إنها دعوة لكي تتضافر جهودنا جميعا لإعادة الانضباط الأخلاقي إلي الشارع المصري أولا لتكتمل الصورة الحضارية التي رسمتها ثورة الحرية التي ما زالت تبهر المصريين والعالم بأسره. تنصرف كلمة انفلات في قاموسنامنذ ثورة يناير إلي الانفلات الأمني وحده دون غيره.. ومع الاعتراف بخطورة غياب الأمن علي مسيرة الثورة ومكتسباتها أصبحت القضية الأمنية هي الشغل الشاغل لكل المصريين, ويبدو لي اليوم وبعد تسعة أشهر من الثورة أن الانفلات الأخلاقي الذي يشهده الشارع المصري بات اشد خطرا ليس علي الثورة فحسب بل وأيضا علي مصر بأسرها وعلي إمكانية العبور بسلام إلي بناء النظام السياسي والاجتماعي الذي يطمح إليه المصريون. وهنا أجد لزاما علي أن أبادر بالتأكيد علي أن ما يشهده الشارع المصري لا يرجع فقط إلي الانفلات الأمني بقدر ما يرجع إلي المواطنين أنفسهم. فكثير من السلوكيات السلبية التي يشهدها الشارع اليوم لا علاقة لها بوجود الأمن من عدمه, بل ولا يجب أن يقع عبء التعامل معها علي الأمن من قريب أو من بعيد ومن ثم فعلينا جميعا الاعتراف بأن تلك السلوكيات تكشف عن مشكلات اجتماعية وأخلاقية كنا نظن أنها لا تشيع بيننا, او علي الأقل كنا نتمني ذلك. فظواهر من قبيل التحرش وإلقاء القمامة في الشوارع بشكل يكاد يحول القاهرة إلي مقلب كبير وسلوك قائدي السيارات بمختلف فئاتهم لا فرق بين الملاكي والأجرة والميكروباص بالإضافة لظاهرة التعدي علي أملاك الدولة والمواطنين دون وجه حق استغلالا لضعف الأمن, وأيضا سلوكيات الباعة الجائلين واحتلالهم لكل شبر في الشارع والرصيف, كلها أوضاع سلبية لا يمكن تحملها وظواهر تؤكد أن الثورة لم تصل بعد إلي المواطنين فتدفعهم إلي العمل والتحلي بالأخلاق في التعامل مع الأخر, والإقلاع عما كان سلبيا في ظل نظام بائد قامت الثورة من أجل إسقاطه,والنظام هنا ليس مختصرا في حكومة وحزب وطني ورجال أعمال فاسدين فحسب بل يبدو أن الفساد طال الشخصية المصرية بكل موروثاتها الحضارية, بما يؤكد أننا في أمس الحاجة إلي ثورة حقيقية أخري هي ثورة اجتماعية لأنها وحدها الكفيلة بتغيير العبثية التي تبدو عليها مصر الآن. وإذا كانت مهمة التعامل مع الانفلات الأمني تقع علي عاتق المواطن أولا ثم علي عاتق القوي السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والقيادات المجتمعية من مثقفين ورجال دين بعد ذلك فإن المشكلة أن هؤلاء المنوطة بهم مهمة السيطرة علي انفلات الشارع لا يجمعهم عنوان واحد أو مؤسسة واحدة يمكن التوجه إليها لمساعدتها أو محاسبتها عن هذا الانفلات, بينما لدينا جميعا ثقة في قدرة المؤسسات الأمنية علي استعادة الأمن والاستقرار في حال توافرت الرغبة رغم كل ما يعوق ذلك من مشكلاتوتحديات. إنها دعوة لكي تتضافر جهودنا جميعا لإعادة الانضباط الأخلاقي إلي الشارع المصري أولا لتكتمل الصورة الحضارية التي رسمتها ثورة الحرية التي ما زالت تبهر المصريين والعالم بأسره. .. فذلك هو التحدي الحقيقي والنجاح في التعامل معه هو المؤشر الفعلي علي انجاز ثورتنا المجيدة. [email protected]