رسميًا.. الخميس المقبل إجازة مدفوعة الأجر للقطاع الخاص    ممثل الإدارة الدينية لمسلمي روسيا: الإسلام انتشر في بلادنا قبل ألف عام بجهود الصحابة    توريد 1352 طن قمح بصوامع وشون المنيا حتى الآن    تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوى في 3 أسابيع    «عصمت»: القطاع الخاص شريك رئيسي في تنفيذ مشروعات تطوير شركات قطاع الأعمال    النائبة رشا إسحق تعدد مكاسب زيارة العاهل البحريني إلى مصر    ألمانيا تستدعي السفير الروسي بعد القبض على رجلين بتهمة التجسس لصالح روسيا    عالم هولندى يحذر من زلزال مدمر بدرجة 8 ريختر غدا بسبب اقتران الأرض بعطارد    ماركا: ريال مدريد استخدم أسلوب أرسنال الدفاعي لعبور مانشستر سيتي    الأهلي يخاطب وزير الرياضة للسماح بالسعة الجماهيرية الكاملة في مبارياته    تشكيل ليفربول أمام أتالانتا فى الدوري الأوروبي.. موقف محمد صلاح    بايرن ميونخ يعلن التفاوض مع ناجلسمان لتدريب الفريق.. وهذا شرط المدرب للعودة    خاص.. لجنة الحكام تعترف بخطأ احتساب هدف الزمالك الثاني ضد الأهلي    رياح محملة بالأتربة تغطي سماء المنيا وتحذيرات للمواطنين    خناقة انتهت بقتيل.. تحقيقات موسعة في طعن مسن بروض الفرج    تأجيل محاكمة حسين الشحات في واقعة ضرب الشيبي لجلسة 9 مايو    الفنان أحمد عبد العزيز: ساحات الجنازة والعزاء أصبحت حكرًا للتريندات الخادعة    رئيس قطاع المتاحف يتفقد مستجدات الأعمال بمشروع تطوير متحف رشيد الوطني    توقعات برج العقرب في النصف الثاني من أبريل 2024: صحة جيدة ومصادر دخل إضافية    تعاون ثقافى بين مكتبة الإسكندرية ونظيرتها الوطنية البولندية    مفتى الجمهورية يفتتح أول معرض دولى بدار الإفتاء بالتعاون مع روسيا    «الحشاشين» يتصدر ترتيبا متقدما في قائمة الأكثر مُشاهدة على WATCH IT    وفاة معتمرة من بني سويف في المسجد النبوي بالسعودية    أمين الفتوى: سيدنا النبي نصحنا بهذه الأدعية    "الصحة" تُشارك في فعاليات المؤتمر العملي لجمعية سرطان الكبد المصرية    انطلاق اليوم الرياضي لكلية التمريض بجامعة بني سويف    فحص 1632 مواطنا خلال قافلة طبية بالمجان بقرية أولاد مرجان بالمنيا    برلمانية: إدخال التأمين الصحي في محافظات جديدة يوفر خدمات طبية متميزة للمواطنين    6 أمراض تهددك في الربيع- هكذا يمكنك الوقاية    مدفوعة الأجر.. الخميس إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة عيد تحرير سيناء    فى الجيزة.. التعليم تعلن جدول امتحان المستوى الرفيع والمواد خارج المجموع لطلاب النقل والإعدادية    إحالة 30 من العاملين بالمنشآت الخدمية بالشرقية للتحقيق    تشكيل الإسماعيلي المتوقع أمام زد بالدوري المصري    «من متدنية إلى وراء الستار».. القصة الكاملة لأزمة شوبير وأحمد سليمان    129 متدربا اجتازوا 4 دورات تدريبية بمركز التنمية المحلية بسقارة    النواب في العاصمة الإدارية.. هل يتم إجراء التعديل الوزاري الأحد المقبل؟    