مدي أعوام طويلة، بعد الحرب الباردة، ظلت وكالة المخابرات الأمريكية تنظم وتدير جبهة عريضة من المنظمات غير الحكومية NGO، s تكون شبكة من العملاء الذين يعملون بالتوازي مع ال «CIA» بهدف تطويع دول العالم للإستسلاملإملاءات الغرب وتعليمات أميركا. مؤسسات وهمية وتمويل سري ضخم وحملة إقناع هائلة في حرب دعاية ضارية تخطط لها وتديرها «منظمة الحرية الثقافية» الامريكية التي كانت بمثابة وزارة غير رسمية للثقافة الأمريكية، أو «الزمار» الذي تدفع له ال «CIA» ثمن ما تطلبه من «ألحان».ول «منظمة الحرية الثقافية» مكاتب في 35 دولة من بينها عدد من الدول العربية، حيث تم انشاء مكاتب فرعية لمؤسسات «روكفلر» و»كارنيجي» و»فرانكلين للطباعة والنشر» و»نادي القلم» وغيرها، تصدر المطبوعات، وتعقد مؤتمرات دولية تحضرها شخصيات بارزة، وتكافئ الفنانين والموسيقيين بالجوائز، وترعي معارضهم وحفلاتهم، معتمدة علي شبكة واسعة وشديدة التأثير من رجال المخابرات وخبراء الإستراتيجية السياسية لكي يخوضوا الحرب الثقافية لتغيير مفاهيم وتوجهات الدول والشعوب والسيطرة عليها. ماسبق من كتاب «من الذي دفع للزمار؟ الحرب الباردة الثقافية والمخابرات المركزية الأمريكية»تأليف الكاتبة الأمريكية»فرانسيس سوندرز» ترجمة «طلعت الشايب»وتقديم»عاصم الدسوقي» إصدار المجلس الأعلي للثقافة، القاهرة، يناير 2003. وهو كتاب جدير بالقراءة، لأنه يكشف القصة الكاملة للدور الذي قامت به ال CIA في الحرب الباردة الثقافية، ويعد «عملاً مهماً من أعمال البحث التاريخي» ولقد سبق أن كتبت لك عنه عدداً من المقالات، ناقشت فيها مشكلات الإدراك والصور الذهنية المستهدفة محاصرة العقل العربي وتوجيه قناعاته وإعادة صياغة رؤيته للعالم بمايستبعد كل ماهو وطني ويستبدلهبمفردات لغوية ومواقف سياسية تكرس لها مراكز البحوث والإعلام والثقافة والسياسة الدولية. ولقد حذرنا من محاولات هذه الشبكات العميلة زعزعة تمسكنا بالرؤي والثوابت الوطنية في الحريات والاستقلال الوطني ورفض التبعية لصالح مفاهيم العولمة الظالمة التي وجهت كل إيجابياتها لصالح الغرب الذي اجتاح بأفكاره وشركاته متعددة الجنسيات ومؤسساتهالمراوغة محيطنا السياسي مستهدفاًعقول الشباب والناشطين وقناعاتهم، وبدأ الترويج لما أسموه العالم قرية صغيرة بما يعني أننا شركاء تنمية ورخاء ولم يكن ذلك صحيحاً، وسخروا من نظرية المؤامرة بأننا درجنا في عالمنا العربي علي تعليق إخفاقات أنظمتنا الدكتاتورية والقومجية والحنجورية علي نظرية المؤامرة، وهذا غير صحيح أيضاً، فالتاريخ ليس مؤامرة كله، لكن المؤامرة موجودة في التاريخ ولاتزال خيوطها تنسج ضد مصالحنا كل يوم، ثم اسسوا لمصطلحات مخاتلة بمايخدم المصالح الغربية علي حسابنا، وروجوا لها في نشرات الأخبار العالمية والمؤتمرات الدولية، علي شاكلة «تحالف دعم الشرعية» بينما حقيقته «تحالف دعم الإرهاب» أو حركات الإسلام السياسي، وهو مصطلح مراوغ للتجارة بالدين، أو بالتفاهمات الأمريكية والأوروبية، وحقيقتها هي التسويات والإملاءات التي تخدم مصالح الغرب علي حساب عدالة قضايانا الدولية والوطنية، أو التأكيد علي مفهوم دول الإعتدال العربي وماهي إلا تعبير عن سياسات دول التبعية والاستسلام، أو خارطة الطريق للصراع العربي الإسرائيلي وحقيقتها إضاعة الطريق علي حقوقنا التاريخية في الأرض والسلام، أو تسمية التطبيع مع إسرائيل بثقافة السلام، أو تسمية الإرهابيين في سوريا بالمجاهدين، أو إدعاء تدريب الشباب علي الديمقراطية بينما هدفها تجنيدهم للجيل الرابع من الحروب لإسقاط النظم والتأسيس للفوضي، وهكذا وصولاً إلي إعتبار ثورة 30 يونيو إنقلاباً علي الشرعية، بينما هي محاولة لإستعادة وطن حاولت عصابات إرهابية اختطافه وتغيير هويته، ويقدم الغرب لهم الدعم السياسي والمادي والسلاح وأنشطة التخابر لمجرد أنهم يحققون لهم مصالحهم الصهيوأمريكية في المنطقة العربية التي أرادها المخطط الأمريكي الغربي أن تتحول إلي كيانات مفتته وكنتونات طائفية ضعيفة متحاربة لتخلي الطريق لقوي إقليمية أخري ليس من بينها مصر. وأنظروا في هذا الشأن للموقف الأمريكي الأوروبي الداعم للإنقلاب الحقيقي علي الشرعية في أوكرانيا، وقارنوا بين موقفهم من دعم محمد مرسي والإصرار علي شرعيته، ومن وقوفهم ضد شرعية الرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانوكوفيتش، وقارنوا موقفهم الرافض لإستفتاء «دوبتسك» في شرق أوكرانيا التي يقطنها سبعة ملايين روسي لتقرير مصير استقلالهم الذي ترفضه أمريكا والإتحاد الأوروبي بينما شجعوا ودعموا من قبل إستقلال جنوب السودان 2011، وتيمور الشرقية عن إندونيسيا 2002!!. إنها إزدواجية المعايير، وأوركسترا الزمارين القدامي والجدد.