كنت اتخيل أن مؤسسة الرئاسة تدعو للحوار الوطني وتضع عقبات إفشاله قبل إنجاحه, ونسفه قبل أن يثمر عن أي صورة من الاتفاق, وأن تتابع جلساته ما هو إلا خطة لتفويت الفرصة علي الخصوم حتي يقال إن الرئاسة دعت ووعدت ثم أوفت فتحاورت في السر والعلن حتي كشف المرشد عن سبب الفشل فإذا هو عدم الالتزام بآدابه. فضيلة المرشد جزاه الله عنا وعن مصر خيرا وضع يده علي بيت الداء فهو يكاد يقول في رسالته الأسبوعية إن الجميع بمن فيهم الرئيس- تسببوا في إفشال الحوار الوطني وأضاعوا علي مصر نعمة جمع الشمل وتوحيد الصف وانهم بحالتهم هذه لن يصلوا إلي الغاية ولن يستردوا السيادة بعد أن ضيعوا البلاد وشغلوا العباد وأوقعوا الفرقة والخصومة والعداوة فيما بينهم. و يكاد يقول إن الرئاسة وكأنه لا يعرف الرئيس- والقوي السياسية أحزابا وأفرادا وكأنه لا يتابع حواراتهم- يضيعون فرصة الاتفاق لا لشيء إلا لأنهم يصادمون نواميس الكون الغلابة, ولا يستثمرون سنة الاختلاف في تلاقح الأفكار, وفض النزاعات, والتعرف علي الرؤي المختلفة.. فعلا وضع المرشد علي سبب أزمتنا في تلاقح الأفكار وما أدراك ما تلاقح الأفكار؟ علي طريقة الرئيس مرسي في رائعته الخالدة: الستينات وما أدراك ما الستينات ؟ ويري أنه لا اتفاق إلا بالاعتراف بحق الفرد في الاختلاف ويستنجد بالتاريخ ليؤكد ما يقوله مسترشدا بصلح الحديبية الذي يراه الأكثر شبها بالحالة المصرية, وهي نفس الطريقة التي تصيبنا بالجنون ليس من فضيلة المرشد فحسب وإنما من غالبية سياسيي التيار الإسلامي الذين يتوقف بهم التاريخ عند فتح مكة وبطولات بدر ونضال حطين وسقوط الأندلس. المهم أن فضيلة المرشد يكاد يقر ويعترف بفشل مؤسسة الرئاسة والمعارضة والحكومة في الحوار لأن الجميع لم يلتزم بآداب الحوار, ولكن ما هي أداب المرشد لإنجاح الحوار؟ ويأتي الرد مختصرا ومفيدا بأنها: إخلاص النية والتجرد من الهوي, وعدم التشكيك في النوايا وأن نكون علي تقوي, وأن نتحلي بالصبر, والإنصاف مع المخالف ونذكر أصول المناقشة في الاستئذان والهدوء والإيجاز, وعدم المقاطعة, وترك الجدل في الجزئيات وطول التفكير والأناة, ووزن الأقوال, وأن نعرض رأينا بأدلته دون التعرض للأشخاص والاعتراف بحق الآخر في الاختلاف, و البعد عن الجدل, وأن نحدد المتفق عليه ونبادر بتنفيذه وتحويله إلي واقع ونبذ كل أشكال العنف وأن تترفع الأطراف المختلفة عن الشائعات أو اتهام الآخرين بالكذب والزور والبهتان. ولست ضد المرشد فيما يقول ولا ضد الرئيس فيما يفعل ولا أخالف الجماعة فيما تؤمن ولا مع جبهة الإنقاذ فيما تقاطع ولا أرفض أسلوب باكينام الشرقاوي ولكن الجنون يكاد يصيبني لأن الإخوان رئيسا وحكومة وجماعة وحزبا يبدون وكأنهم لا يلتزمون بآداب فضيلة المرشد ولن ينفذوها!! [email protected]