رئيس وزراء صربيا يزور دير سانت كاترين بجنوب سيناء    البابا لاوُن الرابع عشر: حرية الصحافة هي خير عام لا يمكن التخلّي عنه    عاجل - إسرائيل تهاجم جنوب غربي إيران.. وانفجارات في الأهواز    وزارة الصحة الإيرانية: أكثر من 400 قتيل منذ بداية الحرب مع إسرائيل    إجلاء 256 طالبا هنديا آخرين من إيران    الصين: وصول أول رحلة تقل مواطنين صينيين من إيران    هذا اللاعب سينضم إلى باريس سان جيرمان في كأس العالم للأندية    «الهروب من العذاب»..ربة منزل تقفز من الطابق الأول بطفلتها بمركز دار السلام بسوهاج    انقلاب ميكروباص ببورسعيد وإصابة 10 أشخاص    ماجدة الرومي تطرح أغنية بلا ولا أي كلام    ضمن المسرح التوعوي.. بدء عرض "ميتافيرس" بقصر ثقافة الزقازيق الثلاثاء المقبل    استجابة لرغبة جمهوره.. حسام حبيب يطرح نسخة معدلة من أغنية سيبتك    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    "100 مليون شيكل" للترميم والبناء.. "الملاجئ " تُرهق ميزانية إسرائيل وسط توترات الشرق الاوسط    وزير العمل: الوزارة توفر فرص عمل للشباب في السوق الأوروبي.. وتسعى لدمج ذوي الهمم    الأهلي يُحدد مصير مدرب بورتو البرتغالي    قلق في بايرن ميونخ بسبب إصابة موسيالا    الوداد المغربي يعلن ضم عمر السومة رسميًا    مسئول نفطي روسي يشيد بخطوات أوبك بلس لتعزيز إمدادات النفط    وزير الخارجية يبحث مع مجموعة من رجال الأعمال الأتراك سبل تعزيز الاستثمارات التركية بمصر    جهود أمنية مكثفة لكشف لغز العثور على طبيب شهير مقتول ومكبل بمنزله في طنطا    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة الإسماعيلية.. خطوات الاستعلام فور ظهورها    تحرير 36 محضر إغلاق ومخالفات عدم وجود تراخيص في حملات لضبط الأسواق بأسوان    لطلاب الثانوية العامة.. ابدأ بالإجابة عن الأسئلة السهلة حرصا على وقت الاختبار    بعد الانخفاض الأخير.. سعر الذهب اليوم السبت 21 يونيو 2025 في الصاغة وعيار 21 بالمصنعية    لتأمين احتياجات الدولة.. مدبولي: 3 سفن تغويز تضخ في الشبكة القومية للغاز مع بداية يوليو المقبل    «كجوك»: فكر جديد يرتكز على التيسير لمد جسور الثقة مع المجتمع الضريبي    عمرها 17 عاما.. كواليس أغنية «أغلى من عنيا» ل هاني حسن الأسمر مع والده    تامر حسني يكشف سر تعاونه مع رضا البحراوي بفيلم «ريستارت».. فيديو    أستاذ علوم سياسية: عدوان إسرائيل على إيران انتهاك صارخ للقانون الدولى    نائب محافظ أسوان يشهد ختام ورشة عمل الخطة الاستراتيجية للمحافظة 2030    جولة مفاجئة لوزير الصحة بمركز صقر قريش للاطمئنان على الخدمات وجودة الأداء    طب القاهرة تبدأ خطوات تطوير المناهج وتقليص محتواها لتقليل العبء الدراسي    تحرير 148 مخالفة للمحال غير الملتزمة بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    تقدم جامعة أسيوط 100 مركز في تصنيف "التايمز 2025" للتنمية المستدامة    من مصر إلى العراق.. احتفال "السيجار" يشعل الموسم الرياضي    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    انطلاق انتخابات صندوق الرعاية الاجتماعية للعاملين بشركات الكهرباء    سيطرة برازيلية على دور المجموعات بكأس العالم للأندية    ضبط لصوص المساكن والورش في حملات أمنية    وزارة الثقافة تحتفي بعيد وفاء النيل من خلال سلسلة من الفعاليات الفنية    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 16 فلسطينيا من الخليل    نقابة المحامين تقرر الطعن على حكم وقف جمعيتها العمومية    وزير الري يبحث "التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء" مع خبراء الجامعة الأمريكية| صور    وزارة الصحة: عيادات البعثة الطبية المصرية استقبلت 56 ألف و700 زيارة من الحجاج المصريين    مباريات اليوم.. صدام قوي لصنداونز.. ومواجهة أمريكية خالصة    المعهد القومي للأورام يطلق فعالية للتوعية بأورام الدم    تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    الرئيس الأمريكى يعلن توقيع إتفاق سلام بين رواندا والكونغو    «الكتاب الإلكتروني».. المتهم الأول في أزمة القراءة    قواعد ذهبية للحفظ والتخزين| الغذاء والصيف.. كل لقمة بحساب!    الخريطة الكاملة ل الإجازات الرسمية المتبقية في مصر 2025 بعد إجازة رأس السنة الهجرية    الشاطر ينتقد ريبيرو بعد تصرفه تجاه نجم الأهلي.. ويؤكد: حمدي ومروان زي بعض    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    كروفورد عن نزال القرن: "في 13 سبتمبر سأخرج منتصرا"    بالصور- خطوبة مينا أبو الدهب نجم "ولاد الشمس"    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آداب الاختلاف
نشر في مصر الجديدة يوم 28 - 02 - 2013


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من: أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فإن الأمة الإسلامية تعيش في مرحلة تحتاج فيها إلى جمع الشمل وتوحيد الصف حتى تستطيع أن تصل إلى غايتها، وتسترد سيادتها، وتتبوَّأ مكانتها بين الأمم، وقد أمرنا الله بذلك فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103).
