مستشفى 15 مايو التخصصي ينظم ورشة تدريبية فى جراحة الأوعية الدموية    اليوم، رئيس كوريا الجنوبية يلتقي السيسي ويلقي كلمة بجامعة القاهرة    تحذير عاجل من الأرصاد| شبورة كثيفة.. تعليمات القيادة الآمنة    رشا عدلي: أشعر بالفخر لكتابة رواية شغف.. ونجاحها إنصاف لزينب البكري    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نادر نور الدين : الدولة تهدر 2.6 مليون فدان فى زراعة البطيخ والكنتالوب واللب والسودانى
نشر في المصريون يوم 23 - 09 - 2012

الدكتور نادر نور الدين خبير بورصات الغذاء والحبوب العالمية وأستاذ الأراضى والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة ل"المصريون":
مبارك التزم بسياسة خطيرة لتطفيش المزارعين من أراضيهم لتمكين رجال الأعمال وجعل من مصر دولة مهددة بالمجاعة بعد 20 سنة
تحرير الزراعة وإلغاء الدورة الزراعية قدمنا فريسة لمجرمى بورصة القمح والذرة... والدولة تهدر 2.6 مليون فدان فى زراعة البطيخ والكنتالوب والخيار واللب والسودانى
النظام السابق ادعى أن الزراعة لا تشارك فى الاقتصاد المصرى إلا ب 17% ولا يعمل فيها إلا 30% من القوى العاملة حتى يسرق الأرض
رفع الدعم عن التقاوى الزراعية أدى إلى ارتفاع البذور إلى خمس أضعاف.. و90% من المبيدات الزراعية المتداولة فى مصر إما مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو محرمة دوليًا
الإسرائيليون والأمريكان ضغطوا على "والى" لإلغاء الدورة الزراعية لتموت الأرض ويبيعون لنا الطعام.. والغرب فرض علينا تحرير الزراعة حتى لا نتوسع فى زراعة القمح والقطن
المصرى أصبح يعيش الوجه الجديد من الجوع مع ارتفاع الأسعار.. ونحتاج إلى إستراتيجية متكاملة لزراعة 2 مليون فدان فى السودان ودول حوض النيل لتحقيق الاكتفاء الذاتى
مبارك أنفق 12 مليار جنيه على مشروع توشكى الفاشل لتخليد اسمه.. وترك620 ألف فدان فى سيناء تحتاج إلى أقل من مليار جنيه لتحقيق الاكتفاء الذاتى لمصر من المحاصيل
ثلاث هيئات انتهت من مخطط لتوطين 3 ملايين مصرى ب29 قرية بسيناء.. والمجالس المتخصصة اشترطت توطين من سبق لهم الالتحاق بالجيش لحل مشكلة الأمن والغذاء
أكد الدكتور نادر نور الدين، خبير بورصات الغذاء والحبوب العالمية وأستاذ الأراضى والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، أن نظام الرئيس المخلوع التزم بسياسة خطيرة لتطفيش المزارعين من أراضيهم لتمكين رجال الأعمال واستغلال الفلاح المصرى وإفقاره، موضحًا أن هذه السياسة جعلت من مصر دولة مهددة بالمجاعة بعد 20 سنة.
وقال نور الدين فى حواره مع "المصريون" إن الإسرائيليين والأمريكان ضغطوا على وزير الزراعة الأسبق "يوسف والى" لإلغاء الدورة الزراعية لتموت الأرض المصرية ويبيعون لنا طعامهم، مشيرًا إلى أن الغرب فرض على مصر تحرير الزراعة حتى لا تتوسع فى زراعة القمح والقطن وتنازعها فى البورصات العالمية.
وإلى نص الحوار
** فى البداية.. كيف ترى الزراعة فى عهد الرئيس السابق؟
فى حقيقة النظام السابق تعمد تهميش دور الزراعة المصرية، وسمح لرجال الأعمال بشراء الأراضى الزراعية والبناء عليها، وجعلهم يصلون إلى كرسى الوزارة فى الحكومة من خلال أمين أباظة، الذى كان الأكثر خطورة على الزراعة المصرية، فهو الذى قال إن بناء مصنع على الأراضى الزراعية أفضل وأفيد من الزراعة، وهو الذى وصف زراعات القطن فى مصر بأنها أصبحت مثل الطربوش انتهى زمنها، وفى عهده تم رفع الدعم عن جميع مستلزمات الزراعة، وعلى رأسها الأسمدة التى تضاعف ثمنها من 30 جنيهًا للشيكارة إلى 75 جنيهًا وبيعت فى السوق السوداء بمائتى جنيه، على الرغم من أن قطاع الزراعة هو القطاع الأفقر فى مصر، وبالتالى كان يجب أن يكون آخر قطاع يرفع الدعم عنه، ولكنها كانت سياسة لتطفيش المزارعين من أراضيهم وتمكين رجال الأعمال منهم ومن حاصلاتهم بأسعار بخسة.
