الحديث عن المعاناة في تجديد رخصة السيارة يحتاج إلي صفحات العدد الأسبوعي من الجريدة, بدءا من البيروقراطية والسفه والغباء والتخلف غير المبرر وغير المفهوم باستخراج كومة أوراق في عصر الإلكترونيات والحاسوب والإنترنت, ومرورا بصحيفة المخالفات الجزافية التي تجاوزت ال3آلاف ونصف الجنيه, وتقديم التظلمات والاعتراض ضدها بطريقة الكعب داير بين وحدتي مرورالعجوزة والدراسة, ومقابلة المحامي العام لتخفيض القيمة, وانتهاء باستقطاع إكرامية جبرية بقيمة150 جنيها لالمخلصتيةعلي الشبابيك!! ويفاجئنا مجلس الوزراء بإقرار تعديلات قوامها100 مادة علي قانون المرور, ويتجاهل وزير النقل السيولة والرشاوي والواسطة في منح تراخيص القيادة,ويحمل الخطأ البشري96% من مسئولية حوادث الطرق التي يروح ضحيتها15 الف قتيل و50ألف مصاب سنويا!! ثم يعلل كل ذلك بوجوب إدخال تعديلات جوهرية لتجريم100 مخالفة يرتكبها سائقو المركبات في شوارع مصابة بمرض تصلب شرايين مزمن, وسلوكيات عبثية بدءا من رجل المرورالمفتري عليه ومنه, وانتهاء بعفريت العلبة الذي يفرض سطوته علي الشارع وعلي قائدي السيارات والمعروف بالسايس!! صحيح... أن تلك التعديلات- الواجب إخضاعها لمناقشات مجتمعية مستفيضة قبل إقرارها برلمانيا- ستحد من سطوة رجل المرور في تسجيل مخالفات جزافية, وستحرر الكترونيا, إلا أنه لابد من علاج ناجز لحالة الرشاوي التي تتخذ اشكالا ومسميات مصرية مقنعة مثل إكرامية شرب شاي نظير مجهود نظير خدمة شاي بالياسمين وغيرها من حالة الخلل وضياع الأمانة!! لقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن وقت قيام الساعة فأجاب: إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة, قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلي غير أهله. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة... وحقيق بهذا الزمن أن يعرف ب زمن تضييع الأمانة, وقلة المراقبة, وضعف المحاسبة والرشوة والغش والتدليس والتزوير والكذب والمطل في قائمة طويلة سببت أمراضا اجتماعية وحضارية في أمة الإسلام أعاقت نهوضها, ومكنت للصوص من نهبها. ومن غير المفهوم ان الدولة لم تستطع حتي اليوم إقرار قانون لتجريم الواسطة تحت ذرائع عدة حتي بات المواطن, خصوصا من الجيل الجديد, مقتنعا انه لاسبيل في الحصول علي خدمة أووظيفة بعلمه وكفاءته!!. لقد بعدنا عن المنطق وتعاليم الدين, ولم نفطن بعد إلي أن السبب الأكبر لتقدم الغرب الوثني, وتخلف الشرق الكتابي هو فرض العدل, وأداء الأمانة, وشدة المحاسبة علي الإخلال بها, حتي صارت طبعا لأهلها يتخلقونه وإن لم يحتسبوا الأجر الأخروي فيه. ففي العالم المتخلف الذي ضيعت فيه الأمانات يتعرض لكوارث ضخمة تخلف وراءها قتلي ومصابين, وتهدر بسببها أموال عظيمة يتأثر بها الضعفة والمساكين, وإلا من كان يظن أن أمطارا اعتيادية تغرق أحياء, وتهلك بشرا, وتتلف ضيعا, نتيجة لجشع وطمع وفساد أصحاب البطون الممتلئة بالحرام الذين لم يراعوا الأمانة ولم يجعلوا للمياه مصرفا ومصافي وشبكات يجري تطهيرها دوريا!!. إن كل أنواع الفساد في دواوين الحكومة تعود في أصلها إلي فساد الأخلاق وخراب الذمم والضمائر, وآن الأوان للعدول عن التحاليل النمطية المبتذلة التي يلوك من خلالها أشباه الخبراء قناعاتهم وأحلامهم و ينمقونها بكليشيهات مزيفة, ليستنتجوا في الختام تهمة لهذا و لوم علي الآخر وأقصي ما يصلون إليه استقراءات بعدية لا تسمن ولا تغني من جوع. لقد أصبح من الضروري أن يكتشف المواطن أن التحول في أداء الأجهزة الأمنية قد حصل, وأصبح رجل الأمن اليوم حاملا رسالة بعد أن كان استنساخا لدكتاتورية تبث الرعب في قلوب الآمنين و لا تفرق بين ظالم ومظلوم, فليس هناك مكان للمتباكين حسرة علي ما كانت عليه هذا الأجهزة قبل الثورة, وليس لهم إن يقولوا أن حق الفرد يندثر أمام حق الدولة لأن الأمرين غيرمتناقضين. إن نسف الروتينلابد ان يقابله تغيير في منظومة الأخلاق للموظفين والقائمين علي الخدمات الجماهيرية... فهل نحن فاعلون ؟