الصدق خلق إسلامي جميل. اتفق العقلاء علي مدحه وذم نقيضه وهو الكذب. وكفي بالصدق مدحاً أن يدعيه من ليس أهله. وكفي بالكذب ذماً أن يتبرأ منه من هو أهله. وقد أرشدنا ربنا إلي التمسك بهذا الخلق الطيب في كتابه الكريم. وفي سنة رسوله العظيم صلوات الله عليه وسلامه. في نصوص أكثر من أن تعد. فقد أمر ربنا في كتابه الكريم في أكثر من آية بالصدق. ومدح الصادقين. ووعدهم بالخير الكبير في الدنيا والآخرة. فمن هذه الآيات قوله سبحانه: "قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم" "المائدة:119". وقوله تعالي: "وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم" "التوبة:43". ولم يقتصر الأمر علي طلب الصدق من المسلم فحسب. بل أمر الله تعالي أن يكون المسلم دائماً مع الصادقين فقال سبحانه وتعالي: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" "التوبة:119". وليس الصدق هو قولك الحق وحسب. بل من الصدق أيضاً أن تصدق بالله وكلامه. وقد أمر بذلك النوع من الصدق في قوله تعالي: "قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" "آل عمران:95". كما أخبر ربنا سبحانه وتعالي أن كلامه الصدق والعدل. وأنه لا مبدل لحكمه ولا معقب لكلامه. لأنه أعلي أشكال الصدق والعدل فقال عز من قائل: "وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم" "الأنعام:115". وأخبر ربنا سبحانه وتعالي أن سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم كان من شأنه أن يتبين حقيقة الصادق والكاذب فقال الله له: "عفا الله عنك لم أذنت لهم حتي يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" "التوبة:43". وقد أمر الله نبيه المصطفي صلي الله عليه وسلم أن يسأله الصدق في المدخل والمخرج. وفي شأنه كله فقال سبحانه وتعالي: "وقل رب أدخلني مدخل صدق. وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً" "الإسراء:80". وأخبر الله تعالي أن الصدق منة يمتن الله بها علي عباده الصالحين. وأنبيائه الكرام عليهم السلام فقال: "ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا" "مريم50.". وبين الله سبحانه وتعالي أن الفتن والابتلاءات لا تكون إلا لتمحيص الناس. ومعرفة الصادقين والكاذبين فقد قال جل وعلا: "ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" "العنكبوت:3". وقال سبحانه: "ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذاباً أليماً" "الأحزاب:8". وفي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث التي تدعو إلي الصدق. وتأمر به. فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلي الفجور. وإن الفجور يهدي إلي النار. وإن الرجل ليكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عند الله كذاباً. وعليكم بالصدق فإن الصدق بر. والبر يهدي إلي الجنة. وإن الرجل ليصدق ويتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقاً" "متفق عليه". وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة. اصدقوا إذا حدثتم. وأوفوا إذا وعدتم. وأدوا إذا ائتمنتم. واحفظوا فروجكم. وغضوا أبصاركم. وكفوا أيديكم". "صحيح ابن حيان". وعنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: "يطوي المؤمن علي الخلال كلها غير الخيانة والكذب". "مصنف ابن أبي شيبة". وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "أول من يدخل الجنة التاجر الصدوق". "المصنف لابن أبي شيبة". وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "دع ما يريبك إلي ما لا يريبك. فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة". "المستدرك علي الصحيحين". إذا تقرر ما سبق علمنا أن الصدق نجاة وقوة لأن الصادق لا يخشي من الإفصاح عما حدث بالفعل. لأنه متوكل علي الله. والكذاب يخشي الناس. ويخشي نقص شأنه أمام الناس. فهو بعيد عن الله. وإنما يكذب الكذاب لاجتلاب النفع واستدفاع الضر. فيري أن الكذب أسلم وأغنم فيرخص لنفسه فيه اغتراراً بالخدع. واستشفافاً للطمع. وربما كان الكذب أبعد لما يؤمل وأقرب لما يخاف. لأن القبيح لا يكون حسناً والشر لا يصير خيراً. وليس يجني من الشوك العنب ولا من الكرم الحنظل. نحن نعيش في زمان عجيب كثرت فيه الإغراءات. وإن تخلينا عن أخلاقنا الحميدة وعن الصدق فسوف نذوب في هذا العالم المتلاطم. ولذلك ينبغي للمسلم أن يتذكر دائماً ما طلبه الله منه في كتابه وعلي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم. من التزام الصدق والنزاهة حتي يفوز بسعادة الدارين. جعلنا الله من الصادقين في نياتهم وأقوالهم وأفعالهم.