كما يجب على الأمة الإسلامية أن تبتعد عن الفرقة والتنازع حتى لا تبُوء بالفشل الذي حذَّرنا منه ربنا عز وجل (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
وما أجمل أن نتذكَّر قول الشاعر:
تَأبَى الرِّمَاحُ إذا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا *** وإذا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرتْ آحَادا
الاختلاف سنة كونية:
وحين ننصح الأمة الإسلامية بالاتحاد، ونبذ الفرقة والخلاف، ليس معنى ذلك ألا يكون هناك اختلاف بين أبناء الأمة فيما ينزل بها من أحداث، أو ما يعتريها من مشاكل، لا سيما وهي في مرحلة تنفض عن كاهلها ميراث ظلم واستبداد وقهر واستعباد استمرَّ لأحقاب عديدة وأعوام مديدة، وتسلك سبيل الحرية والعزة، وتسعى لتحقيق ما تصبو إليه من عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.
إننا بذلك لا ننفي الاختلاف، وإنما نُحذِّر من الخلاف الذي يؤدي إلى تفريق أبناء الوطن، وإيقاع الخصومة والعداوة والتنازع فيما بينهم، وبدلا من أن ننصرف إلى العمل والبناء والارتقاء، يشغلنا شياطين الإنس والجن (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحج: 52).
أما الاختلاف فإنه آية من آيات الله وسُنَّة كونية مَبْثُوثَة في الإنسان وفي الكون من حولنا، قال الله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) (الروم: 22). وقال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ) (فاطر: 27، 28). (ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود: 118، 119).
وقال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف: 32).
إن أساس عمارة الكون الاختلاف والتعدد في الجنس والنوع واللون والطاقات والإمكانات، وبهذا الاختلاف تخدم الأجناس بعضها بعضًا، وتتعاون الأنواع على الخير للبشرية، كما تتعاون جميع أجهزة الجسم لمصلحته وصحته وقيامه بمهامه ومسئولياته رغم اختلافها وتنوعها، فتعمر الحياة وتُسدّ حاجات الإنسان في مجالات حياته المختلفة، وتتحقق مقومات خلافة الإنسان وعمارة الأرض.
ولا يتصور بحال من الأحوال أن يكون أبناء الوطن على رأي واحد؛ لأنه لا يصحّ لأحد أن يصادم نواميس الكون؛ لأنها غلَّابَة، ولكن نستثمر سُنّة الاختلاف في تلاقح الأفكار، وتبادل المعلومات، وفضّ النزاعات، وتطوير مستوى الأداء بالتعرف على الرؤى المختلفة، واستخدام ذلك في إثراء المواقف والتعاون والتساند والتآزر والتكامل من أجل رفعة الوطن ونهضة الأمة..
الاختلاف في فروع الدين ضرورة:
وكيف لا نُقِرّ بالاختلاف في الرأي في أمور الدنيا ووسائل تحقيقها، بينما نقرأ في القرآن الكريم أن داود وسليمان عليهما السلام اختلفا في الحكم في قضية الحرث، وأن هارون وموسى عليهما السلام اختلفا، وأن موسى اعترض على العبد الصالح مرات.. بل ملائكة الرحمة وملائكة العذاب اختصما في مصير الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم خرج تائبًا ومات في الطريق، أيكون من أهل القرية الصالحة التي خرج قاصدًا إياها أم من أهل قريته الظالمة التي فرَّ منها، وقد بعث الله تعالى ملكا يحكم بينهم فحكم لملائكة الرحمة.