** وما هى مظاهر تهميش الزراعة المصرية فى عهده؟
إظهاره بأنه لا يشارك فى الدخل القومى إلا بنسبة 17% فقط على الرغم من أنه يستهلك 80% من المياه العذبة فى مصر، وادعى أنه إذا تم استغلال هذه المياه فى الصناعة أو السياحة لتضاعف دخل مصر عدة مرات بلا زراعة وبلا أمن غذائى بسياسة "شراء العبد ولا تربيته"، كما أكد أن القطاع الزراعى لا يشارك فى العمالة إلا بنسبة 30% فقط من إجمالى القوى العاملة فى مصر.
** وهل هذا صحيح؟
هذا الأمر غير صحيح بالمرة.. لأنه تم انتزاع جميع منتجات الزراعة ونسبها إلى قطاع التجارة والصناعة، وبدون المنتجات الزراعية لا تقام ولا تصح، ومع ذلك انتزعت من الزراعة لتعمد تهميش دورها، وبالتالى فإن قطاع الزراعة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر يساهم فى الدخل القومى ونسبة العمالة لا تقل عن 60%.
** معنى ذلك أنه تعمد رفع الدعم عن التقاوى الزراعية؟
هذا صحيح.. فارتفاع أسعار التقاوى الزراعية والاعتماد على المستورد والتى يحقق منها مستوردوها أرباحًا تتجاوز خمس أضعاف ثمن شرائها، وحتى تقاوى القمح المصرية المعتمدة أصبحت الدولة تحقق من بيعها أرباحًا فى زمن رفع الدعم عن الفقراء.
** وماذا عن المبيدات؟
هناك أكثر من 90% من المبيدات المتداولة فى مصر إما مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو مهربة وخطيرة ومحرم استخدامها فى مختلف دول العالم.
** لكن البعض يؤيد رفع الدعم عن كاهل الدولة حتى تستطيع أن تنهض من كبوتها الاقتصادية؟
يجب أن تعلمى أن دعم الدول النامية - والتى تستورد جزءًا كبيرًا من غذائها من الخارج- لأسعار الأسمدة يعود بالفائدة على الدولة أولاً ثم على المزارع ثانيًا، فعند ارتفاع أسعار الأسمدة بشكل يعجز المزارعين على شرائها أو بيعها فى الأسواق السوداء، فإن الفلاح الفقير قد يضطر إلى إضافة نصف كميات الأسمدة فقط الموصى بها بسبب ارتفاع أسعارها مما يؤدى إلى انخفاض المحصول بنسبة 30%، وإذا استغنى الفلاح عن الأسمدة فإن محصوله سوف يقل بنسبة 50%، وبالتالى تزيد واردات مصر من الغذاء.
** معنى هذا أن دعم الفلاح ضرورة إستراتيجية؟
بالطبع.. فمصر والعالم يعيشان أزمة غذاء لم تحدث من قبل، وهناك مناطق تعرضت للجفاف فى أمريكا وروسيا وأوكرانيا، ودمرت محاصيل الذرة وفول الصويا والقمح فى روسيا وأوكرانيا وارتفعت أسعارها فى البورصات العالمية للحبوب، وهذا سيؤدى إلى مجاعات فى الدول التى لم تهتم بالزراعة.
** ألا تعتقد أن إلغاء الدورة الزراعية من أهم مشاكل قطاع الزراعة والتى خلفها لنا النظام السابق؟
أتفق معك.. فنسبة ملاك الأراضى الزراعية فى مصر لمساحات تقل عن فدان تبلغ 50% من مجموع الملاك، ونسبة من يمتلكون ثلاثة أفدنة أو أقل تصل إلى 70%، وتصل فى أراضى الصعيد إلى 90%، والدولة كانت تتغلب عن مشكلة تفتيت الملكية الزراعية بتطبيق الدورة الزراعية لتجميع زراعات كل قرية حتى لا ترتفع تكاليف الزراعة وتهدر مساحات كبيرة فى المساقى والمراوى وتسويق المحصول الناتج، لأن تسويق المساحات الصغيرة يتسبب فى استغلال التجار للمزارعين بينما يتحكم أصحاب الملكيات الكبيرة فى فرض أسعارهم على التجار، كما أن الدورة الزراعية كانت تحافظ على خصوبة التربة من التدهور وتفشى الأمراض مثل العفن البنى فى البطاطس وفى البصل والتى تتسبب فى منع تصديرها للخارج، وكذلك النيماتودا فى الطماطم، بزراعة محصول مقاوم للإصابة بمرض معين عقب محصول يصاب بشدة بالمرض فلا يتوطن المرض فى التربة، ومحصول مستنزف للمياه بعد محصول قليل الاحتياجات للمياه فتمنع زيادة تملح التربة وبوارها بسبب تراكم الأملاح.
