سعر الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025.. عيار 18 يسجل 4701 جنيها    بعد تصريحات ترامب.. ماذا يعنى تصنيف السعودية حليف رئيسى من خارج الناتو؟    اتصال هاتفى بين وزير الخارجية ونظيره الفرنسى يتناول التطورات الإقليمية    النيابة الإدارية بالمطرية تتحرك بعد واقعة تنمر على تلميذة ولجنة عاجلة للتحقيق    أردوغان: صادراتنا السنوية بلغت في أكتوبر 270.2 مليار دولار    اعتماد تعديل مشروع شركة إعمار مصر للتنمية في المقطم    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستقبل المستشار التعليمي التركي وتبحث سبل التعاون الأكاديمي    جامعة مصر للمعلوماتية تكشف عن برامج مبتكرة بالذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني والتعليم وعلوم البيانات    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإيطالي الأوضاع في غزة والسودان    بيراميدز يعلن موعد المؤتمر الصحفي لفريق ريفرز يونايتد النيجيري    شوبير يكشف حقيقة تولي كولر تدريب منتخب مصر    الإسماعيلي ينفي شائعات طلب فتح القيد الاستثنائي مع الفيفا    19 نوفمبر 2025.. استقرار البورصة في المنطقة الخضراء بارتفاع هامشي    أولوية المرور تشعل مشاجرة بين قائدي سيارتين في أكتوبر    الداخلية تكشف تفاصيل مشاجرة بين قائدى سيارتين ملاكى بالجيزة    محمد حفظي: العالمية تبدأ من المحلية والفيلم الأصيل هو اللي يوصلنا للعالم    أحمد المسلماني: برنامج الشركة المتحدة دولة التلاوة تعزيز للقوة الناعمة المصرية    محمد حفظي: العالمية تبدأ من الجمهور المحلي.. والمهرجانات وسيلة وليست هدفا    بعد أزمته الصحية.. حسام حبيب لتامر حسني: ربنا يطمن كل اللي بيحبوك عليك    خالد عبدالغفار: دول منظمة D-8 تعتمد «إعلان القاهرة» لتعزيز التعاون الصحي المشترك    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    محافظ المنوفية يشهد فعاليات افتتاح المعمل الرقمي «سطر برايل الالكتروني» بمدرسة النور للمكفوفين    الطقس غدا.. ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة خطيرة صباحاً والعظمى بالقاهرة 29    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    نور عبد الواحد السيد تتلقى دعوة معايشة مع نادي فاماليكاو البرتغالي    أول رد فعل من مصطفى محمد على تصريحات حسام حسن    إزالة تعديات وإسترداد أراضي أملاك دولة بمساحة 5 قيراط و12 سهما فى الأقصر    انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي العاشر لأدب الطفل تحت عنوان "روايات النشء واليافعين" بدار الكتب    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    وصفات طبيعية لعلاج آلام البطن للأطفال، حلول آمنة وفعّالة من البيت    الإحصاء: معدل الزيادة الطبيعية في قارة إفريقيا بلغ 2.3% عام 2024    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    جامعة قناة السويس تدعم طالباتها المشاركات في أولمبياد الفتاة الجامعية    موعد مباراة بيراميدز القادمة.. والقنوات الناقلة    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    مصرع 6 عناصر شديدة الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه | صور    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    اليوم، حفل جوائز الكاف 2025 ومفاجأة عن ضيوف الشرف    ماذا قالت إلهام شاهين لصناع فيلم «بنات الباشا» بعد عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي؟    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    العدد يصل إلى 39.. تعرف على المتأهلين إلى كأس العالم 2026 وموعد القرعة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آداب الاختلاف
نشر في مصر الجديدة يوم 28 - 02 - 2013


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من: أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فإن الأمة الإسلامية تعيش في مرحلة تحتاج فيها إلى جمع الشمل وتوحيد الصف حتى تستطيع أن تصل إلى غايتها، وتسترد سيادتها، وتتبوَّأ مكانتها بين الأمم، وقد أمرنا الله بذلك فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103).
