«جبالي» يحيل 6 مشروعات قوانين للجان النوعية بالبرلمان    جامعة بنها تنظم المؤتمر السنوي الثالث لطلاب الدراسات العليا.. 22 مايو    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة «الحلول الابتكارية لتحقيق التنمية المستدامة»    رئيس الوزراء يتفقد أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من الخط الرابع لمترو الأنفاق    ختام السلسلة الأولى من المناقشات حول برنامج منحة الشراكة من أجل التعليم    تداول 146 ألف طن بضائع استراتيجية بميناء الإسكندرية    استلام 193 ألف طن قمح بالشون والصوامع بكفر الشيخ    موعد تشييع جنازة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي    كولر يجتمع مع جهازه المعاون استعدادا لمواجهة العودة أمام الترجي    المصري البورسعيدي يستضيف إنبي في الدوري    تشاهدون اليوم.. بولونيا يستضيف يوفنتوس والمصري يواجه إنبى    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    السجن 3 سنوات لعاطل بتهمة النصب علي المواطنين بالقاهرة    «الأرصاد» تكشف طقس الأيام المقبلة وموعد انتهاء الموجة الحارة    تصدى لمحاولة سرقة منزله.. مدمن يقتل عامل بطلق ناري في قنا    خلال 24 ساعة.. تحرير 483 مخالفات لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو من أجل المرأة في العلم".. الشروط والرابط    في ذكرى رحيله.. محطات في حياة ملك الكوميديا الفنان «سمير غانم»    تقديم خدمات طبية ل 1528 مواطنًا بقافلة مجانية في كفر الشيخ    «الرعاية الصحية» تعلن حصول مستشفى الرمد ببورسعيد على الاعتراف الدولي    جبالي يفتتح أعمال الجلسة العامة لاستكمال مناقشة مشروع قانون تطوير المنشآت الصحية    خبير في العلاقات الدولية: إسرائيل تستخدم سلاح الجوع لكسر صمود الشعب الفلسطيني    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الذهب يصعد 1.4% ويسجل أعلى مستوياته على الإطلاق    ما هي المسافات الآمنة للسكن بجوار خطوط الكهرباء؟    أتزوج أم أجعل امى تحج؟.. وكيل وزارة الأوقاف يوضح    المركزي الصيني يبقي على معدلات الفائدة الرئيسية للقروض دون تغيير    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل تعاملات اليوم    تربية رياضية بنها تحصل على المركز الأول في المهرجان الفنى للمسرحية    «رمد بورسعيد» يحصل على الاعتراف الدولي للمستشفيات الخضراء«GGHH»    قبل نظر جلسة الاستئناف على حبسه، اعترافات المتسبب في مصرع أشرف عبد الغفور    طريقة عمل العدس بجبة بمكونات بسيطة    دعاء النبي للتخفيف من الحرارة المرتفعة    اليوم.. محاكمة طبيب نساء بتهمة إجراء عمليات إجهاض داخل عيادته    السوداني يؤكد تضامن العراق مع إيران بوفاة رئيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    باكستان تعلن يوما للحداد على الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته عقب تحطم المروحية    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    تسنيم: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منطقة سقوط المروحية    أحمد عبدالحليم: الزمالك جدد طموحه بالكونفدرالية.. وفخور بجمهور الابيض    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    لبيب: نملك جهاز فني على مستوى عال.. ونعمل مخلصين لإسعاد جماهير الزمالك    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يدفع أجرة "الزمار" يختار اللحن!!
نشر في الوفد يوم 11 - 01 - 2012

رغم صدوره منذ فترة طويلة نسبيا إلا أن الحاجة إلى إعادة قراءته، تصبح لها أهمية خاصة في ضوء ما يتكشف الآن على الساحة في المواجهة اليومية بين المتهمين بعمالتهم لأمريكا والغرب من ناحية والوطنيون (إسلاميون أو علمانيون أو غيرهما) من ناحية أخرى.