** ما الأسباب الحقيقية وراء إلغاء الدورة الزراعية بمصر؟
للأسف قام الإسرائيليون والأمريكان بالضغط على يوسف والى عقب صدور قانون تحرير التجارة العالمية عام 1993، لإلغاء الدورة الزراعية وتحرير الزراعة وحرية المزارع فى أن يزرع ما يشاء من الحاصلات الحقلية أو الخضراوات أو الفاكهة على الرغم من أن تحرير التجارة ليس له شأن أبدًا بتحرير الزراعة، وإلغاء الدورة الزراعية والتى تلتزم بها الدول الأوروبية المتقدمة، كما أن قانون تحرير التجارة العالمية أعطى خصوصية لكل دولة لكى تحافظ على منتجها الوطنى.
** وما هى سلبيات تحرير الزراعة؟
يكفى أنه حرمنا من التوسع فى زراعة القمح والقطن للتحكم فى بورصاته العالمية، وبما أن الدولة فقدت السيطرة على المزارع أقبل الجميع على زراعة اللب والسودانى طمعًا فى السعر المرتفع، وعندما زاد سعره هرب المزارعون إلى البطيخ والكنتالوب والطماطم والبصل والبطاطس، وترين كيف انهارت أسعارهم أيضًا وأصبح سعر الكجم منها فى الحقل لا يزيد على 25 قرشاً مسببًا خسائر فادحة للفلاح.
** وهذا أدى إلى زيادة الفجوة الغذائية؟
بالطبع.. فتحرير الزراعة وإلغاء الدورة الزراعية أيضًا ساهم فى زيادة فجوتنا الغذائية فى القمح وزيوت الطعام والفول والعدس والذرة واللحوم والسكر وكل الزراعات الإستراتيجية، وأصبحنا فريسة لمجرمى البورصات العالمية ومضاربى البورصة بما كلفنا مبالغ طائلة بسبب ارتفاع أسعار القمح والذرة والفول والعدس.
** رغم أننا كنا من الدول المصدرة للفول والعدس؟
كانت مصر واحدة من أكبر ثلاث دول فى العالم فى زراعة وتصدير الفول والعدس وأصبحنا الآن نستوردها بسبب تهميش دور القطاع الزراعى وتحرير الزراعة وإلغاء الدورة الزراعية.
** خبراء الغذاء والزراعة يؤكدون أننا معرضون لثورة جياع إذا لم نعد لتطبيق نظام الدورة الزراعية؟
هذا صحيح.. والدليل على ذلك أنه عندما ارتفعت أسعار القمح فى أزمة الغذاء العالمية فى عام 2008 تكلفت الدولة 8 مليارات جنيه فروق أسعار فى القمح العالمى، فاضطرت إلى السحب من مخصصات التنمية وتطوير الريف والصحة والتعليم وغيرها للطعام خوفًا من ثورات للجائعين.
** لكن فى الدول المتقدمة لا يوجد نظام الدورة الزراعية ومع ذلك لديهم فائض فى المحاصيل؟
هذا ما يوضحه تقرير منظمة الأغذية والزراعة لعام 2010، والذى أشار إلى أن 80% من الزيادة فى إنتاج الغذاء فى الدول النامية يمكن أن تأتى من الملكيات الصغيرة والمفتتة لأنهم الأفقر ولأن أصحاب الملكيات الكبيرة فى الدول المتقدمة يطبقون فعلاً التقنيات الحديثة فى الزراعة، ويضيفون الكميات الموصى بها من الأسمدة، وفى مصر فإن 90% مثلاً من اللحوم البلدية تأتى من المزارع الصغيرة لصغار الفلاحين وليس من مزارع التربية الكبيرة.