كما يجب على الأمة الإسلامية أن تبتعد عن الفرقة والتنازع حتى لا تبُوء بالفشل الذي حذَّرنا منه ربنا عز وجل (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
وما أجمل أن نتذكَّر قول الشاعر:
تَأبَى الرِّمَاحُ إذا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا *** وإذا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرتْ آحَادا
الاختلاف سنة كونية:
وحين ننصح الأمة الإسلامية بالاتحاد، ونبذ الفرقة والخلاف، ليس معنى ذلك ألا يكون هناك اختلاف بين أبناء الأمة فيما ينزل بها من أحداث، أو ما يعتريها من مشاكل، لا سيما وهي في مرحلة تنفض عن كاهلها ميراث ظلم واستبداد وقهر واستعباد استمرَّ لأحقاب عديدة وأعوام مديدة، وتسلك سبيل الحرية والعزة، وتسعى لتحقيق ما تصبو إليه من عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.
إننا بذلك لا ننفي الاختلاف، وإنما نُحذِّر من الخلاف الذي يؤدي إلى تفريق أبناء الوطن، وإيقاع الخصومة والعداوة والتنازع فيما بينهم، وبدلا من أن ننصرف إلى العمل والبناء والارتقاء، يشغلنا شياطين الإنس والجن (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحج: 52).
أما الاختلاف فإنه آية من آيات الله وسُنَّة كونية مَبْثُوثَة في الإنسان وفي الكون من حولنا، قال الله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) (الروم: 22). وقال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ) (فاطر: 27، 28). (ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود: 118، 119).
وقال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف: 32).
إن أساس عمارة الكون الاختلاف والتعدد في الجنس والنوع واللون والطاقات والإمكانات، وبهذا الاختلاف تخدم الأجناس بعضها بعضًا، وتتعاون الأنواع على الخير للبشرية، كما تتعاون جميع أجهزة الجسم لمصلحته وصحته وقيامه بمهامه ومسئولياته رغم اختلافها وتنوعها، فتعمر الحياة وتُسدّ حاجات الإنسان في مجالات حياته المختلفة، وتتحقق مقومات خلافة الإنسان وعمارة الأرض.
ولا يتصور بحال من الأحوال أن يكون أبناء الوطن على رأي واحد؛ لأنه لا يصحّ لأحد أن يصادم نواميس الكون؛ لأنها غلَّابَة، ولكن نستثمر سُنّة الاختلاف في تلاقح الأفكار، وتبادل المعلومات، وفضّ النزاعات، وتطوير مستوى الأداء بالتعرف على الرؤى المختلفة، واستخدام ذلك في إثراء المواقف والتعاون والتساند والتآزر والتكامل من أجل رفعة الوطن ونهضة الأمة..
الاختلاف في فروع الدين ضرورة:
وكيف لا نُقِرّ بالاختلاف في الرأي في أمور الدنيا ووسائل تحقيقها، بينما نقرأ في القرآن الكريم أن داود وسليمان عليهما السلام اختلفا في الحكم في قضية الحرث، وأن هارون وموسى عليهما السلام اختلفا، وأن موسى اعترض على العبد الصالح مرات.. بل ملائكة الرحمة وملائكة العذاب اختصما في مصير الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم خرج تائبًا ومات في الطريق، أيكون من أهل القرية الصالحة التي خرج قاصدًا إياها أم من أهل قريته الظالمة التي فرَّ منها، وقد بعث الله تعالى ملكا يحكم بينهم فحكم لملائكة الرحمة.
والصحابة رضوان الله عليهم جميعًا اختلفوا والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»، فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «سمعت رجلا قرأ آية سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ خلافها فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك له فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: «كِلاكُمَا مُحْسِن ولا تختلفوا فإنَّ من كان قَبْلَكُم اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا»، والخلاف في أركان الوضوء قام على أساس تفسير حرف الباء في قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) (المائدة: 6)، كما وقع الاختلاف في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح وصلاة الخوف وتكبيرات العيد.
والخلاف في صلح الحديبية يُرسِّخ حق الفرد في إعلان رأيه والدفاع عنه في حُريَّة كاملة وأمنٍ تام، وكانت وصيته الخالدة صلى الله وعليه وسلم لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما ولنا جميعًا من بعدهما "بَشِّرا ولا تُنَفِّرَا.. يَسِّرا ولا تُعَسِّرا.. تطاوعا ولا تختلفا".