"من الذي دفع للزمار؟" عنوان الكتاب الذي أعنيه وهو لباحثة وكاتبة إنجليزية تدعى فرانسيس ستونز، وقد أصبت بصدمة صاحبتني لأيام حين قرأته للمرة الأولى، وللحق ما زلت أشعر بأثرها يؤلم رأسي، لكن ما رأيته وسمعته وقرأته مؤخرا جعلني أجازف بتحمّل الألم مرة أخرى وأنا أعيد قراءته مرات ومرات لمحاولة فهم وتفسير بعض مما يجرى الآن، وأقدم بين يدي القارئ بعض النقاط التي استوقفتني:
1 -
عنوان الكتاب مأخوذ عن مثل إنجليزي يقول: "إن من يدفع أجرة الزمار يختار اللحن"، ويعد من أخطر الكتب توثيقا في فضح طرق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA منذ إنشائها عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية ودورها في مجال الآداب والفنون على مستوى العالم، بهدف السيطرة على العقول، عن طريق اختراق وبسط نفوذها على المنظمات الإنسانية والفعاليات الثقافية الكبيرة.
وحسب الوثائق التى حصلت المؤلفة عليها فإن الدور الأساسي الذي كان مناطا بالوكالة هو مواجهة أي مضمون اجتماعي يمكن أن يُقدم عكس الرؤى الأمريكية، وأعطيت لها في سبيل ذلك "صلاحيات هائلة ومطلقة ليفعل ما يشاء من أجل حماية الصورة الأمريكية التي ترسمها وسائل الدعاية والإعلام في خيال الآخرين، ثم تقرر في 19 ديسمبر 1947 أن يستخدم الجهاز الأنشطة النفسية السرية لدعم السياسة الأمريكية بما في ذلك التخريب والتدمير بالانقلاب والاغتيالات ومساعدة حركات المقاومة السرية والمعارضة السياسية في الدول الأخرى بشكل متقن لا تظهر معه أي مسئولية للحكومة الأمريكية، وحصل الجهاز (1949) على حق إنفاق الأموال اللازمة لتمويل نشاطه دون تقديم بيانات عن أوجه الصرف حتى لا يترك مستند يدل على دور للحكومة."(ص10 – 50)
بعد ذلك، تولت المخابرات المركزية CIA تكوين واجهة ثقافية، فأنشئت عام 1950 منظمة "كونجرس الحرية الثقافية" Congress for Cultural Freedom التي تحولت عام 1967 إلى "الاتحاد الدولي للحرية الثقافية" وأنشأت هذه المنظمة فروعاً لها في 35 دولة، وأصدرت أكثر من 20 مجلة ذات تأثير عالمي كبير، وكان يكتب في هذه المجلات شخصيات فكرية مشهورة عالميا مثل فيلسوف التاريخ أرنولد توينبي والفيلسوفين برتراند راسل وهربرت سبنسر.
ويشرح الكتاب بالوثائق كيف تمكنت ال CIA من الاستفادة من أبرز المعارضين ودعاة الحرية الفكرية لخدمة هذه السياسات إلى حد أنها كانت تشرف مباشرة على رواتب بعض المثقفين والمعارضين، وكيف أن بعضهم كان على علم بتورطه في مشاريعها والبعض كان يدور داخل وخارج المدار منكراً علمه بتلك العلاقة بعد تسريب معلومات عن ذلك ونشرها علنا في أواخر الستينات.
2 –
ستتفاجئ أيها القارئ لو أنك تقرأ الكتاب للمرة الأولى حين تتكرر خلال الصفحات أسماء كتَّاب عظام، وعدهم بين المتعاونين مع "منظمة الحرية الثقافية" التي أنشأتها وأدارتها المخابرات الأمريكية لتحقيق الهدف الذي ذكرناه سابقا بعضهم عرف ذلك وبعضهم لم يعرف - مثل: ت. س. إليوت، جورج أورويل، آرثر ميللر، روبرت لويل، أندريه مالرو، جون ديوي، كارل ياسبرز، إلبرتو موارفيا، هربرت ريد، ستيفن سبندر، نارايان (الهندي)، ألن تيت، إيتالو كالفينو، فاسكو براتوليني، فضلا عن تشارلي شابلن، مارلون براندو، رونالد ريجان (الذي أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة)، كما قامت المخابرات الأمريكية بتمويل مباشر وغير مباشر لحملات حزبية وزعامات جديدة ومنشقون في أمريكا وأوربا .
