منذ بدأت الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي نعيشها هذه الأيام تأخذ بخناقنا قبل الثورة وبعدها وأنا أسمع المتخصصين يتحدثون عن حاجتنا للاقتراض الخارجي كحل وحيد لا بديل عنه لكي ننهض من تلك الكبوة. وأنه بدون الحصول علي ثقة البنك الدولي المرابي الأكبر في التاريخ فقد نشهر إفلاسنا وتصبح فضيحتنا علي كل لسان, وأنا لا أفهم معني هذه الأحادية في التفكير. لست متخصصا في الاقتصاد, ولست خبيرا في شئون التمويل الكبري, ولا ادعي أن لدي رؤية شاملة أو خطة متكاملة للخروج من عنق الزجاجة هذا الذي أسمع عنه منذ كنت طفلا في سبعينيات القرن الماضي, ولكني في الوقت نفسه غير قادر علي قبول فكرة الحل الوحيد المطروحة, ولا علي الاقتناع بأن موظفي البنك الدولي هم المنقذون القادرون علي انتشالنا من قاع الحاجة إلي بر الانتعاش. بل أكاد أتهمهما معا بأنهما قد يكونان السبب في غرقة لا تجدي معها أي جهود إنقاذ. فكل مشكلة ولها ألف حل, ولسنا في تصوري المتواضع مضطرون لتسليم كل أوراق اللعبة لبنك لا يعرف الرحمة, بل أتصور أيضا أن هذا البنك قد يأخذنا إلي المجهول ولن يوافق علي إقراضنا إلا بشروط مجحفة أولها رفع الدعم عن المحروقات وهو شرط كفيل وحده بالتسبب في ثورة جديدة, لأن تنفيذه يعني رفع أسعار كل السلع والخدمات بالصورة التي يعجز معها محدودو الدخل عن تلبية احتياجاتهم الأساسية وستزيد معدلات التضخم وسيفقد الجنيه جزءا آخر من قوته الشرائية. ولو حاولنا تجزئ المشكلة من خلال طرح حلول متعددة منها فتح الباب لرءوس الأموال الوطنية ورجال الأعمال المصريين للمشاركة في الحل بمنحهم نفس الامتيازات والإعفاءات التي يحصل عليها المستثمرون الأجانب بضوابط مدروسة جيدا لإقامة مشروعات تحقق لهم الربح وتسهم في إيجاد فرص عمل جديدة تخفف عن كاهل الدولة, فمايزال الخوف من أي إجراءات استثنائية محتملة متمكنا من المستثمرين المصريين, ولا تزال الرأسمالية الوطنية متشككة فيما يحمله لها الغد. كما يمكن للدولة أن تقوم بنفسها بالاستثمار في المجالات التي تحقق ربحية كبيرة وعوائد سريعة من دون الحاجة إلي تمويل ضخم كمجال الاتصالات مثلا الذي تستأثر بعوائده الهائلة شركات خاصة. وقبل هذا وذاك البحث في سبل استعادة الأموال المنهوبة ولو بمساومة من نهبوها وقاموا بتحويلها إلي الخارج وهم وراء القضبان, ووقف نزيف المال العام لنخرج من عنق الزجاجة قبل أن نفكر في مد أيدينا للخارج. [email protected] رابط دائم :