والصحابة رضوان الله عليهم جميعًا اختلفوا والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»، فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «سمعت رجلا قرأ آية سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ خلافها فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك له فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: «كِلاكُمَا مُحْسِن ولا تختلفوا فإنَّ من كان قَبْلَكُم اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا»، والخلاف في أركان الوضوء قام على أساس تفسير حرف الباء في قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) (المائدة: 6)، كما وقع الاختلاف في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح وصلاة الخوف وتكبيرات العيد.
والخلاف في صلح الحديبية يُرسِّخ حق الفرد في إعلان رأيه والدفاع عنه في حُريَّة كاملة وأمنٍ تام، وكانت وصيته الخالدة صلى الله وعليه وسلم لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما ولنا جميعًا من بعدهما "بَشِّرا ولا تُنَفِّرَا.. يَسِّرا ولا تُعَسِّرا.. تطاوعا ولا تختلفا".
أسباب الاختلاف:
إن الاختلاف بين الناس يقع في كثير من جوانب الحياة ونظمها؛ بسبب التنوع في الأفكار وأساليب التربية وعادات المجتمعات.. وكذلك الاختلاف في الرؤى والاتجاهات والميول والآراء، وعدم وضوح الرؤية للموضوع من كل جوانبه، فالكل يدرك الموضوع من الزاوية التي ينظر إليها، وربما ينظر أحدهم من زاويتين أو أكثر، وربما ينظر من هو أوسعهم رؤية للموضوع من جميع زواياه. وما أحسن من قال: "إن الحقّ لم يُصبه الناس من كل وجوهه، ولم يخطئوه من كل وجوهه، بل أصاب بعضهم جهة منه، وأصاب آخرون جهة أخرى".
والإمام البَنَّا رحمه الله أكد على ذلك وهو يتحدث عن أسباب الاختلاف في الدين:
· منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه، وإدراك الدلائل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين آيات وأحاديث ونصوص يُفسِّرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين فلا بد من خلاف.
· ومنها سعة العلم وضيقه، وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك وقد قال مالك لأبي جعفر: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرَّقوا في الأمصار، وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.
· ومنها اختلاف البيئات حتى إن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وإنك لترى الإمام الشافعي رضي الله عنه يُفتي بالقديم في العراق، ويفتي بالجديد في مصر، وهو في كليهما آخذ بما استبان له، وما اتضح عنده، لا يعدو أن يتحرى الحق في كليهما.
· ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها، فبينما نجد هذا الراوي ثقة عند هذا الإمام تطمئن إليه نفسه وتطيب بالأخذ به، تراه مجروحًا عند غيره لما علم عن حاله.
· ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل أهل المدينة مقدمًا على خبر الآحاد مثلا، وذاك لا يقول معه به، وهكذا...
مُسَلَّمات لا يَصِحّ تجاوزها عند الاختلاف:
لا بد أن تكون هناك مُسَلَّمات بين المختلفين يُقِرُّون بها، وتكون حدًّا فاصلا لا يَصِحُّ لأحدهم أن يتجاوزه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1. أن الشعوب المسلمة لا تقبل أن تكون لها مرجعية في كل ما تذهب إليه غير المرجعية الإسلامية.. (ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ) (الشورى: 10)، وهذه أصول وقواعد والتي عليها تُبْنَى كل الأحكام الفرعية والاجتهاد الحر فيها.
2. أن مصر فيها صرح الأزهر الشامخ الذي حفظ للدين نَقاءه وصفاءه ووسَطِيَّته، واتسع صحنه لطلاب العلم من كل دول العالم، واستوعب كل المذاهب الفقهية وصهرها في بوتقة الإسلام الجامعة، فنشر نور الإسلام النقي، ومنهجه المعتدل المتوازن في العالم الإسلامي.
3. أن حب الوطن من الإيمان، وأن مصلحته تعلو على كل المصالح، وعلينا أن نُضَحِّي في سبيله بمصالحنا الشخصية، ونذود عن استقلاله وحريته وسيادته بأرواحنا وأموالنا.
4. أنّ الشعب المصري شعب عظيم حُرّ رشيد، وأهله خير أجناد الأرض، وأنه صنع حضارة وقهر الغزاة، ولا يصح لأحد أن يفرض نفسه عليه أو يتحدث باسمه دون أن يفوضه في ذلك.
5. أن نُسَلِّم بأن الشعب إذا اختار شيئًا وفق آلية الديمقراطية المعمول بها في العالم كله، فإنه لا يصح لأحد أن يتجاوزه.
6. أن نختار حكمًا بيننا من أهل الحكمة والنظر، وممن عُرِفَ بالعلم والأمانة، لكي يكون رأيه حكمًا فاصلا فيما تنازعنا فيه في ظل هَدْي السماء: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59). (فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء : 65).