وتضرب المؤلفة مثالا لما تقصده بالتدخل والتوجيه بقولها إن "منظمة الحرية الثقافية" قد عملت على تغيير بعض أحداث ونهايات الروايات العالمية مثل "المزرعة"، و"الإله الذي فشل"، ورواية "1984" لتحقق الفكرة التي تستهدفها وتعيد طباعتها على نفقة المخابرات الأمريكية لتخدم أهدافها، ومن الأمثلة التي يذكرها الكتاب أيضا أن ال C IA قامت بتمويل الفيلم الكرتوني المأخوذ عن رواية "المزرعة" للكاتب جورج أورويل وعملت على نشره وتوزيعه في أنحاء العالم.
3 –
الغريب، أن دعم هذه المجموعات من المعارضين والمثقفين الممولين من أمريكا يصور دائما على أنه ليس بحجة ميولهم وآرائهم السياسية بل بدعوى أنهم باحثون عن الحقيقة، كونهم أحرارا، وطنيون، متمردون، منبوذون، مقموعون من السلطة والمجتمع، منحازون إلى فئات الشعب المهمشة (المرأة والأقباط على سبيل المثال في مصر)، فنانون من أجل الفن كقيمة ومبدأ ليتحولوا بطرق مباشرة وغير مباشرة إلى مأجورين لمحاربة كل الأفكار التي تعارض النموذج الأمريكي.
لكن الممول (أمريكا) لم يترك الأمر لهم بل وجد لهم مخرج مناسب ليعفيهم من الاتهامات بالعمالة في حال أثيرت الشكوك حولهم أو حتى أيضا أمام ضمائرهم فأسس عدد كبير من الجمعيات والمؤسسات العلمية والثقافية تغطي كل مساحة في العالم بهدف عمل تغطية لفكرة التمويل المباشر، ومن الأمثلة التي ذكرها الكتاب في سياق تدليله على ذلك "الجمعية البريطانية للحرية الثقافية"، و"الاتحاد الإيطالي للحرية الثقافية"، مجلة "ديرمونات"، ومجلة "بريف" الثقافية في فرنسا. ومجلة "إنكاونتر" التي صدرت في إنجلترا من 1953 إلى 1990، ومجلة "تيمبو برزنت" في إيطاليا، ومجلة "كويست" الهندية والتي صدرت 1955، ومجلة "كوادرانت" في أستراليا.
4 -
في أوائل الستينات وسعت الوكالة الأمريكية نشاطها في المجال الثقافي والفني والسياسي ليشمل مناطق أخرى ذات أهمية استراتيجية للإمبراطورية الأمريكية خاصة خلال خلال حربها الباردة مع روسيا في أفريقيا والعالم العربي والصين، ولذا فقد أنفقت ببذخ على المؤتمرات الفخمة وإصدار المجلات الأدبية ودور النشر التي تغري الكتاب بنشر أعمالهم الخاصة وترجمتها.. إلخ، ومن الأمثلة التي يوثقها الكتاب في الوطن العربي وكشفت عنها ال CIA في وثائقها مجلة "شعر" اللبنانية ومجلة "فصول" المصرية واللتان تلقيتا إعانات من مؤسسات تابعة ل CIA، وكانت "منظمة الحرية الثقافية" تشتري من "فصول" 1500 نسخة.
