عندما كان والده نجارا مسلحا يعود من عمله بعد يوم شاق ليجد زوجته المسكينة في انتظاره بملابس نظيفة وتقدم له طعام الغداء.. وتظل تعمل تحت قدميه حتي ينام.. وما هي إلا أشهر قليلة حتي تغيرت أحوال الزوج واعتاد أن يراه ابنه مسعد كل يوم دون عمل.. وعلم بعد ذلك أن أصحاب الأعمال كانوا يرفضونه, كاد الطفل يكره هؤلاء لأنهم لم يوفروا فرصة عمل لأبيه.. لكنه سرعان ما اصطدم بحقيقة الأمر عندما استيقظ يوما علي صراخ أمه فهرع إليها ليجدها ملقاة علي الأرض تنزف الدماء من فمها وأنفها بينما اختفت بعض ملامحها من التورم والزرقة.. وعندما وقعت عين الأب عليه أمسك به من رقبته بكلتا يديه ورفعه إلي أعلي وتركه يسقط علي الأرض وهو يهدد زوجته بقتل الصغير إذا لم تمتنع عن طلب مصروفات البيت وتحاول تدبير أمورها ثم انصرف.. عندها لطمت الأم وجهها وهي تقول عاوزني أشتغل خدامة عشان يجيب مخدرات بالفلوس.. هذا هو الجزء الأول من حياة مسعد نزيل مؤسسة رعاية الأحداث بالبحيرة الذي يقضي عقوبة الإيداع منذ خمسة أشهر بعد أن انهال علي أبيه طعنا بسكين حتي الموت.. التقيناه للتعرف علي ظروفه وملابسات جريمته التي حملت الكثير من الآلام, حيث أشار إلي أن والدته كانت كلما ادخرت عدة جنيهات تشتري بها ذهبا لعله يعينها في أوقات الكرب إلا أن الأب الذي تحول إلي مدمن مخدرات بدأ في بيعها للإنفاق علي كيفه.. وكنت أستيقظ كل ليلة علي صوت أمي وهي تبكي وتتألم من الضرب المبرح الذي تتعرض له والذي كان يصل إلي حد الإصابة والجرح.. وأضاف مسعد أن كل هذه الظروف دفعت أمي للخروج للخدمة في المنازل لتوفر ثمن مكيفات الأب اتقاء لشره.. كان أبي في ذلك الوقت يقضي نهاره نائما ويستيقظ في بداية الليل ليستولي علي ما عملت به المسكينة ويخرج لمقابلة أصدقاء السوء ويتعاطون سمومهم.. بينما تنام أمي ومخدعها مبلل بدموعها.. ويظل صوت أنينها في أذني حتي أستغرق في النوم.. ويشرد الصبي بذهنه وهو يتذكر ليلة عاد فيها والده للمنزل مبكرا.. لكنه في تلك الليلة لم يكن بمفرده.. فقد جاء ببعض أصدقائه يحملون أدوات السكر والعربدة وما يلزم لتعاطي المخدرات وأجبر أمي علي إعداد طعام العشاء والشاي لرفاقه.. وبالطبع كانت تصدر من الرفاق المخمورين والمخدرين بعض التصرفات التي تؤذي أمي حتي إن بعضهم كان يتجاوز حدوده ويتحرش بها جنسيا دون أن يحرك أبي ساكنا لغيابه عن الوعي.. وكنت أختبئ في غرفتي أبكي تلك المسكينة المغلوبة علي أمرها حتي أنام.. واستمرت جلسات السكر والمخدرات يوميا.. كما زادت عمليات التحرش والخروج عن الآداب العامة.. وتحجرت في عينيه دمعة وهو يقول إن أمه روت لأبيه بعض أفعال أصدقائه وطلبت منه الخروج بهم إلي مكان آخر فما كان منه إلا أن لقنها علقة ساخنة واشتد إيذاؤه لها.. ولم يستطع تمالك نفسه وذرفت عيناه الدمع وهو يقول إن والده طلب منها الاستجابة لما سماه مداعبات أصدقائه.. وزادت الأمور سوءا عندما لعب الدخان الأزرق بعقول شلة السوء وتطورت المداعبات وعمليات التحرش إلي محاولات جادة للاعتداء علي أمي فتصديت لهم واستنجدت بأبي الذي لم يستطع مقاومة رغبة أصدقائه خاصة عندما هددوه بامتناعهم عن تمويله بالمخدرات.. والأكثر من ذلك أنه قام بضرب أمي ليجبرها علي مسايرة أصدقائه.. واتسعت حدقة عين مسعد وهو يستطرد قائلا: إنه لم يستطع تحمل ذلك المشهد فأسرع إلي المطبخ واستل سكينا انهال بها ضربا علي أبيه فطعنه عدة طعنات نفذت إحداها إلي قلبه ليسقط غارقا في دمائه.. وهربت شلة السوء وتركوه بين نزيف الدماء المتدفق من قلب الأب ونحيب الأم وصراخها.. وتجمع الجيران وأبلغوا الشرطة التي أرسلته للنيابة وأحيل للمحكمة متهما بقتل أبيه وتم إيداعه مؤسسة رعاية الأحداث.