للمرة الثالثة علي التوالي تطرح إحدي الشركات الصينية فكرة تصنيع ملابس جديدة للإحرام بحيث يرتديها الحجاج بديلا عن ملابس الحج والمشكلة ليست في قيام شركة صينية بتصنيع ملابس الحجاج لكن المشكلة أن الشركة تعتمد علي تكنولوجيا جديدة ابتكرها طلاب إحدي الجامعات الأمريكية وتعتمد هذه التقنية علي استخدام جهاز يعمل علي تحويل الموجات الصوتية ذات التردد العالي إلي اهتزازات ميكانيكية تتجمع في أحد أجزائه. فينتج عنها حرارة تسمح باندماج سريع بين الأجزاء المؤلفة لقطعة الملابس المراد خياطتها. إلا أنها يشترط أن تتكون الأخيرة من خيوط صناعية بنسبة 60% كحد أدني لضمان نجاح هذه العملية ويطرح ذلك الاكتشاف سؤالا مهما: هل يجوز الحج بعد ذلك بالملابس العادية؟ بداية يقول الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية: لابد أن ندرك أولاً أن ملابس الاحرام لم يتم تشريعها إلا بقصد شرعي هام للغاية وهو أن فيه إظهار التذلل لله تعالي. ففي ملابس الإحرام تجرد عن الدنيا وشواغلها وزينتها حيث تؤدي ملابس الإحرام البسيطة وغير المتكلفة إلي أن تذوب الفوارق بينهم لا فرق بين غني وفقير ولا بين أسود وأبيض ولا بين عربي وأعجمي. كلهم عباد الله أخوانا تتآلف قلوبهم ويعرف بعضهم بعضا. وتجمع عظيم علي طاعة الله تعالي وهدي رسوله الكريم فهو مؤتمر كبير وتجمع عظيم يلتقي فيه بقاع الأرض المتعددة وقد تخلصت نفوسهم من شواغل الدنيا وتجردوا لله تعالي وتركوا الأهل والوطن وتحملوا المشاق في سبيل الله استجابة لأمره سبحانه.. وقد وقفوا بين يديه في مواطن الضراعة بخشوع وإقبال وتعلق بما أعده لعباده الصادقين المخلصين من أجر وثواب. فتتجلي بذلك وحدتهم وتتواري فوارق الأجناس والألوان واللغات والبلاد من بينهم. يقومون بأعمال واحدة.. وتعلو أصواتهم بالتلبية والتكبير وهم يلبسون ألبسة الإحرام.. فتظهر بينهم أجل معاني المساواة. وتترابط قلوبهم وتظهر قوتهم. ويقبلون فيه علي مظاهر التعاون والتكافل وتوثيق الصلات. ويقبل الله عليهم بالرضا والمغفرة والرحمة وبصفاء قلوبهم وتهذيب نفوسهم وتزودهم بكل مظاهر التقوي ومجاهدة النفس. ويضيف: لهذا فإن قضية ملابس الإحرام ليست قضية شكل بقدر ما هي قضية مقصد شرعي قصده الله تعالي لأن اتفاق ملابس الحجاج في لونها وشكلها وكذلك الشعائر الموحدة التي يؤدونها والقبلة الواحدة التي يتجهون إليها تكرس وترسخ التناغم الوحدوي المقصود بحيث يكون المسلمين وحدة واحدة فقالة وهم كذلك للتأكيد علي سواسية الخلق جميعا بين يدي الله عز وجل أيا كانت جنسياتهم أو أعراقهم أو أوضاعهم المعيشية. ولكل هذا فلا يجوز أن ينساق المسلمون وراء من يريد تشويه معلم أساسي من معالم دينهم فلا يجوز أبدا تغيير الهيئة التي أثرت عن النبي صلي الله عليه وسلم. لأن الأمر فيها للوجوب "خذوا عني مناسككم" والهيئة جزء من تلك المنظومة التي أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم أن نأخدها عنه. أما الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو ممجع البحوث الإسلامية فيقول: هناك حديث شريف قال فيه النبي صلي الله عليه وسلم: وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد النعلين فليلبس خفين. وليقطعهما اسفل من الكعبين ولهذا أكد العلماء علي أنه يحرم علي المحرم أن يلبس من الثياب ما صبغ بالورس "نوع من الاصباغ" ولا الزعفران ولا العصفر لقوله صلي الله عليه وسلم "ولا يلبس من الثياب ما مسه ورث ولا زعفران ولهذا فإن من يريدون نشر تلك الملابس إنما يريدون زرع الفتنة بين المسلمين فبكل تأكيد ستجد من يؤيد ومن يعارض لنجد الحجاج ينقسمون علي أنفسهم وحدث وقتها ولا حرج حول حجم الخلافات والنزاعات التي ستحدث داخل المسجد الحرام وانا أري أنها فتنة فنحن ملزمون بارتداء ملابس الاحرام كما كان يرتديها الرسول صلي الله عليه وسلم لأنه القائل لنا: صلوا كما رأيتموني أصلي. ولهذا فكما نتمثل صلاته في القول والفعل والهيئة. فعلينا أن نلتزم بقوله وفعله وهيئته في الحج كذلك ومن يلبس من هذه الثياب الصينية الجديدة شيئا كان عليه الفدية لانه خالف شعيرة من شعائر الحج. ويقول الشيخ محمود عاشور عضو مجمع البحوث الإسلامية ووكيل الأزهر الأسبق أن القصد من ملابس الإحرام هو جمع أفئدة المسلمين من كل البلاد فعندما يتجرد من المخيط فهو يتجرد من جميع ألوان التفرقة بين البشر والتي تتمثل في أنواع اللباس سواء كان ذلك اللباس لفقير أم غني لشرقي أم لغربي فالكل ملتف بملابس الإحرام وخرج للحج تاركا الدنيا خلف ظهورهم والرسول صلي الله عليه وسلم يقول في هذا الشأن تحديدا "خذوا عني مناسككم". يضيف عاشور: من أهم الشروط الواجب توافرها في ملابس الإحرام ألا تكون مفصلة علي الجسم: وهو أمر يعني أن ارتداء ملابس تم تفصيلها باستخدام الأشعة تحت الحمراء يعني أنها ملابس تم تفصيلها علي جسد الإنسان حتي تناسب مقاساته الخاصة. وبهذا تفتقد تلك الملابس لشرط أساسي من شروط ملابس الإحرام. ويتابع: وقد أكد العلماء والفقهاء أن للمحرم تغطية كتفيه بالرداء إلا في طواف القدوم. فإنه يضطبع بردائه. فإذا انتهي أعاد رداءه علي كتفيه. والاضطباع هو: أن يجعل وسط ردائه تحت ابطه الأيمن وأطرافه علي عاتقه الأيسر إلي أن ينتهي من الطواف. ثم يجعل الرداء علي عاتقيه قبل ركعتي الطواف. فكيف سيصنع ذلك من يرتدي "بدلة" مثلا تم تفصيلها بواسطة هذه الطريقة التكنولوجية الجديدة. ويضيف: وحتي لا ينطلق العلمانيون زاعمين أننا بذلك نسمح للغرب بالسخرية منا. نبادر بتذكير هؤلاء أنه رغم تطور وسائل الاتصال فإن الفاتيكان مازال يستخدم أسلوبا يعود إلي القرون الوسطي للإعلان عن اختيار البابا الجديد. ولم يقل لهم أحد في الغرب إنهم متخلفون أو يرفضون التطور التكنولوجي. رغم أن وسيلة اختيار البابا ليست أمرا عقائديا يصعب تغييره بل هو تقليد قديم فحسب. فما بالنا بملابس الإحرام التي علمنا الرسول صلي الله عليه وسلم كيف تكون وكيف نرتديها.