في مواقف المدن الجديدة لا يقتصر استغلال حالة الانفلات الأمني التي تعاني منها مصر الآن علي أعمال البلطجة والسرقة والاعتداء علي أملاك الغير, بل امتد هذا الاستغلال ليشمل استغلال المواطنين أنفسهم ليس في ارتفاع أسعار السلع الأساسية فقط, ولكن أيضا استغلالهم في وسائل المواصلات العامة والخاصة. ففي منطقة القللي يوجد أكبر موقف للميكروباص المتجه إلي مدينة6 أكتوبر والمناطق المحيطة بها, وبدءا من الساعة التاسعة مساء لابد أن تندهش من كم المواطنين الذين يصطفون علي أرصفة الموقف في انتظار أي سيارة ميكروباص تقلهم إلي مقار سكنهم في مدينة6 أكتوبر, والأكثر من ذلك الهجوم الشديد من هؤلاء المواطنين الذين ينتظرون بالساعات علي أي سيارة مقبلة أيا كانت وجهتها, المهم أن السائق ينادي أكتوبر.. أكتوبر. السيد محمود عامل بناء أحد من قابلناهم في انتظار الميكروباص يروي رحلة عذابه كما وصفها فهو عامل بناء ولا يمكن أن يذهب إلي منزله قبل التاسعة مساء, يقول الواحد يبدأ رحلة عذابه بالليل باجي هنا أقف بالتلات ساعات مستني أي عربية توديني أكتوبر, أنا ساكن في الحي ال12 يعني جوه أكتوبر نفسها, والسواقين شغالين بمزاجهم تيجي العربية من هنا وتلاقي هجوم عليها يا ألحق يا ما ألحقش ولو ما لحقتش باضطر استني كام ساعة كمان وياريتني باوصل علي طول. ويضيف: السواق يقول أكتوبر ونركب بعد ما يمشي بشوية تلاقيه يقولك أنا اخري الحصري يعني بيسيبنا قبل آخر الخط بكتير قوي ساعتها بنضطر ننزل الحصري ونستني أي عربية تانية تدخلنا أكتوبر من جوه, تخيلي بقي المصاريف275 قرشا لغاية الحصري وبعدين أجرة المسافة اللي فاضلة, ولو ما لقيناش عربية علشان الوقت يبقي متأخر بنضطر ناخد تاكسي وبياخد علي النفر5 جنيه, بالذمة ده يرضي مين؟. شاركنا الحديث محمد عادل موظف حسابات بإحدي الشركات الخاصة, قائلا: المشكلة دي هي نفس المشكلة في الجيزة, هناك في شوية سواقين عملوا موقف لوحدهم كده تحت الكوبري اللي في ميدان لبنان والأجرة زي الأجرة اللي بندفعها لما نركب من هنا من القللي, ورغم كده برضه ما بيدخلوش أكتوبر لجوه بينزلونا عند الحصري برضه ولا نقدر نفتح بقنا. وبالفعل توجهنا إلي منطقة ميدان لبنان لنجد تجمعا لمجموعة من سيارات الميكروباص أسفل كوبري امتداد محور26 يوليو وفوجئنا بأن الأرقام المدونة علي السيارات إما أرقام خاصة أو أرقام سياحية, كما أن هذا التجمع ليس بترخيص أو تصريح من أي جهة. وفي موقف أحمد حلمي تحدث إلينا أحد العاملين في موقف الاتوبيس هناك, والذي فضل عدم ذكر اسمه, فيقول: الناس بتتعب قوي هنا علشان توصل مدينة6 أكتوبر أو مدينة الشيخ زايد, خلليني أقولك حاجة ورزقي علي الله, المفروض أنه فيه خط اتوبيس هنا مخصوص لأكتوبر بيوصل لغاية ميدان ليلة القدر رقمه571 بيتحرك من أحمد حلمي, لكن تصدقي أن الخط ده عليه اتوبيس واحد بس يعني لما يطلع أكتوبر تضطري تستنيه لحد ما يرجع ويطلع بيكي تاني وبالتالي الاتوبيس ده ما بيعملش إلا رحلتين في اليوم بس لأن المسافة طويلة وانتي عارفة المحور وزحمته خصوصا فترة الضهرية وآخر النهار. يضيف: عايز أقولك معلومة كمان, الرادار اللي كان بيسجل المخالفات علي المحور سواقين الميكروباص شالوه لو طلعتي المحور هتلاقي الكلام ده والكل استغل الوضع وسيارات النقل بقت تطلع المحور رغم أنه ممنوع ده غير الحوادث وغيرها. لم تكن هذه مظاهر المعاناة فقط, فمع أزمة خط الاتوبيس الواحد تم تخصيص خطي ميني باص رقمي600 و601 من وإلي رمسيس وأكتوبر, إلا أنه مع عدم الرقابة وحالة الانفلات السائدة, فتقوم هذه الميني باصات باقتسام المسافة لتنتهي رحلتهم في الهرم أو ميدان لبنان ويقومون بتحميل ركاب إلي أكتوبر من هاتين المنطقتين وبنفس الأجرة. أما الذهاب والاياب من وإلي مدينة الشيخ زايد, فيشكل رحلة عذاب أخري لمن يعملوا هناك أو تقع مقار سكنهم بها, ففي ميدان عبد المنعم رياض يوجد خط اتوبيس رقم570 سعر تذكرته جنيه واحد, وخط آخر يتحرك من رمسيس رقم370 سعر تذكرته جنيهان نظرا لكونه