الاختلاف.. إحدي آيات الله تعالي ودليل علي عظمة خلقه, وسنة كونية جعلها الله سبحانه لتكون عبرة وعظة لما في ذلك من التدبر والتفكر لقوله عز وجل: ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين( الروم:22). وتتعدد الأوجه في ذلك باختلاف العقول في الفهم والرأي والحجة والبرهان طبقا لوجهة نظر كل إنسان ويأتي الاختلاف كما يقول الدكتور رمضان يوسف الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعه الأزهر, نتيجة اللقاء والحوار باعتباره علاقة مباشرة بين طرفين تقوم علي التعبير وتبادل الأفكار والرؤي والتصورات, وقد ضرب النبي صلي الله عليه وسلم أروع الأمثلة في قبول شخصية الآخر حتي ولو كان علي غير دينه او اختلفت أخلاقه وعاداته وتقاليده عن السلوك الاسلامي وسنه رسول الله.. وتعايش النبي صلي الله عليه وسلم مع ثقافات ونوعيات وعقائد مختلفة بصدر رحب ودون محاولة للمس بهم ومن أمثلة ذلك معايشة رسول الله لليهود في المدينة بكل سلام ومعاملتهم بأخلاقيات الإسلام حيث كان يزور مرضاهم ويتحمل اساءة جاره اليهودي ويقوم لجنازة أحدهم, فقد روي أن النبي صلي الله عليه وسلم مرت عليه جنازة يهودي فقام لها فقيل له يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال النبي:( أليست نفسا؟), وبهذا وضع رسول الله القواعد والأسس في آداب الإختلاف لتكون منهاجا يسير عليه المسلمون, وروي البخاري أن النبي قال لأصحابه:( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فخرج الصحابة رضوان الله عليهم من المدينة إلي بني قريظة وحان وقت صلاة العصر فاختلفوا في ذلك فمنهم من قال:( لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس) امتثالا لقول رسول الله ومنهم من قال إن النبي عليه الصلاة والسلام, أراد المبادرة والإسراع الي الخروج واذا حان الوقت صلينا العصر في وقتها, وعندما علم رسول الله بما حدث من الخلاف أقر كلا من الفريقين علي ما فعله. ويقول الدكتور ربيع الجهمي أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر إن النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن التمسك بنوعية الحوار المبني علي الرأي المسبق, كما جاء في قول رسول الله( اذا رأيت شحا مطاعا وهوي متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك) وفي هذا توجيه من النبي صلي الله عليه وسلم بعدم التشبث والتمسك بالرأي وعدم الخضوع لأي نوع من التعصب لفكر شخصي.. وروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها, أنها قالت رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلي الأحباش وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال النبي( دعهم) وكانت طريقة الأحباش في اللعب تخالف طرق العرب إلا أن النبي لم ينههم عن ذلك ولكن تقبل هذا العرف وتركهم يمارسون ما اعتادوا عليه. ولقد كان من طبيعة النبي صلي الله عليه وسلم الانفتاح علي الأمم الأخري والأخذ منها بما يتلاءم مع تعاليم الإسلام وفي إطار ذلك وافق النبي علي رأي سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة في غزوة الخندق رغم أنها خطة فارسية لم يعلمها العرب ولم يسمعوا عنها.. كما ان النبي عليه السلام لم يقبل ان يتعامل الناس مع بعضهم بفرض ما يقبله البعض علي الآخرين ولم يستنكر علي أحد ثقافته وطبائعه وما تعلمه من بيئته التي نشأ فيها.