** هل نحن قادرون على سد الفجوة الغذائية فى هذه الحاصلات؟
نعم نحن قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل من خمس من هذه السلع الإستراتيجية وفورًا وقادرون أيضًا على تحقيق أمن غذائي مرتفع بنسبة 80% فى الاثنين الباقيين.
** وكيف؟
مصر تمتلك رسميًا نحو 8.6 مليون فدان يزرع منها 2 مليون فدان بالحاصلات المستديمة مثل بساتين الفاكهة وقصب السكر والخضراوات التى تنزل الأسواق يوميًا لاحتياجات المطبخ لعامة الشعب، وبالتالى يتبقى للحاصلات الإستراتيجية نحو 6.6 مليون فدان، وفى الموسم الصيفى الذى نعانى من فجوة غذائية فيه فى الذرة وزيوت الطعام نجد أن ما يزرع حاليا فيه 2 مليون فدان للذرة والدراوة كعلف أخضر للمواشى فى الصيف، ومن 1.1 إلى 1.5 مليون فدان للأرز، وحاليا لا تزيد زراعات القطن على 300 ألف فدان فقط بعدما تسبب أمين أباظة ثم محمد رضا إسماعيل الوزير السابق للزراعة فى خسائر كبيرة لمزارعيه، هذه المساحات مجموعها لا يصل إلى 4 ملايين فدان فقط، وبالتالى نحن نهدر 2.6 مليون فدان على الأقل إما فى زراعة الخضراوات والبطيخ والكنتالوب والخيار واللب والسودانى بكميات تفوق ضعف احتياجاتنا منها أو أحيانا يترك المزارعون الأرض بورا دون زراعة بسبب الخسائر التى يتكبدها الفلاح فى الموسم الصيفى.
** هذه الإستراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتى تناولتها فى كتابك الأخير الإنتاج العالمى من الحاصلات الإستراتيجية والمحورة وراثيا؟
صحيح.. فقد وضعت تخطيطًا علميًا مدروسًا وأجريت عليه أبحاثا لمدة ثلاث سنوات تضمنها كتابى الأخير، وبالفعل يمكننا تحقيق الاكتفاء الذاتى من الذرة بزراعة 1.5 مليون فدان إضافية بالذرة من المساحة المتبقية السابق توضيحها، بينما يحتاج تحقيق الاكتفاء الذاتى من زيوت الطعام إلى زراعة 750 ألف فدان فقط بفول الصويا وعباد الشمس وبذلك نكون حققنا الاكتفاء الذاتى الكامل منهما وهربنا من استخدامهما فى إنتاج الوقود الحيوى والارتفاع الدورى فى أسعارهما.
** وماذا عن محاصيل الموسم الشتوى؟
فى الموسم الشتوى يمكننا أيضًا تحقيق الاكتفاء الذاتى الفورى من العدس بزراعة مساحة 85 ألف فدان فقط من التقاوى البلدية ونصف هذه المساحة لو استخدمنا التقاوى عالية الإنتاجية التى تُزرع فى إسبانيا والأرجنتين وسوريا أى 40 ألف فدان فقط لتوفير هذه السلعة الشعبية لفقرائنا، والفول أيضا فى الموسم الشتوى يمكن تحقيق الإكتفاء الذاتى الكامل منه بزراعة مساحة 450 ألف فدان فقط من التقاوى البلدية ضعيفة الإنتاجية أو ربع مليون فدان فقط من التقاوى عالية الإنتاج التى تزرع فى إنجلترا والصين وإيطاليا، هذه المساحات الصغيرة متوفرة تمامًا فى الموسم الشتوى إلى جوار زراعات القمح والبرسيم والتى تشغل معا نحو 6 ملايين فدان فى الموسم الشتوي.
** وماذا عن السكر؟
لتحقيق الاكتفاء الذاتى من السكر سنحتاج إلى زراعة 90 ألف فدان بقصب السكر أو 220 ألف فدان ببنجر السكر الأقل استهلاكا للمياه لأن فدان القصب يعطى 2.25 ضعف فدان البنجر من السكر، هذه المساحة متوفرة خارج أراضى الوادى والدلتا فى الجزء الأول من زمام ترعة السلام غرب قناة السويس فى المساحة جنوب بورسعيد وجنوب بحيرة المنزلة، والتى انتهى استصلاحها، وميزة زراعة بنجر السكر فى هذه المساحة أنه محصول متحمل جدا لارتفاع تركيز الأملاح فى هذه المنطقة ويعطى محصولا اقتصاديا مربحا بالإضافة إلى وجود مصنعين لسكر البنجر قريبين من المنطقة فى الإسماعيلية والشرقية، وبالتالى نستطيع أيضا تحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل منه.
