عرف عن المصريين أنهم شعب يعرف كيف يصنع السعادة والبهجة, رغم أنه من أكثر الشعوب مقدرة علي الصبر, وتحمل المشاق, فهو شعب صبور, وهذه هي صفات وشيم بناة الحضارة علي مر العصور, ولكن للأسف جاء من سرق سعادة المصريين, وعرف كيف يرسم الشقاء والبؤس علي وجوههم. كان المصري يلقي ضيوفه بالبشر والترحاب, دائما مبتسما, وعندما يحزن يضع حزنه بين ضلوعه, ويضحك للدنيا, ويبتسم للمشاكل, ولذلك قالوا عنه انه ابن نكتة, يطلق النكات والقفشات حتي في أحلك اللحظات, فهو يواجه همومه بالسخرية منها, والضحك ممن صنعوا تلك الهموم, وسرقوا منه ضحكته. في أيام المخلوع اسودت حياة الناس, ومات البسمة وارتسم الحزن علي الوجوه, من كثرة المعاناة, وتلال المشاكل وجبال الهموم, التي جثمت فوق صدور المصريين, ولم يكن غريبا أن تزدهر الكوميديا, ويقبل عليها الناس, رغبة وأملا في استخلاص الضحكة أو حتي شبحها, وبدلا من أن تنسيهم الضحكات همومهم أغرقتهم فيها. بعد أن كانت البسمة والضحكة الصافية العلامة المسجلة عالميا للشخصية المصرية, تحول المصري إلي خميرة عكننة ليس برضائه وإنما رغما عنه, فلم يعد القادرون علي الضحك سوي قلة قليلة, وهم أولئك القوم الذين كانت تعمل كل مؤسسات الدولة لصالحهم, وجندت جميع الهيئات والمرافق لراحتهم وسعادتهم, حتي كادوا يموتون من فرط السعادة, بينما تموت غالبية المصريين حزنا وكمدا من سوء أحوالهم. وعندما جاءت الثورة, ورغم الدماء التي سالت خلالها, إلا أن الناس تفاءلت بعودة البسمة إلي وجوه المصريين, والضحكة إلي قلوبهم, لأنهم ثاروا علي صناع الحزن, وانقلبوا علي المترفين من الضحك, ثار المصريون أملا في فرح حقيقي وسعادة من القلب, لا فرح مرسوما بريشة فنان أدمن التزييف, أو سعادة يصنعها مهرج بهلوان, لم يضحك من قلبه يوما. والفرح والسعادة لا تأتي إلا مع العدل والحرية والكرامة, فالمحروم من العدل والمسجون في قفص الظلم لا تعرف شفتاه أبجدية الفرح, ولا تلمع عيناه لمعة السعادة, بعد أن أدمنت دموع الانكسار من كثرة البكاء علي الحقوق الضائعة, والضحكة الحرة لابد لها من فضاء تغرد فيه بجناحين من كرامة تزهو بالابتسام, فلا ضحكة صافية مع كرامة مهدرة, ولا سعادة من القلب مع شظف العيش ومعاناة كسب الرزق, الذي أقيمت دونه سدود الجشع والرشوة والمحسوبية. وأعتقد أن ثورة25 يناير كانت ثورة ضد سارقي الفرح, ثورة ضد لصوص الابتسامة الذين سرقوا الضحك من قلوب المصريين, صناع النكتة والابتسامة الصافية, فقد حول نظام اللامبارك حياة المصريين إلي تاريخ طويل من الحزن والمعاناة, والضحك التايواني, الذي حاول بعض المصريين أن يضحكوا به علي أنفسهم, لأنهم لا يعرفون أن يعيشوا دون السعادة أو الابتسامة أو النكتة حتي ولو كانت مزيفة وغير أصيلة. جبال الحزن الذي تكومت فوق صدور المصريين, وأمواج الهموم التي أغرقتهم في الأحزان خلال حقبة الفساد السوداء, حركت بركان الضحك الخامد, الذي احترق كبده طويلا وأدمت معصميه أصفاد عهد الحزن البغيض, فكان لابد له أن يتحرك, نافضا عن الصدور جبال الأحزان, ودافعا أمواج الهموم إلي شطآن بعيدة, فقد اشتاق المصريون كثيرا إلي أمطار الفرح والسعادة. الفرح عند المصري هو أن يجد قوت يومه وأن يسعد أولاده وبناته, من عرق جبينه وكده, أي أن يجد عملا يرزق منه برزق حلال, وأن يري أولاده يتعلمون ويكبرون, يرضعون من صدر الوطن الولاء والانتماء, سعادة المصري أن يأتي ابنه من بعده رجلا متحملا أعباء نفسه معينا ومساعدا, وحالما بأسرة صغيرة, تأتي بالأحفاد ليضيئوا سماء الجد بالبهجة والسرور, ولكن لا سعادة تحققت, فلا حرية أثمرت, ولا كرامة تحققت. سرقت الثورة, وضاعت معها آمال المصريين في غد كله فرح وسعادة, وأطبقت الهموم مرة أخري علي حاضر الناس, وغامت الرؤية وسط رياح خماسين الفوضي الأمنية, وغرقت الأحلام في بحار آنانية الساسة, ومحيطات جشعهم للسلطة, وجاءت القرارات مرتعشة متعجلة تحت سياط الصراع المجنون بين معارضة مغرضة لا تعرف طريقا, ولا تقيم لمصالح الناس وزنا, وبين ضبابية الرؤية عند فريق لم يعرف حتي الآن أن مصر وطن للجميع, وأنه إذا لم تعد الفرحة والسعادة إلي وجه مصر, فغدا يثور بركان الحزن ثورة لن تبقي ولا تذر. رابط دائم :