كثر الحديث واشتد الجدل حول ما يسمي بالصكوك الاسلامية للشركات والصكوك الاسلامية السيادية. ويرجع السبب الأساسي في التفكير في الصكوك الاسلامية كأداة من أدوات التمويل إلي شيوع الاعتقاد بحرمانية المعاملات المصرفية وإصدارات السندات وأذون الخزانة التي تصدرها السلطات النقدية في الدولة لتمويل الانفاق الحكومي لأنها جميعا تعتمد علي سعر الفائدة ومن ثم تحمل الربا الذي حرمته الشريعة الإسلامية. وهنا لزم إلقاء الضوء علي مجموعة من الحقائق التي تتعلق بالتعامل في الصكوك الاسلامية والاعتقاد بحرمانية المعاملات المصرفية والإصدارات من السندات وأذون الخزانة الحكومية. وفي هذا الشأن قد قامت دار الإفتاء المصرية في عهد فضيلة شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي بدراسة معاملات البنوك وأحكامها الشرعية استغرقت عدة سنوات بواسطة نخبة من أولي العلم في المسائل الفقهية والاقتصادية وفي شئون البنوك. ولقد نشرت نتائج هذه الدراسة في الصحف وجمعت في كتاب لفضيلته بعنوان معاملات البنوك وأحكامها الشرعية. ولقد انتهت هذه الدراسة إلي مجموعة من النتائج هي أولا: أن مسألة تحديد الربح مقدما أو عدم تحديده بالنسبة لمعاملات البنوك لا علاقة لها بالحل أو الحرمة, متي تم ذلك بالتراضي المطلق بين طرفي التعامل وهما البنك والعميل, فالبنوك التي تحدد أرباحا مقدما حلال, والبنوك التي لا تحدد الأرباح مقدما أيضا حلال, حيث أن المقياس في الحل هو خلو المعاملة من الكذب والغش والاستغلال والظلم والجهالة والخديعة وأن المقياس في الحرمة هو وجود شيء من تلك الرذائل فيها. ثانيا: أنه لا مانع شرعا من أخذ أرباح أو عوائد علي الأموال من البنوك التي تم وضع هذه الأموال فيها, ثالثا: أن دار الإفتاء المصرية تشجيع أبناء الأمة الاسلامية والعربية في كل زمان ومكان علي الادخار والاستثمار وعلي أن يضعوا أموالهم التي تزيد علي حاجتهم الضرورية في المصارف والبنوك أو الشركات التي يرتاحون إليها في التعامل. رابعا: أن البنوك في الأمة هي مؤسسات اقتصادية لا غني للمجتمع عنها. وفي ضوء هذه النتائج نستطيع أن نقرر أن إيداع المدخرات في البنوك والحصول منها علي عوائد حلال, وأن الاقتراض من البنوك حلال, وأن شراء السندات وأذون الخزانة التي تصدرها السلطات النقدية حلال شأنه في ذلك شأن وثائق صناديق الاستثمار وأسهم الشركات المساهمة والسندات التي تصدرها هذه الشركات. فيجب أن يتحرر الناس من الاعتقاد الخاطيء بحرمانية المعاملات المصرفية وحرمانية التعامل في السندات وأذون الخزانة الحكومية والسندات التي تصدرها الشركات. ويجب علي مؤسسة الأزهر أن تعلن ذلك صراحة علي الملأ. كما نستطيع أن نقرر أنه لا مانع من إصدار صكوك إسلامية لتمويل أنشطة مؤسسات الأعمال أو صكوك إسلامية سيادية لتمويل الإنفاق الحكومي جنبا إلي جنب مع أدوات التمويل الأخري وليست بديلا عنها. كما يجب أن نوضح أن المعاملات المالية التي أقرتها الشريعة الاسلامية مثل المضاربة والمشاركة والمرابحة والإجارة والرهن وغيرها هي حلال متي تمت علي الاتفاق والرضا الكامل بين أطراف التعامل وخلت من الاستغلال والخديعة والغش والكذب شأنها في ذلك شأن إيداع الأموال في البنوك, والاقتراض منها وكذلك الاستثمار في سندات الشركات والسندات وأذون الخزانة الحكومية. أما إذا تمت تلك المعاملات التي أقرتها الشريعة الاسلامية وغيرها من المعاملات مع البنوك والأوراق المالية الحكومية بناء علي استغلال أو خديعة أو غش أو كذب فهي معاملات محرمة. ومن الحقائق المهمة التي يجب إلقاء الضوء عليها أن نجاح الصكوك الاسلامية في مجال تمويل مؤسسات الأعمال يعتمد علي أمرين غاية في الأهمية. الأمر الأول هو جودة دراسة الجدوي الجيدة للمشروع الذي يراد تمويله عن طريق الصكوك. والأمر الثاني هو الإدارة القائمة علي المشروع والتي يجب أن تكون إدارة متخصصة علي درجة عالية من الكفاءة والحرفية. تلك هي الحقائق التي يجب أن يعلمها الناس في تعاملهم مع البنوك والأوراق المالية الحكومية ومع الصكوك الاسلامية في ظل القانون المزمع إصداره لتنظيم التعامل في هذه الصكوك. رابط دائم :