** يبقى لدينا المشكلة الحقيقية فى مصر وهى القمح؟
القمح مشكلته أن المنافس الأول له هو محصول البرسيم الأعلى ربحية والذى يفضله الفلاح من أجل مواشيه وبسبب أيضا أن تجار اللحوم والمواشى يدفعون للفلاح مقدمات نقدية للزراعة قبل زراعته ويوفرون سيولة مالية للفلاح فى بداية الموسم بالإضافة إلى تقلب أسعار القمح كل عام بسبب أسعاره فى البورصات العالمية، ومصر تزرع حاليًا نحو 2.5 مليون فدان بالقمح مقابل 3.5 مليون فدان بالبرسيم والمطلوب العكس أن يكون القمح بمساحة 3.5 مليون فدان وأن يصاحب ذلك تخفيض زراعات الخضراوات والفاكهة الشتوية التى تدهورت أسعارها لإحلال جزء منها بالقمح مع التوسع فى زراعاته فى شرق العوينات وباقى مشروع ترعة السلام داخل أراضى سيناء، والتى تبلغ 400 ألف فدان يمكن زراعة نصفها بالقمح، هذه الأمور تصل باكتفائنا الذاتى من القمح إلى 80% بدلا من النسبة الحالية التى لا تتجاوز 30% كما سبق.
** إذا قمنا بتنفيذ هذه الخطة الزراعية فلن تحدث ثورة الجياع؟
هذا غير صحيح.. إذا لم نقم بزيادة مساحات الزراعة داخليًا وخارجيًا فيمكن أن تقوم فى مصر فعلاً أزمة جياع فى عام 2030 أو 2050 بسبب تكرار ارتفاع أسعار الغذاء العالمى.
** وما الحل ؟
الاتجاه إلى خارج الحدود والزراعة فى الأراضى البكر فى السودان ودول حوض النيل فنجن نحتاج إلى مساحة تصل إلى 2 مليون فدان لتحقيق مستقبل الأمن الغذائى للأجيال القادمة، نتيجة للزيادة المرتقبة فى عدد السكان والذى سيصل إلى 129 مليون نسمة عام 2050، لابد أن نعرف كيف سنوفر الغذاء لهذه الزيادات من الآن حيث يحسب العالم من الآن مستقبل الأمن الغذائى العالمى فى عام 2050 بينما هذا الأمر غير مطروح فى مصر ولو حتى لمستقبل الأمن الغذائى غدا، ولا بد أيضا من تحقيق تنمية تتسبب فى زيادة كبيرة فى دخل المواطن المصرى تمكنه من شراء الغذاء دون معاناة وحتى لا يقع فى تعريف الأمم المتحدة "الوجه الجديد للجوع"، والذى يعنى توافر الغذاء فى الأسواق ولكن بأسعار أعلى من قدرات عامة الشعب وبالتالى يستوى وجوده من عدمه لعدم قدرة الفقراء فى الحصول عليه.
** هذا معناه أننا لا نخطط للمستقبل؟
التخطيط للمستقبل غائب تمامًا عن مصر فى جميع المجالات وأهمها مستقبل الأمن الغذائى ومستقبل أمن الطاقة والتى حسمها العالم فعلاً بينما نحن ننعم فى ظلمات الجهل العلمي.
** بمناسبة الأحداث فى سيناء هل ترى أهمية تعمير سيناء والانتهاء من مشروع ترعة السلام؟
مشروع ترعة السلام هو المشروع الوحيد فى العالم الذى استغرق الانتهاء منه أكثر من 32 عامًا حتى تم وضع حجر أساسه والتخطيط له فى عهد الرئيس السادات، واسم المشروع الرسمى "المشروع القومى لتنمية شمال سيناء"، ويتضمن إنشاء ترعة شمال سيناء بجزئيها السلام غرب قناة السويس والشيخ جابر داخل سيناء والتى تأخذ ماءها من فرع دمياط أمام سد فارسكور بزمام كلى 620 ألف فدان منها 400 ألف فدان داخل أراضى شمال سيناء، و220 ألف فدان جنوب بورسعيد وبحيرة المنزلة وسهل الحسينية وبحر البقر، نستطيع أن نقول إنه انتهى العمل من إنشاء الترعة والبنية الأساسية لاستصلاح أراضى المشروع داخل سيناء بنسبة 80% حيث وصلت الترعة إلى منطقة تسمى "السر والقوارير" قرب سهل ووادى العريش وهى منطقة كثبان رملية متحركة ينبغى أن تعبرها الترعة عبر مواسير ثم تستكمل ترعتها المفتوحة حتى وادى العريش.
