إن الحج رحلة روحية عظيمة لها مقاصد روحانية وسلوكية واجتماعية, حيث جعل الله سبحانه وتعالي البيت الحرام مثابة للناس وأمنا, وجعل منه بيتا ومصلي تشد اليه الرحال, ليجتمع المسلمون أمام كعبة واحدة وفي بيت واحد يجمعهم مقصد واحد مبتهلين بلغة واحدة, وكلمات موحدة يوحدها بينهم تنسيق بديع منادين لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك وبهذه الدعوات ترتفع أصوات المسلمين الذين وفدوا من كل حدب وصوب, مدوية تشق عنان السماء ملبية نداء الله سبحانه( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق) الحج:27 علي أن المتبصر في آيات الحج يدرك أن لهذه الرحلة الروحية العظيمة مقاصد روحانية, وسلوكية, واجتماعية تهذب شخصية المسلم, وتجمع كلمة المسلمين في أرقي أشكال التضامن الإسلامي, ووحدة المسلمين في اشتراك حجاج بيت الله الحرام بمناسك واحدة, وفي أوقات واحدة, وفي عبادة واحدة تصهرهم جميعا في وجدان واحد يساهم في تقليل الفوارق, وتقليص التصورات المختلفة أو تقريبها, ولذا فقد أجمع علماء الأمة علي أن الخروج عن نسق الحج غير جائز كرفع الشعارات السياسية الإقليمية الوافدة وغيرها. 1 الحج جهاد يكسب خيرا عظيما: قالت السيدة عائشة أم المؤمنين يا رسول الله, نري الجهاد أفضل العمل, أفلا نجاهد؟ قال: لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور( أخرجه البخاري في صحيحه:1520). * وعن عائشة, قالت: قلت: يا رسول الله, هل علي النساء من جهاد؟ قال: نعم, عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة( اخرجه الإمام أحمد في مسنده:25322). * عن أبي هريرة, عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة( أخرجه النسائي في سننه الكبري:3592). ومن الجهاد في الحج: التجرد من متع الدنيا وزخرفها, والتبرؤ من لهوها وفتنتها, بلبس زي الإحرام الخاص حيث يتجرد الحاج من الثياب المخيطة التي يلبسها في العادة,ويلبس ثوبي الإحرام, وهما رداء يلف النصف الأعلي من البدن دون الرأس, وإزار يلف به النصف الأسفل منه. ومظهر الحجاج في لباس الإحرام يمثل البعث في الحياة الآخرة, ويكشف عن أن الدنيا الزائلة الفانية, لا يليق أن تصرف مفاتنها العاقل, المؤمن عن الاستعداد بالعمل الصالح للحياة الباقية السعيدة, والاستمتاع برضا الله فيها. فالحجاج في لباس الإحرام أشبه بالموتي, وقد انتقلوا إلي غير ديارهم وفارقوا أموالهم وأهليهم متجردين من زينة الحياة الدنيا, وهم في الإزار والرداء كمن في أكفان الموت, إلا أنه مظهر يوحي برقة القلوب, وتحس النفوس الواعية به أن زخرف الدنيا باطل وأنه لا يليق الاستعلاء بمال ولا جاه, ولا التجبر ولا التكبر, ولا التحاسد ولا التحاقد, ولا الطغيان ولا العدوان, وأن الكل عند الله تعالي سواء, لا فضل لأحد علي أحد إلا بخالص تقواه تعالي, قال سبحانه:( إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير)( الحجرات:13). 2 الحج مبايعة الله تعالي علي الإيمان: إن الحج مبايعة لله علي الإيمان وتجديد لعهده علي مباشرة الإيمان, وعلي عبادته وحده والبعد عن كل مايخالف شريعته, أملا في إسقاط الذنوب وتطهير العبد من تبعات ذنوبه السابقة. والحج هو الاجتماع الديني العالمي للمسلمين, فهو المقام الطبيعي لإعلان القضايا الاجتماعية, كما أن الحج في حقيقته اجتناب الرفث والفسوق والجدال اجتنابا كليا خلال أيام الحج. 3 الحج قوة إسلامية.. كيف؟! إن الحج قوة إسلامية يجهلها المسلمون, وتجب الاستفادة من هذه القوة الروحية في موسم الحج, والعمل بجدية علي وضع التصور العلمي المناسب لمواجهة التحديات التي تعوق الأمة, ووضع حد للصورة المأساوية التي وصل اليها حال المسلمين. فالحج مؤتمر إلهي كبير, وهو فرصة عظيمة أمام المسلمين جميعا لمناقشة أوضاعهم في شتي مناحي الحياة, فهو الفرصة الإلهية التي تتيح لهم اللقاء والاجتماع ليتفقوا علي خطة موحدة, يواجهون بها الفقر والظلم.