خدمة مكيفة, ورغم أنهم سيارات الخطين تتوافر بأعداد مناسبة إلا أن الأزمة تكمن في أن آخر رحلة علي هذه الخطوط تكون في تمام العاشرة مساءا بعدها يبدأ المواطن في المعاناة الشديدة ليجد سيارة توصله لمنزله. في موقف ميدان عبد المنعم رياض رصدنا هذه الحالة علي لسان المواطنين, فيقول أسامة مجاهد من ساكني مدينة الشيخ زايد: أنا شغلي بيخلص الساعة9 وعلي ما آجي الموقف بتكون الساعة عدت عشرة ونص فباضطر استني أي عربية رايحة زايد, المشكلة بقي أن أي ميكروباص بيطلع بيوصلنا لنص الطريق ومن هنا ممكن ناخد عربية صغيرة ولو مالقيناش وده الطبيعي بنضطر ناخد تاكسي والوضع ده المسئولين مش عايزين يحطوا له حل. ويضيف: بالليل بقي تشوفي المهازل, مثلا تلاقي العربيات السوزوكي الصغيرة حمولة5 راكب تنادي وتقول زايد السواق بيحمل7 ركاب مش5 وأجرة الراكب الواحد5 جنيهات والمضطر يركب الصعب, وكمان التاكسيات تيجي بالليل وتنادي زايد وتحمل أربعة ركاب والنفر الواحد ب10 جنيهات تخيلي بقي المعاناة اللي بنشوفها كل يوم في الوضع ده خصوصا أن مافيش حد بيحاسب حد دلوقتي. من موقف ميدان عبد المنعم رياض كذلك يوجد خطيا اتوبيس رقم998 و998 شرطة للذهاب والاياب من وإلي مساكن الشروق والمشكلة هنا وفق رواية عدد ممن تحدثنا معهم تأخر وصول تلك الاتوبيسات إلي الموقف, والسبب في ذلك أن السائقين في عودتهم من مساكن الشروق ينهون رحلتهم عند العباسية ليقوموا باقتسام المسافة علي دفعتين دفعة يورد ايرادها لهيئة النقل العام ودفعة تورد إلي جيوب السائقين والكمسارية, والأزمة أن هذين الخطين هما وسيلة المواصلات الوحيدة التي لا بديل لها للمقيمين في مساكن الشروق. أما سكان مدينة بدر, فلهم معاناتهم الخاصة, وهي المعاناة التي رواها لنا محمد عبد المجيد من سكان المدينة والذي قدم لنا شكوي كان قد أرسلها للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء, والتي شكا فيها من معاناة سكان المدينة من عدم وجود مواصلات تربط المدينة بميادين القاهرة, وأن الشركة الوحيدة التي تم تعاقد جهاز المدينة معها لا تنفذ بنود العقد وتقوم بتحويل سيارات الشركة إلي خط الشروق موقف العاشر لأسباب ترجع إليهم, ولأن أغلب سكان المدينة يعملون بالقاهرة ويجدون صعوبة بالغة في الوصول إلي أعمالهم في أوقاتهم مما يؤثر علي الانتاج والمصالح المختلفة, الأمر الذي معه أصبحت المدينة طاردة للسكان وليست جاذبة لهم, ومن الممكن حل هذه المشكلة دون الحاجة إلي دعم خارجي سوي اتخاذ القرار وتصبح مدينة بدر جاذبة للسكان بعد توفير المواصلات. ويقول عبد المجيد إن حل تلك الأزمة يكمن في تشغيل موقف المدينة والسماح بتشغيل خط سرفيس من الموقف بمدينة بدر مباشرة إلي موقف أحمد حلمي دون الدخول للمدينة, وبذلك يمكن توفير30 دقيقة للسيارة تستغرقها داخل المدينة والاستفادة بها في الوصول إلي موقف أحمد حلمي مباشرة أو الحي العاشر أو الحي السابع أو السيدة عائشة, فضلا عن تشغيل سيارات نقل داخلي بالمدينة للربط بين احيائها الاربعة بطرح سيارات السوزوكي سبعة ركاب للبيع للشباب الذي يسكن المدينة بشروط ميسرة, حيث لا يوجد بالمدينة أي مواصلات داخلية سوي التوك توك والذي لا تقل أجرة الراكب الواحد به عن ثلاثة جنيهات, وكذلك تشغيل خطوط من هيئة النقل العام من موقف المدينة إلي مناطق زهراء مدينة نصر والسيدة عائشة, رمسيس, العباسية وحلوان علي أن يتم توحيد الأجرة وتثبيتها. يبقي أن نشير إلي انتشار ظاهرة أخيرة يلاحظها كل مواطن كما نلاحظها نحن يوميا في مختلف الشوارع, حيث تنتشر اتوبيسات النقل العام ليلا دون أرقام مدونة خلفها ودون رقم خط الاتوبيس, وتقوم بتحميل الركاب إلي العديد من المناطق وفق ما يقرر السائق والكمساري, وذلك بعد انتهاء الوقت الرسمي لعمل خط الاتوبيس أو خلال الوقت الرسمي, مستغلين وجود اتوبيسات أخري علي نفس الخط, والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تترك الحكومة هؤلاء المستغلين لتحقيق استفادتهم الشخصية علي طول الخط؟