أسباب الاختلاف:
إن الاختلاف بين الناس يقع في كثير من جوانب الحياة ونظمها؛ بسبب التنوع في الأفكار وأساليب التربية وعادات المجتمعات.. وكذلك الاختلاف في الرؤى والاتجاهات والميول والآراء، وعدم وضوح الرؤية للموضوع من كل جوانبه، فالكل يدرك الموضوع من الزاوية التي ينظر إليها، وربما ينظر أحدهم من زاويتين أو أكثر، وربما ينظر من هو أوسعهم رؤية للموضوع من جميع زواياه. وما أحسن من قال: "إن الحقّ لم يُصبه الناس من كل وجوهه، ولم يخطئوه من كل وجوهه، بل أصاب بعضهم جهة منه، وأصاب آخرون جهة أخرى".
والإمام البَنَّا رحمه الله أكد على ذلك وهو يتحدث عن أسباب الاختلاف في الدين:
· منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه، وإدراك الدلائل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين آيات وأحاديث ونصوص يُفسِّرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين فلا بد من خلاف.
· ومنها سعة العلم وضيقه، وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك وقد قال مالك لأبي جعفر: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرَّقوا في الأمصار، وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.
· ومنها اختلاف البيئات حتى إن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وإنك لترى الإمام الشافعي رضي الله عنه يُفتي بالقديم في العراق، ويفتي بالجديد في مصر، وهو في كليهما آخذ بما استبان له، وما اتضح عنده، لا يعدو أن يتحرى الحق في كليهما.
· ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها، فبينما نجد هذا الراوي ثقة عند هذا الإمام تطمئن إليه نفسه وتطيب بالأخذ به، تراه مجروحًا عند غيره لما علم عن حاله.
· ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل أهل المدينة مقدمًا على خبر الآحاد مثلا، وذاك لا يقول معه به، وهكذا...
مُسَلَّمات لا يَصِحّ تجاوزها عند الاختلاف:
لا بد أن تكون هناك مُسَلَّمات بين المختلفين يُقِرُّون بها، وتكون حدًّا فاصلا لا يَصِحُّ لأحدهم أن يتجاوزه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1. أن الشعوب المسلمة لا تقبل أن تكون لها مرجعية في كل ما تذهب إليه غير المرجعية الإسلامية.. (ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ) (الشورى: 10)، وهذه أصول وقواعد والتي عليها تُبْنَى كل الأحكام الفرعية والاجتهاد الحر فيها.
2. أن مصر فيها صرح الأزهر الشامخ الذي حفظ للدين نَقاءه وصفاءه ووسَطِيَّته، واتسع صحنه لطلاب العلم من كل دول العالم، واستوعب كل المذاهب الفقهية وصهرها في بوتقة الإسلام الجامعة، فنشر نور الإسلام النقي، ومنهجه المعتدل المتوازن في العالم الإسلامي.
3. أن حب الوطن من الإيمان، وأن مصلحته تعلو على كل المصالح، وعلينا أن نُضَحِّي في سبيله بمصالحنا الشخصية، ونذود عن استقلاله وحريته وسيادته بأرواحنا وأموالنا.
4. أنّ الشعب المصري شعب عظيم حُرّ رشيد، وأهله خير أجناد الأرض، وأنه صنع حضارة وقهر الغزاة، ولا يصح لأحد أن يفرض نفسه عليه أو يتحدث باسمه دون أن يفوضه في ذلك.
5. أن نُسَلِّم بأن الشعب إذا اختار شيئًا وفق آلية الديمقراطية المعمول بها في العالم كله، فإنه لا يصح لأحد أن يتجاوزه.
6. أن نختار حكمًا بيننا من أهل الحكمة والنظر، وممن عُرِفَ بالعلم والأمانة، لكي يكون رأيه حكمًا فاصلا فيما تنازعنا فيه في ظل هَدْي السماء: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59). (فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء : 65).
آداب الاختلاف
وفي ظلِّ هذه المُسَلَّمات نتحاور لمصلحة الوطن ورفعته، ونحن نتحلى بآداب وقيم تكفل لنا أن نصل إلى هدفنا، ونحتفظ بإكسير الحُبِّ والمودَّة والاتحاد بيننا، ومن هذه الآداب:
أولا: إخلاص النية لله تعالى والتجرد من الهوى والتعصب، وعدم التشكيك في النوايا، وأن يكون الهدف هو الوصول إلى الحق وإلى رضا الله سبحانه، وهذا يقتضي أن نخلص ضمائرنا لله عز وجل، ونستلهم من الله تعالى الرُّشد بقلوب صادقة التوجُّه، فإن الأمر كله له سبحانه، وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها.