الدعم الأمريكي مستمر.. مساعدات عسكرية جديدة بالمليارات لإسرائيل (فيديو)    إعدام طن مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك الآدمي بسوهاج    بعد 5 أيام.. انتسال جثة غريق البحر بالكيلو 65 غرب الإسكندرية    اندلاع النيران بعدد من أشجار النخيل في جنوب الأقصر    وكيل الأزهر ورئيس قطاع المعاهد الأزهرية يتفقدان التصفيات النهائية لمشروع تحدى القراءة في موسمه الثامن    «دي بي ورلد السخنة» تستقبل أول سفينة تابعة للخط الملاحي الصيني «CULines»    وزيرة الهجرة تبحث مع «رجال أعمال الإسكندرية» التعاون في ملف التدريب من أجل التوظيف    بعد انتقاده أداء لاعبي الأهلي بالقمة|«ميدو» يستعرض لياقته البدنية في إحدى صالات الرياضة    تعَرَّف على طريقة استخراج تأشيرة الحج السياحي 2024 وأسعارها (تفاصيل)    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم بإحراز سلاح بدون ترخيص فى سوهاج    ما هو مقابل «الجعل» الذي يتم إعفاء شركات الطيران منه لتنشيط السياحة ؟    اتحاد المعلمين لدى «أونروا» في لبنان ينفذ اعتصاما دعما لغزة    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبي جرائم الاتجار في النقد الأجنبي    الوزراء يوافق على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون: «لا نتوقع ضرب إيران قبل عيد الفصح»    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    فيلم «عالماشي» يحقق إيرادات ضعيفة في شباك التذاكر.. كم بلغت؟    هولندا تعرض على الاتحاد الأوروبي شراء "باتريوت" لمنحها إلى أوكرانيا    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    إبراهيم سعيد: احتفالات لاعبي الزمالك بعد الفوز على الأهلي مبالغ فيها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصدق وبناء إنسان الحضارة
نشر في المصري اليوم يوم 08 - 02 - 2012

كان، ولا يزال، بناء الإنسان محوراً من المحاور المهمة التى شغلت عقول المفكرين والعلماء بل الأدباء عبر العصور والأجيال المختلفة، فهذا الإنسان - إذا تم بناؤه بصورة صحيحة - هو القادر على تحقيق المعجزات وعبور جميع الأزمات والعقبات وبناء حضارة ممتدة وقوية تساهم فى تطور البشرية وتعمير الأرض، وقد قدمت الحضارة الإسلامية نموذجاً فريداً لبناء هذا الإنسان، ومن مميزات ذلك النموذج أنه صالح لكل زمان أو مكان، وقابل للتطبيق على كل البشر باختلاف طبائعهم وبيئاتهم ومستوياتهم التعليمية ومراكزهم الاجتماعية، وهو ما يؤكد عالمية هذا الدين وأنه غير مقيد بزمن معين أو وطن محدد بل هو رسالة الله الخاتمة لهداية العالمين، ونحن فى زمننا الحالى فى أشد الحاجة لدراسة هذا النموذج واستيعابه بصورة عميقة تساهم فى عمار مصرنا آخذين بيدها إلى مصاف الدول القائدة.
ومن السمات الأولى فى بناء هذا الإنسان الصدق، والصدق ضد الكذب، وهناك كذب يأثم عليه العبد، وهو ما تعمد به تزييف الواقع، والإخبار بما يخالفه، وهناك كذب لغة ولا يأثم عليه العبد بأن يتكلم بكلام يخالف الواقع لكن دون تعمد، كقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «كذب سعد»، عندما أخطأ وظن أن فتح مكة سيكون بإراقة الدماء.
ومن الكذب اللغوى الذى لا إثم فيه، وهو من باب قول الحسنى، أو مقتضيات حالات الحرب، أو غير ذلك، تلك الحالات من الإخبار بخلاف الواقع التى رخّص فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واستثناها، ومن ذلك ما ورد عن أم كلثوم، رضى الله عنها أنها سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «ليس الكذاب الذى يصلح بين الناس فينمى خيرا أو يقول خيرا» (رواه البخارى ومسلم)، وعنها أيضا : «لم أسمع يرخص فى شىء مما يقول الناس كذب إلا فى ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها» (رواه مسلم).