آداب الاختلاف
وفي ظلِّ هذه المُسَلَّمات نتحاور لمصلحة الوطن ورفعته، ونحن نتحلى بآداب وقيم تكفل لنا أن نصل إلى هدفنا، ونحتفظ بإكسير الحُبِّ والمودَّة والاتحاد بيننا، ومن هذه الآداب:
أولا: إخلاص النية لله تعالى والتجرد من الهوى والتعصب، وعدم التشكيك في النوايا، وأن يكون الهدف هو الوصول إلى الحق وإلى رضا الله سبحانه، وهذا يقتضي أن نخلص ضمائرنا لله عز وجل، ونستلهم من الله تعالى الرُّشد بقلوب صادقة التوجُّه، فإن الأمر كله له سبحانه، وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها.
ثانيًا: أن نكون على تقوى وخشية من الله عز وجل، وأن نتحلَّى بالصبر وضبط النفس، والإنصاف مع المخالف حتى ولو كان مخالفًا لك!.
ثالثًا: أن نذكر أصول المناقشة في الاستئذان والهدوء والإيجاز، وترك الحرية للقائل حتى يفي موضوعه فلا يُقاطَع، وترك الجدل في الجزئيات ليقرر كُلٌّ رأيه، ويُدلِّل عليه بما يرى من الأدلة، وفي ذلك ما يكفيه عند فقد رأي أخيه.
رابعًا: طول التفكير والأناة، ووزن الأقوال وزنًا دقيقًا، والصَّراحة التامَّة في إبداء الرأي؛ فإننا جميعًا نتلمَّس الخير، ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا إليه، والله حسبنا ونعم الوكيل.
خامسًا: أن نعرض رأينا بأدلته دون التعرض للأشخاص أو الهيئات بالتجريح.. وأن نحذر من أن يجرنا الخلاف إلى التعرض إلى ما يسيء حتى ولو كان الحق مع الرأي الآخر "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق"، بدلا من أن نلقي الضوء على فكرته أو نناقش الموضوع وليس الشكل.
سادسًا: الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف، وفتح باب الحوار معه، ومجادلته ودعوته بالحسنى، كما أمر الله سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125). وذلك يتم في ظل الاحترام المتبادل، وعدم الانتقاص من قدر الآخرين أو فكرهم.
سابعًا: البُعْد عن الجدل؛ لأنه يؤدِّي إلى الضلال، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ»، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (الزخرف: 58).
ثامنًا: أن نحدِّد المتَّفق عليه ونبادر بتنفيذه وتحويله إلى واقع يخدم الوطن، ونَعْبُر به إلى مستقبل أفضل، وعدم التركيز على القضايا الخلافية فقط.
تاسعًا: اعتماد الوسائل السِّلْمِيَّة، ونبذ كل أشكال العنف والتعنيف.
عاشرًا: ترفُّع الأطراف المختلفة عن نشر الشائعات وعدم الافتراء أو اتهام الآخرين بالكذب والزور والبهتان.
أيها المسلمون في كل مكان:
إن الشعوب المسلمة في أشدّ الحاجة إلى أن تتوحد ولا تختلف، وتتعاون على البرِّ والتقوى، ولا تتعاون على أي إثم أو أي عدوان "وهاتان الكلمتان جامعتان للأخطاء الفردية والأخطاء في حق أفراد المجتمع"، كما أنها في حاجة إلى جمع شمل أبناء الوطن وتوجيه طاقاته وقدراته لما فيه مصلحة الوطن والتخلص من كل تبعية تنقص من سيادته على أرضه أو تعوقه في السير إلى إكمال مسيرته في استرداد حريته وعزته وكرامته، وهذا واجب وطني على كل حُرٍّ مخلص غيور، وحينئذ يعمّ الأمن والأمان ويتحقق الرخاء والاستقرار في ربوع الوطن وما ذلك على الله بعزيز.
إن الاختلاف داء به هلكت الأمم السابقة، وقد حذَّر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته منه أشد التحذير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
ولنعلم جميعًا يا كل المسلمين.. أن الله عز وجل لا يريد بنا إلا اليسر ولا يريد بنا العسر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مدحه ربه أنه (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128).
لذا الواجب علينا أن نطمئن ونرضى ونثق أنه لا حياة لنا إلا في ظل الضوابط والقيم والأخلاقيات الإسلامية، وهي الأسس التي تقوم عليها الأحكام الفرعية، وأن نذوق حلاوة الإيمان بهذا الموقف "ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولا".
فهيَّا.. إلى الاستجابة لنداء الله عز وجل ففيه حياتنا وسعادتنا في الدارين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24).
حفظ الله تعالى الأمَّة وأعزَّها بالإسلام وأعزَّ الإسلام بها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.