بعد ثورة25 يناير تحتاج مصر لإعادة النظر في الكثير من السياسات الزراعية بشكل خاص, وذلك من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من احتياجاتنا الغذائية والحد من الاستيراد الذي وصل إلي60% من استهلاكنا من السلع الغذائية, فمصر تعد أكبر مستورد للقمح حيث يبلغ حجم استيرادها11 مليون طن سنويا,مع الاعتماد علي الخارج في استيراد القطن قصير التيلة, كما أنها رابع أكبر مستورد للذرة وتستورد5,2 مليون طن سنويا, علاوة علي استيراد مايقرب من92% من زيوت الطعام,فضلا عن المنتجات البقولية مثل الفول الذي نستورد منه70% والعدس حيث يتم استيراده بالكامل..يؤثر هذا الوضع المؤسف علي ميزانية الدولة ويستنزف مواردنا المالية التي يجب تخصيصها للمشروعات الأكثر احتياجا لإحداث التنمية الشاملة,كما أنه يضعف من قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ويزيد من الضغط علي الاحتياطي النقدي الأجنبي..كل هذا من شأنه استمرار نزيف الاقتصاد المصري..من هنا توجهنا إلي خبراء الزراعة للوقوف علي أهم العقبات التي تواجه زيادة إنتاج المواد الغذائية وكيفية معالجتها لضمان تقريب الفجوة بين الانتاج والاستهلاك وبالتالي خفض حجم الاستيراد الذي بات ينهك قوي الاقتصاد المصري. وفي لمحة خطيرة عن زيادة حجم النفقات المتوقع أن تتحملها الدولة في استيراد المنتجات الغذائية خاصة بعد ارتفاع سعر الدولار, أوضح الدكتور نادر نور الدين أستاذ زراعة بجامعة القاهرة والخبير الزراعي فروق الأسعار الضخمة والتي تبلغ نحو625 مليون دولار زيادة في سعر الاستيراد من القمح أي بما يعادل4,385 مليار جنيه, بالإضافة إلي نحو300 مليون دولار فرق أسعار في استيراد الذرة أي2,1 مليار جنيه مصري كما أن فرق أسعار استيراد زيوت الطعام يبلغ أيضا نحو2,1 مليار جنيه مصري, بالاضافة إلي مليار جنيه فرق في أسعار السكر الذي نستورد منه1,5 مليون طن سنويا بسعر550 دولارا, فضلا عن فروق الأسعار في استيراد الفول والعدس واللحوم والزبدة الصفراء والألبان المجففة لنجد أن هناك فرقا في الأسعار في القطاع الزراعي فقط يقترب من عشرة مليارات جنيه مصري ندفعها صاغرين للفلاح الأجنبي كفرق أسعار. وأكد أنه لاسبيل للخروج من بوتقة الاستيراد بالأسعار الجنونية التي ستعود بالخسائر الفادحة علي ميزانية الدولة سوي بزيادة الإنتاج من خلال استخدام التقاوي عالية الإنتاجية من الفول والعدس ودوار الشمس وفول الصويا والذرة الصفراء والقمح, مع تطوير الأصناف البلدية التي تدهورت كثيرا وتسببت في إقلاع المزارعين عن زراعة هذه الحاصلات, وذلك من خلال تفعيل دور الأبحاث العلمية المخصصة لاستنباط تقاوي عالية الإنتاجية, التي من شأنها مضاعفة الإنتاج بما يقلل الفجوة ويغني عن الاستيراد, ويساهم في دعم الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية. ومن جانبه قال دكتور إبراهيم غانم مدير معهد بحوث الاقتصاد الزراعي السابق إنه يتعين علي الدولة أن تعيد النظر في دورها تجاه دعم الفلاح المصري من خلال تفعيل دور بنك التنمية والائتمان الزراعي الذي تخلي عن دوره الرئيسي في توفير مستلزمات الفلاحين من الأسمدة والتقاوي والمبيدات والمعدات الزراعية من خلال فروعه المنتشرة في ربوع مصر بقروض مقدمة تخصم قيمتها من قيمة المحصول الذي يتسلمه البنك من الفلاح بعد الحصاد, لافتا إلي أن البنك أصبح بنكا تجاريا لا شأن له بدعم الفلاح المصري. وأضاف: كما يتعين علي الدولة توفير الاستثمارات اللازمة للمشروعات الزراعية, والتي انخفضت قيمتها الي7 مليارات جنيه في الخطة الحالية لوزارة الزراعة, أي تقدر بنسبة3% فقط