أما ما عدا ذلك فقد أجمع المسلمون على حرمة الكذب حتى أصبح من المعلوم من الدين بالضرورة، وقد أمرنا ربنا فى كتابه الكريم بالصدق، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (التوبة: 119)، ومدح الصادقين، ووعدهم بالخير فى الدنيا والآخرة، فقال فى محكم كتابه عن جزائهم: «قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (المائدة: 119)، وإذا تقرر ما سبق علمنا أن الصدق نجاة وقوة، لأن الصادق لا يخشى من الإفصاح عما حدث بالفعل؛ لأنه متوكل على الله، والكذاب يخشى الناس، ويخشى نقص صورته أمام الناس، فهو بعيد عن الله، وقد قيل فى منثور الحكم: «الكذاب لص؛ لأن اللص يسرق مالك، والكذاب يسرق عقلك».
وقال بعض الحكماء: «الخرس خير من الكذب، وصدق اللسان أول السعادة». وقيل: «الصادق مصون خليل، والكاذب مهان ذليل». وقد قيل أيضاً: «لا سيف كالحق، ولا عون كالصدق».
وإنما يكذب الكذاب لاجتلاب النفع واستدفاع الضر، فيرى أن الكذب أسلم وأغنم فيرخص لنفسه فيه اغتراراً بالخدع، واستشفافا للطمع، وربما كان الكذب أبعد لما يؤمل وأقرب لما يخاف؛ لأن القبيح لا يكون حسنا والشر لا يصير خيرا. وليس يُجْنَى من الشوك العنب ولا من الكَرْم الحنظل.
والصدق يساعد على التفكير المستقيم، وأما غيره فيؤدى بنا إلى التفكير المعوج، والتفكير المعوج يؤدى بنا إلى الغثائية، ويؤدى بنا إلى عقلية الخرافة وإلى منهج الكذب الذى يعنى مخالفة الواقع أو مخالفة الواقع والاعتقاد.
والتفكير المعوج يجعل الناس تعيش فى أوهام، وإذا شاع هذا التفكير اختلت الأمور، وكان ذلك أكبر عائق أمام التنمية البشرية، وأمام الإبداع الإنسانى، وأمام التقدم والأخذ بزمام الأمور، وأمام العلم، وأمام تحصيل القوة، وإذا كان كذلك فشلت كل محاولات الإصلاح وشاعت الغوغائية والعشوائية.
ومن أسباب الوقوع فى الكذب وشيوعه أن يتكلم المرء بكل ما سمع، وقد سماه النبى، صلى الله عليه وسلم، كذبا، حيث قال: «كفى بالمرء كذباً أن يُحدّث بكل ما سمع» (رواه مسلم). فنجد أقواما فى عصرنا هذا يفترون على الناس، ويكذبون عليهم، وإذ بهؤلاء يشتدون فى الكذب، حتى يحولوا كل ما يتخيلون - دون أى سماع لأى خبر موثق- إلى وهم يعيشون فيه يظنونه الحقيقة، فصدق عليهم كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: «ولا يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» (البخارى).
والكذب فيه اعتراض على الله تعالى، فالكذاب يخالف الواقع بكلامه لعدم رضاه به، وهو يتمنى تلك الصورة التى يحكيها مخالفة له، وهذه نقطة مهمة، ولذا فمن رضى بالله وأمره وقَدَره لا تراه يكذب، لأنه لا يسخط على الواقع بل يحكيه كما هو، ويرضى بفعل الله فى كونه، ويعلم أنه الملك الحق المبين فيرضى به حاكما، ويعترف بنفسه محكوما فى هذا الكون.
ومن هنا كانت قيمة الصدق بأنواعه قيمة إسلامية قَيّمة يأمر بها الإسلام فى حضارته وليس فى دينه فقط، يأمر بها العاملين، لئلا يتصدروا قبل أن يتعلموا ويفسدوا فى الأرض، وهم يريدون علواً فيها، فيهرفون بما لا يعرفون تأسيسا على عدم صدقهم.
إذن فالصدق منجاة ولو ظن الإنسان أن فيه هلاكه، والصدق بركة ولو ظن أن فيه خسارته، والصدق قوة ولو ظن أن فيه ضعفه، وهو ينشئ المسلم القادر على بناء الحضارة، والقادر على تعمير الكون، والقادر على عبادة ربه حق عبادته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.