ثانيًا: أن نكون على تقوى وخشية من الله عز وجل، وأن نتحلَّى بالصبر وضبط النفس، والإنصاف مع المخالف حتى ولو كان مخالفًا لك!.
ثالثًا: أن نذكر أصول المناقشة في الاستئذان والهدوء والإيجاز، وترك الحرية للقائل حتى يفي موضوعه فلا يُقاطَع، وترك الجدل في الجزئيات ليقرر كُلٌّ رأيه، ويُدلِّل عليه بما يرى من الأدلة، وفي ذلك ما يكفيه عند فقد رأي أخيه.
رابعًا: طول التفكير والأناة، ووزن الأقوال وزنًا دقيقًا، والصَّراحة التامَّة في إبداء الرأي؛ فإننا جميعًا نتلمَّس الخير، ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا إليه، والله حسبنا ونعم الوكيل.
خامسًا: أن نعرض رأينا بأدلته دون التعرض للأشخاص أو الهيئات بالتجريح.. وأن نحذر من أن يجرنا الخلاف إلى التعرض إلى ما يسيء حتى ولو كان الحق مع الرأي الآخر "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق"، بدلا من أن نلقي الضوء على فكرته أو نناقش الموضوع وليس الشكل.
سادسًا: الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف، وفتح باب الحوار معه، ومجادلته ودعوته بالحسنى، كما أمر الله سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125). وذلك يتم في ظل الاحترام المتبادل، وعدم الانتقاص من قدر الآخرين أو فكرهم.
سابعًا: البُعْد عن الجدل؛ لأنه يؤدِّي إلى الضلال، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ»، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (الزخرف: 58).
ثامنًا: أن نحدِّد المتَّفق عليه ونبادر بتنفيذه وتحويله إلى واقع يخدم الوطن، ونَعْبُر به إلى مستقبل أفضل، وعدم التركيز على القضايا الخلافية فقط.
تاسعًا: اعتماد الوسائل السِّلْمِيَّة، ونبذ كل أشكال العنف والتعنيف.
عاشرًا: ترفُّع الأطراف المختلفة عن نشر الشائعات وعدم الافتراء أو اتهام الآخرين بالكذب والزور والبهتان.
أيها المسلمون في كل مكان:
إن الشعوب المسلمة في أشدّ الحاجة إلى أن تتوحد ولا تختلف، وتتعاون على البرِّ والتقوى، ولا تتعاون على أي إثم أو أي عدوان "وهاتان الكلمتان جامعتان للأخطاء الفردية والأخطاء في حق أفراد المجتمع"، كما أنها في حاجة إلى جمع شمل أبناء الوطن وتوجيه طاقاته وقدراته لما فيه مصلحة الوطن والتخلص من كل تبعية تنقص من سيادته على أرضه أو تعوقه في السير إلى إكمال مسيرته في استرداد حريته وعزته وكرامته، وهذا واجب وطني على كل حُرٍّ مخلص غيور، وحينئذ يعمّ الأمن والأمان ويتحقق الرخاء والاستقرار في ربوع الوطن وما ذلك على الله بعزيز.
إن الاختلاف داء به هلكت الأمم السابقة، وقد حذَّر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته منه أشد التحذير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
ولنعلم جميعًا يا كل المسلمين.. أن الله عز وجل لا يريد بنا إلا اليسر ولا يريد بنا العسر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مدحه ربه أنه (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128).
لذا الواجب علينا أن نطمئن ونرضى ونثق أنه لا حياة لنا إلا في ظل الضوابط والقيم والأخلاقيات الإسلامية، وهي الأسس التي تقوم عليها الأحكام الفرعية، وأن نذوق حلاوة الإيمان بهذا الموقف "ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولا".
فهيَّا.. إلى الاستجابة لنداء الله عز وجل ففيه حياتنا وسعادتنا في الدارين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24).
حفظ الله تعالى الأمَّة وأعزَّها بالإسلام وأعزَّ الإسلام بها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.