كانت مصر معروفة منذ آلاف السنين بأن شعبها بشوش.. يعشق البسمة.. بل والضحكة المجلجلة التي تنبع من القلب.. وكانت النكتة المصرية تهز العروش وتنعش القلوب.. وكان الحاكم يتوجس خيفة إذا توقف شعبنا عن إطلاق النكات.. لأن الشعب ينفس عن نفسه، يعني يخفف بالونة الغضب، بإطلاق النكتة، فإذا توقف خاف الحاكم لأنه يري أن الشعب في هذه الحالة يفكر في شيء ما، يخطط لأمر ما.. وكان ذلك يقلق واحداً من أقوي حكام مصر هو جمال عبد الناصر.. وكان أول ما يعرض عليه يومياً «في بوسطة الصباح» هو تقرير النكتة.. وعندما اكتشف رجاله أن النكت انخفض عددها عمدوا إلي اختراع النكت ليكتبوا عنها تقريرهم.. ولا ينزعج الرئيس.. بل كل الحكام العرب كانوا يستمعون إلي النكت المصرية بشغف كبير، وأتذكر هنا أمير البحرين الراحل الشيخ عيسي بن خليفة - وكان من أكثر الحكام العرب حباً لمصر وعشقاً للمصريين - كان اذا جاءه زائر من مصر كان يقول له قبل أن يجلس.. إيه آخر نكتة.. إذا أعجبتني أجلستك.. واذا لم قلت لك: والسلام عليكم.. أي مع السلامة.. الآن هذا الشعب الذي حارب كل دكتاتور بهذه النكتة يقف عاجزاً وغير قادر علي الابتسامة.. هل لأن ما هو في مصر الآن هو الغم والهم فعلاً.. بل إنني لم أعد أضحك لكل رسوم الكاريكاتير المصرية التي تنشر هذه الأيام.. ورحم الله عصراً كانت الرسمة الواحدة تطرد النوم من عيني رئيس الحكومة.. رحم الله عبد السميع ورخا وصلاح جاهين.. حتي هذا الأرمني الذي عاش بيننا: صاروخان شرب من معين النكتة المصرية وغاص في أعماق الشخصية المصرية ليبدع ويخرج لنا رسوما دخلت التاريخ.. الآن - أيها السيدات والسادة - لم أعد أضحك.. بل أحاول وأنا امشي في الشوارع ان أتفرس في وجوه الناس عسي أن أضبط مصرياً واحداً - نعم واحداً - يتبسم.. فلا أجد، وأصبحت التكشيرة هي كل ما يغطي الوجوه.. وصارت علامة «111» هي الموجودة دلالة علي حالة الاكتئاب التي تسيطر علي كل المصريين.. ولكن لماذا يضحك المصري وكل ما يحيط به يجبره علي البكاء.. فالثورة سرقها من لا يستحق، والشهداء يتساقطون كل يوم في كل مدن مصر.. والأمن غائب.. والسلطة تحتاج إلي سلطة.. ثم إذا كان المثل يقول لنا «الناس علي دين ملوكهم» ولما كنا لا نجد مسئولاً واحداً يتبسم - رغم المثل المصري «النبي تبسم» كان هو دليلنا علي الحياة ومواجهة المشاكل والهموم.. نقول: لما لم يعد هناك مسئول واحد يتبسم الآن.. كيف نطالب الناس بأن يبتسموا.. أو يضحكوا.. بينما كبراء الحكم الآن لا يعرفون البسمة وكان الواحد منهم «قد» قلبه من حجر ونسوا القاعدة الكبري «بشروا ولا تنفروا» أو «الضحكة الحلوة تخلي الدنيا حلوة».. والبسمة تحل المشكلة. ونرجو ألا يري حكام اليوم في غياب البسمة دليلاً علي «الجدية» عند المصريين.. لان «القدر يغلي» وسوف ينفجر القدر في وجه من صنع هذه الحالة عند كل المصريين.. ومازالت النار مشتعلة تحت كل «قدور» المصريين.. وقبل أن تواصلوا مخططكم للاستيلاء علي كل مقاعد الحكم: عودوا إلي رشدكم، فما هذه الحالة عند كل المصريين إلا مقدمة للانفجار الوشيك.. ولكم في نظام حكم عبد الناصر الدرس والعبرة.. وأنتم تعرفون ما نظام عبد الناصر عندكم.. وروحوا منكم لله.. فقد صادرتم الضحكة عندما صادرتم كل الحريات بنظام السمع والطاعة.. اضحكوا يمكن ربنا يرضي عنكم!!