في تطور للأحداث الملتهبة التي انطلقت شرارتها من ميدان التحرير السبت الماضي, وامتدت لتشمل عدة محافظات, وأوقعت عشرات الشهداء وأكثر من2000 جريح في مصادمات غير متكافئة بين المتظاهرين السلميين وقوات الأمن, قدمت حكومة د.عصام شرف استقالتها إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة, ولم يبت في قبولها أو رفضها حتي الآن. وفور تقديم حكومة شرف استقالتها دعا المجلس العسكري, في بيان له, جميع القوي السياسية والوطنية إلي حوار عاجل لدراسة أسباب تفاقم الأزمة الحالية, ووضع تصورات الخروج منها في أسرع وقت ممكن, حرصا علي سلامة الوطن. وأهاب المجلس بكل القوي السياسية والوطنية, وجميع المواطنين الالتزام بالهدوء وايجاد مناخ من الاستقرار, وأصدر أوامره إلي قوات الأمن باتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتأمين المتظاهرين والتحلي بأقصي درجات ضبط النفس في إطار القانون. يأتي ذلك في الوقت الذي اكتملت فيه الاستعدادات لمليونية الإنقاذ التي دعت إليها العديد من القوي لإنقاذ الثورة, وأن يكون الحكم للتحرير. فيما شددت الداخلية علي التعامل بحسم وبقوة لكل من يحاول اقتحام مديريات الأمن وأقسام الشرطة, وقامت بتقديم تعزيزات أمنية غير مسبوقة بالمحافظات لتأمين مديريات الأمن وأقسام الشرطة والسجون. وقد تواصلت المصادمات والمواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين, ليرتفع عدد الشهداء إلي33 و2000 مصاب منذ بداية الأحداث وحتي أمس, بينما ارتفع عدد المصابين من قوات الأمن إلي112 منهم27 ضابطا. فيما جرت محاولات لاقتحام مديريات الأمن بالإسكندرية والسويس وبني سويف والإسماعيلية, مما أدي إلي إصابة العشرات وتحطيم عدة سيارات تابعة لقوات الأمن والمواطنين. وفي بيان لها مساء أمس أكدت وزارة الداخلية مجددا أنها لم ولن تستخدم أي أسلحة نارية أو خرطوش ضد المتظاهرين, وأنها تعاملت مع مثيري الشغب بالأساليب والوسائل المتدرجة التي حددها القانون, ولم تتجاوز أو تخرج عنها رغم تعرض قوات الشرطة لإطلاق أعيرة نارية وخرطوش عليها, وتمكنت من ضبط116 من عناصر الشغب بالقاهرة, و46 بالإسكندرية, و29 بالسويس. وأكدت الداخلية, في بيانها, قيام الأجهزة المختصة حاليا بالتحري عما وقع من تلفيات في ممتلكات عامة وخاصة ووفيات وإصابات بصورة غامضة, واتخاذ كل الإجراءات القانونية لكشف خلفياتها وضبط مرتكبيها والمحرضين عليها. وناشدت الداخلية في هذا الصدد كل من يمتلك سندا أو دليلا أو شهادة أن يتقدم بها إلي جهات التحقيق. وأشار البيان المطول إلي أنه رغم مغادرة قوات الأمن ميدان التحرير بعد عودة الحياة الطبيعية للميدان, عاد عدد من المتظاهرين وألقوا الحجارة علي سيارتي ترحيلات تصادف مرورهما في شارع محمد محمود, وأطلقوا أعيرة نارية علي قوات الشرطة بالشارع مما أدي إلي إصابة26 ضابطا ومجندا بإصابات خطيرة. في سياق متصل, تباينت ردود الأفعال تجاه استقالة الحكومة ففي الوقت الذي استقبل فيه المتظاهرون بميدان التحرير وبالسويس والإسكندرية وأسيوط وقنا النبأ بفرحة عارمة, أعلنت الدعوة السلفية في بيان لها مساء أمس رفضها تشكيل حكومة انقاذ أو مجلس رئاسي مدني, وتتمسك بالعسكري, وتطالب بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها. فيما نظم ائتلاف شباب الثورة وحركة كفاية و6 إبريل بأسوان مسيرة حاشدة مساء أمس للمطالبة بإطلاق يد حكومة شرف في ممارسة سلطاتها بشكل حقيقي, ومطالبة العسكري برفض استقالتها. وتتجه النية إلي تشكيل حكومة انقاذ وطني تنفيذا لمطالب القوي السياسية. وكان سيناريو الاستقالة قد بدأ خلال اجتماع الوزراء الطارئ أول أمس عندما وقعت انقسامات حادة بين الوزراء بشأن تعامل قوات الأمن مع متظاهري التحرير, وتحميل الداخلية مسئولية تفجر الأحداث بعد استخدامها المفرط للقوة ضد المتظاهرين, بعدها توجه المجلس بكامل هيئته إلي المجلس العسكري, وعقب الاجتماع الذي لم يتم الاتفاق فيه علي كيفية احتواء تداعيات الأحداث أصدر مجلس الوزراء بيانا منفردا, أعقبه بيان للمجلس الأعلي للقوات المسلحة, وكان الأخير مقتضبا, وكلف فيه الحكومة بمتابعة الأحداث واتخاذ موقف حاسم تجاه المتورطين. وأمس عقدت اللجنة الوزارية لإدارة الأزمات برئاسة شرف اجتماعا استمر لمدة4 ساعات, توجهت بعدها إلي المجلس العسكري, ثم عادت نفس اللجنة وانضم إليها وزراء التربية والتعليم والتضامن الاجتماعي والتعاون الدولي, ثم خرج السفير محمد حجاري, المتحدث باسم مجلس الوزراء, ببيان يعلن فيه وضع الحكومة استقالتها تحت تصرف المجلس الأعلي للقوات المسلحة. وغادر د.شرف مقر مجلس الوزراء في التاسعة والربع من مساء أمس بعد أن صافح كل أفراد مكتبه, وتعانق مع وزير الإعلام أسامة هيكل, الذي كان في وداعه, والدكتور سامي سعد زغلول الأمين العام لمجلس الوزراء. وقال وزير الإعلام, في رده علي سؤال حول السبب وراء تقديم الحكومة استقالتها في هذا الوقت الحرج: إن غالبية الوزراء رأوا أنهم يتعرضون في الوقت الحالي لضغوط كبيرة ووسط ظروف صعبة تعوقهم عن أداء أعمالهم, وأنهم لا يستطيعون مواصلة تنفيذ مهامهم مما يتطلب اعطاءهم شرعية جديدة أو تشكيل حكومة جديدة. ومن جانبه أكد د.علي السلمي, نائب رئيس الوزراء للشئون السياسية والتحول الديمقراطي أن الانتخابات المقبلة ستجري في موعدها سواء استمرت هذه الحكومة في أداء مهامها أم تم تشكيل حكومة جديدة, مشيرا إلي أن هذا تأكيد من المجلس الأعلي للقوات المسلحة. وقال السلمي, في تصريحات بمقر مجلس الوزراء: إنه فيما يتعلق باجتماعه مع القوي السياسية مساء أمس فقد تمت مناقشة الأحداث الجارية, والنظر في إزالة الاحتقان, مؤكدا أن المصارحة والمكاشفة بالأسباب التي أدت إلي الأحداث المؤسفة هو الطريق لحل الاحتقان حيث يوجد دور للقوي الحزبية والتحريضية والقوي التي لا تريد سلاما لهذا البلد, وتريد تحقيق مكاسب خاصة علي حساب الوطن.