** فلماذا لم يتم الانتهاء منها...؟
مقاطعاً.. النظام السابق تعمد سحب الاعتمادات المخصصة لمشروع ترعة السلام دوريا وتخصيصها لمشروع توشكى، الذى كان مبارك يظن أنه سيخلد اسمه حتى أنفق على توشكى نحو 12 مليار جنيه مصري دون عائد لاستصلاح 540 ألف فدان فقط، فى حين تركنا 620 ألف فدان فى سيناء تحتاج إلى أقل من مليار جنيه فقط للانتهاء منها تمامًا بالإضافة إلى المناخ البارد والممطر فى شمال سيناء الذى لا يستهلك الكثير من المياه بعكس مناخ توشكى الحار الذى يستهلك ضعف كميات المياه التى يستهلكها نفس المحصول عند زراعته فى شمال سيناء مع صلاحية سيناء لزراعة جميع الحاصلات الإستراتيجية مقابل توشكى الذى يتطلب زراعة الحاصلات المتحملة للحرارة والجفاف فقط.
** ولكن مازال لدينا فرصة لتعمير سيناء مره أخرى؟
بالطبع.. فهناك مخطط كامل فى هيئة المجتمعات العمرانية وفى محافظة شمال سيناء ووزارة الزراعة ووزارة الرى لإنشاء نحو 29 قرية متكاملة لتوطين نحو 3 ملايين مواطن هناك محسوبة على أساس أن الفدان يتطلب نحو 5 أفراد لزراعته وحصاده وخدمته ونحو عاملين فى العمل غير المباشر للخدمات التى تقام حول المشروع مثل ورش الميكانيكا الجرارات وسيارات نقل المحصول ونقل العمال ومحال بيع الأسمدة والتقاوى والمبيدات والحبوب الجافة، وتضم القرى المخطط لإنشائها مستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس ودورا للثقافة ومصانع للتصنيع الزراعى وأقسامًا للشرطة وملاعب للرياضة وغيرها الكثير لإنشاء مجتمعات متكاملة.
** هل هناك شروط لتملك هذه الأراضي؟
وضعنا فى المجالس المتخصصة دراسات تراعى موقف أراضى شمال سيناء الأمنى والحدودي، حيث اقترحنا توزيع كمية كبيرة من الأراضى على الشباب الذى انتهت خدمتهم العسكرية والمسرحين من القوات المسلحة ليكونوا قادرين على حمل السلاح وقت اللزوم وقادرين على رصد الإرهاب ومقاومته، وهو نفس ما تفعله إسرائيل فى مستوطناتها الزراعية التى توزع على الشباب القادر على حمل السلاح ليكونوا مزارعين وحارسين للحدود والأمن ومقاتلين وقت الاحتياج إليهم.
** وبذلك سنحقق الاكتفاء الذاتى..؟
أراضى سيناء يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل لمصر فى الفول والعدس، خاصة أن هناك صنفًا مصريًا جديدًا من العدس يسمى "سيناء1" مستنبط خصيصًا ليناسب أراضى وأجواء سيناء، كما أن المناخ فيها مناسب لزراعة القمح فى نصف زمام المشروع والبذور الزيتية وجميع الحاصلات لاستغلال ما يسقط عليها من أمطار غزيرة فى فصل الشتاء لإنتاج حاصلات جيدة وغسيل التربة دوريًا من الملوثات والأملاح.
**وماذا عن السيناوية؟
توطين 3 ملايين فلاح مصرى سيؤدى إلى ذوبان بدو سيناء فى المجتمع الزراعى الجديد ويتحولون إلى أفراد منتجين ومالكين لبعض أراضى المشروع، وبالتالى يوفر فرص معيشية جيدة لسكان سيناء يبعدهم عن أى أعمال أخرى كما يمنع أيضا الحركات الإرهابية والتهريب عبر الحدود والأنفاق وتعود سيناء مدينة مزدحمة يخشاها الكثير، فلا يمكن لمصر أن تترك 66 ألف كم2 التى تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل دون استغلال، وبالتالى تكون نهبًا وطمعًا للآخرين، وكذلك مجالاً خصبًا للإرهاب لانعدام الأمن والحراسة والعيون المصرية الساهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.