يعلو أحد على القانون، والجميع متساوون أمام القانون"، وهذا تأكيد واعتراف من كل البشر على القيم التي أنزلها ربِّ البشر.
عاشرًا: السلميَّة ونبذ العنف: وأخيرًا.. نهيب بجميع أبناء الأمة إذا ما أرادت أن تُعبِّر عن رأيها، فليكن بالكلمة الطيبة أو التظاهر السلمي، وأن نتوقَّى العنف بكل أشكاله فلا سبَّ ولا شتم، ولا تخريب للممتلكات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بسبَّاب ولا لعَّان ولا طعَّان ولا فاحش ولا بذيء"، ولا إراقة للدِّماء، والإسلام يصون الدماء والأعراض والأموال، وكَانَ النَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جَيْشًا قَالَ: " انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللهِ.. وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا طِفْلًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا تُغَوِّرُنَّ عَيْنًا، وَلَا تَعْقِرُنَّ شَجَرَةً إِلَّا شَجَرًا يَمْنَعُكُمْ قِتَالًا أَوْ يَحْجِزُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا تُمَثِّلُوا بِآدَمِيٍّ وَلَا بَهِيمَةٍ، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغُلُّوا".
أيها المسلمون:
تعالوا نتَّحد على الأهداف العليا لوطننا، وهيا بنا إلى العمل في إطار من الأخلاق والقيم التي تحفظ حقوق الآخرين، وتحترم حرياتهم، وأن نجعل شعارنا: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103).
وأن يعمل كل أبناء الأمة لإصلاح أنفسهم، وإصلاح غيرهم وشعارهم (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود: 88).
والله أكبر ولله الحمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.