من الاستثمارات القومية, والتي يفترض توجيهها للتوسع الأفقي لمواجهة الزيادة السكانية, إلي جانب التوسع الرأسي من حيث توفير أصناف مرتفعة الجودة,بشرط الالتزام بتنفيذها. ولفت إلي أهمية مراجعة السياسة التسويقية لتقليل حجم الفاقد من المنتج الزراعي الذي يساهم في إهدار كميات ضخمة من المحاصيل الزراعية والحبوب, وذلك من خلال توفير صوامع جيدة للتخزين, لافتا إلي أن نسبة الفاقد من محصول القمح قد وصلت إلي1,7 مليون طن سنويا, كما أنه لابد من إنشاء هيئة للحفاظ علي أسعار المنتجات الزراعية, بما يضمن حدا أدني للأسعار لتحقيق دخل مجز للفلاح المصري وتشجيعه علي الاستمرار في زراعة مختلف المحاصيل وعدم هجر محاصيل بعينها بسبب انخفاض أسعارها. فيما أشار محمد عبد القادر نقيب الفلاحين إلي أن الفلاح المصري بات يفرط في أرضه بعد توالي العديد من الأزمات التي لم يجد لها مخرجا,بداية من تطبيق قانون المالك والمستأجر مما نتج عنه ارتفاع لسعر تأجير الأرض الزراعية ليصل لأكثر من6500 جنيه مصري للفدان الواحد بالإضافة إلي ارتفاع أسعار التقاوي والمبيدات الحشرية وزيادة التكلفة الخاصة بتأجير الآلات والمعدات الزراعية ذلك نتيجة لزيادة أسعار السولار, وصولا الي أزمة الأسمدة ومدي توافرها في السوق بالكميات والأسعار المناسبة للفلاحين وأوضح وليد هلال رئيس مجلس إدارة تصدير الكيماويات أن أزمة ارتفاع أسعار السماد هي أزمة تتكرر كل عام خاصة قبل بداية الموسم الصيفي وهو موسم تسميد الأرض,لذلك فإن الحل يكمن في وضع استراتيجية تستهدف تخزين الأسمدة قبل موسم زيادة الطلب عليها بثلاثة أشهر, حتي يتسني لنا الوفاء باحتياجات الفلاحين, مع مراعاة عدم تصدير الأسمدة إلي الخارج إلا بعد الوفاء باحتياجات السوق المحلية. وفي السياق ذاته أكدت الدكتورة إيمان محمد أستاذة الاقتصاد بكلية زراعة عين شمس ضرورة ربط الزراعة بالصناعة, لضمان تسويق الفلاح للمنتجات الزراعية وبأسعار مناسبة من جهة, وفي الوقت ذاته تشجيع صناعة الميكنة الزراعية التي يتطلبها قطاع الزراعة وتؤدي إلي خفض تكاليف الانتاج من جهة أخري, مشيرة إلي أن أحد أهم المعوقات التي تواجه الزراعة هو أنها تعمل بمعزل عن القطاعات الأخري. ولفتت إلي أهمية استعادة دور الإرشاد الزراعي, بواسطة الارتقاء بمستوي التعليم العملي لخريجي كلية زراعة والمعاهد الثانوية والفنية الزراعية, علي أن يتم توفير معامل لهم داخل الحقول وذلك لمواجهة أزمة نقص الخبرات في مجال الزراعة والتي يعتمد عليها الفلاح بصفة أساسية في تحقيق أقصي استفادة من الأرض الزراعية. وعلي صعيد التشريعات الزراعية أكد المهندس خالد أبو شناف الصبيحي خبير بوزارة العدل ضرورة سن قوانين عاجلة لوقف سلسلة التعديات علي الأراضي الزراعية وإزالة المنشآت والأسوار المبنية دون وجه حق, علي أن يتضمن القانون إمكانية التسامح بدفع غرامة مالية بحد أدني500 جنيه للمتر علي أن تكون قابلة للزيادة بحسب موقع الأرض ومدي خصوبتها, وذلك إذا ما كانت عملية الإزالة ستؤثر علي الثروة العقارية للمنشآت. وأضاف أن توجيه هذه الموارد المالية للخزانة العامة للدولة سيسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد المصري من خلال استكمال المشروعات المتوقفة مثل مشروع توشكي وترعة السلام وترعة الحمام, فضلا عن استصلاح مساحات إضافية في الصحراء. وأشار إلي وجود بعض التشريعات المجرمة للتعدي علي الأراضي الزراعية إلا أنها لا تفعل بالشكل المناسب, حيث يتم الاكتفاء في العديد من الحالات بفرض غرامات طفيفة لا تعادل حجم الخسائر التي تسببها التعديات الزراعية رابط دائم :