وأضيف ما أظهرته الوثائق المسربة مؤخرا من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الثقافية في مصر والتي تتلقى تمويلا مباشرا أو غير مباشر من أمريكا مثل (مركز الأرض لحقوق الإنسان، المركز الأميركي الدولي للتضامن العمّالي، معهد الأندلس للتسامح والدراسات المناهضة للعنف، المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، جمعية حقوق الإنسان بأسيوط، مركز المشروعات الدولية الخاصة، جمعية المراقب المدني لحقوق الإنسان، الجمعية المصرية لتنمية المجتمع، جمعية التنمية البشرية، جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء، جمعية الدعم القانوني من أجل الحقوق الدستورية، مركز ماعت للدراسات الدستورية والقضائية، الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، جمعية آفاق جديدة للتنمية الاجتماعية، مركز الدراسات الريفية، جمعية (شومو) للحقوق الإنسانية وتنمية المجتمع المحلي...إلخ) والتي نشرتها بوابة الوفد نقلا عن وكالة أمريكية نقلا عن موقع "منظمة الدعم الوطني للديمقراطية الأمريكية N.E.D" ، والتي تشير بوضوح أن أمريكا لا زلت تمارس نفس الدور في محاولة السيطرة على العقول وتوجيهها للإيمان بنموذجها والذي يصب في النهاية في مصالحها البرجماتية.
5 -
وإذا كان من المستحيل أن نصدق جهل تلك الشخصيات والمنظمات بتورطهم مع أجهزة المخابرات، فإننا للأسف ننتظر أن تقوم المنظمة نفسها بفضحهم بعد أن يتم الانتهاء منهم واستبدالهم بعناصر أخرى تناسب المرحلة، كما تصف سوندرز ما قام به "توم برايدن" الذي كان يدير فرع المنظمات الدولية في ال CIA برفع الغطاء عن تفاصيل تلك العلاقات المشبوهة، أو حسب تعبير برايدن نفسه "أنه كان عليهم أن يعرفوا من يدفع لهم رواتبهم ومعاشاتهم". (ص 397-404).
وكتب "برايدن " عن هؤلاء المثقفين والكتاب والسياسيين "أن تمويلهم كان من الوكالة وأن الوكالة صارت تعد وترسم لهم تحركاتهم"(ص397)، مضيفا "إننا نعمل على التأثير على كل المنظمات الدولية و في كل ميدان"(ص39).
6 -
تدخل المخابرات في الحياة الثقافية والاجتماعية أصبح حقيقة لا شك فيها، وكانت له نتائجه الملموسة على المدى القصير والطويل، نلمسها حين نراجع تاريخ مثقفينا خلال القرن الماضي، ونعيشه الآن بكل مرارته خاصة عقب الصورة المصرية، فنرى العديد ممن يطلق عليهم "مثقفين ومفكرين" كوفئوا بالظهور والشهرة والاعتراف العام وتم تمويل كتبهم وأبحاثهم و مشاريعهم لخدمة الأهداف الإيديولوجية التي حددها "من يدفع الأجرة".
وإذا كنا سردنا بعض أسماء لشخصيات كبيرة وأصحاب قامات عالية جدا – عن حق - في الأدب، الفلسفة، الاجتماع، علوم السياسة، والفن بأنواعه، فلا نستبعد أن يلتحق بخدمة تلك الأجهزة "صعاليق" ليس لهم نصيب – ولو في حده الأدنى – من علم أو ثقافة مقابل أن يصبحوا معروفين من خلال المؤتمرات والقنوات والصحف التي يتم تمويلها وتدعمها الوكالة بهدف تأسيس جيل جديد وفق المعايير الأيديولوجية التي تخدم استراتيجيات الدولة المنتفعة.
نعم، يصير المبدأ والبرتوكول المتفق عليه: لا مكافأة بدون لحن، وفقط من يساير خط دافع الأجرة له حق تحديد اللحن المعزوف، وقد يصبح الأبرع في العزف وإظهار الاتساق والإلتزام والإخلاص ناشطاً سياسيا معروفا للفضائيات والصحف والمنظمات الدولية أو رئيساً لمعهد أو مديرا لمتحف أو عضواً في أكاديمية رفيعة.... إلخ
وللحديث بقية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.