تعلن الحكومة في منتصف الأسبوع القادم استراتيجية جديدة لمواجهة الفساد.. وهي خطوة علي الطريق والأهم أن يتم وضعها في مجال التنفيذ. واستراتيجية مواجهة الفساد الجديدة هناك تساؤلات حولها هل سيتم توحيد الأجهزة الرقابية المتعددة في جهاز واحد.. وهل سيتم إنهاء التضارب بين الأجهزة الرقابية ووضع نظم للرقابة السابقة علي تعاملات المواطنين مع أجهزة الدولة المختلفة بإنهاء الثغرات والحد من تعدد الأوراق والتوقيعات. وربما يكون التصدي للفساد في الصفقات الكبيرة هو الأسهل والأكثر فاعلية بوضع ضوابط ونظم لفحص الصفقات.. ومراجعة العقود والاتفاقيات ومساءلة كبار العاملين بالدولة عن الأخطاء وعمليات التربح سواء تمت لهم أو لغيرهم. ولكن حالات الفساد الصغيرة التي تهاجم الناس يومياً في حياتهم هي التي تحتاج إلي نظم للحد من الفساد والإتاوات والرشاوي.. وبخاصة في التعاملات اليومية بالمرور والشهر العقاري والسجل المدني وإدارات التراخيص في الوحدات المحلية والأحياء والمحافظات. وليس من السهولة إنهاء حالات الفساد الصغيرة هذه بسهولة ولكن يمكن احتواؤها بوضع نظم للتعامل تمنع استثمار تعدد الأوراق والتوقيعات والمستندات مما يفتح الباب للإتاوات والرشاوي.. والإكراميات. ونظرة علي ما يجري يومياً في أجهزة الخدمات يتأكد أهمية وضع نظم إدارية لمنع الفساد والانحراف قبل أن يتم ضبط الموظفين المتورطين. وذات مرة قال لي رئيس جهاز رقابي كبير: إن حالات الفساد الصغيرة تصل يومياً إلي ألوف الحالات ولو أمسكنا بهؤلاء فإننا سنلقي القبض علي أكثر من 20 أو 30 ألف موظف يومياً في كل أجهزة الخدمات!! وهو أمر ليس سهلاً.. ولهذا فالأهم وضع نظم وقواعد تمنع تحكم الموظف أو تترك له الاجتهاد مما يفتح باب التربح أو الإصرار علي تلقي الإكراميات أو الرشاوي. والمؤكد أن هناك ظواهر فساد صغيرة لا تقل خطورة عن حالات الفساد الكبيرة التي يجب أن تحظي باهتمام الحكومة بضوابط ونظم للمراجعة والفحص والملاحقة للمتورطين في إدارة المرور النموذجية بالقاهرة.. صورة لحالة فساد تستحق الدراسة والفحص. ويحدث هذا في الإدارة النموذجية وليس في مركز أو محافظة نائية بعيداً عن المتابعة.. التعاملات كلها لا تتم إلا بعد سداد الإكرامية الإجبارية. في بوابة الدخول والمتجه إلي الفحص الفني للسيارة قبل أن يقوم الفني بنقل أرقام شاسيه السيارة ورقم الموتور علي استمارة التجديد يفتح يده لتلقي الإكرامية ولا يبدأ عمله إلا بعد الحصول عليها..! وبعد انجاز مهمته والحصول علي الإكرامية.. يأتي دور المهندس.. نعم مهندس الفحص الذي يقلب في الأوراق بعشوائية ولا يخرج قلمه للتوقيع علي شهادات الفحص الفني إلا بعد أن ينال إكرامية.. ولا يتهاون المهندس الفني بالمرور في تعطيل صاحب السيارة ووضع بعض العراقيل.. إذا لم يحصل علي الإكرامية. وموظف بيع استمارات التجديد والضريبة الذي يجلس خلف الشباك قبل أن تطلب منه الاستمارات يفاجئ صاحب الطلب.. بكلمة كل عام وأنت طيب.. والمفهوم "أنه يريد الإكرامية" كل عام وإنت طيب بمناسبة إيه.. ليس اليوم عيد ولا مناسبة من أي نوع.. ولكن في شباك اعتماد شهادات بيانات المخالفات قبل أن يستلم الموظف خلف الزجاج الشهادة للبحث عن مخالفات للسيارة.. يفاجئ صاحب الطلب كل عام وأنتم بخير. ويظل يماطل في اعتماد الورقة الصغيرة قبل أن ينال إكرامية.. وبعد ذلك في منفذ المخالفات.. يجلس الموظف غاضباً يتلقي الرخص للبحث عن قيمة المخالفات.. وعندما تظهر يطلق كلمة صباح الخير حتي ولو كانت هناك مخالفات ستدفع.. ويتم سداد قيمة المخالفات.. والإكرامية أيضاً.. ثم يتم تحويل الرخصة إلي شباك آخر ينادي الموظف بالميكروفون علي أصحابها.. وعندما يصل إليه صاحب الرخصة ويقترب من الشباك يسمع أيضاً كل عام وأنتم بخير.. وعندما يجد أن بعض الناس تماطل في سداد الإكرامية.. يفاجئ الواقف أمامه أنت موش عايز تقولي صباح الخير ليه.. طبعاً لا يقصد تحية الصباح ولكن الإكرامية..! وفي شباك المراجعة وتقدير الضريبة يستمع صاحب السيارة إلي ذات العبارة: كل عام وأنت طيب.. والحدق يفهم . والتي لا يتم صرفها إلا بعد أن ينال الموظف الحلاوة كما يقول.. هذه إحدي الصور المؤلمة للإكراميات وحالات الفساد الصغيرة التي تحتاج إلي مواجهة عاجلة.. ووضع نظم إدارية تمنع التعامل مع هذا العدد الكبير من الموظفين بالمرور.. وكل موظف يحتاج إلي تحية خاصة ويحدث هذا في الشهر العقاري.. ويحدث في الوحدات المحلية ومجالس المدن والقري دون رادع أو حياء.. حتي أنه يوجد سماسرة أمام المكاتب للقيام بالوساطة وانجاز بعض الأمور مقابل أجر. والتغيير يأتي من القاعدة قبل القمة.. ولا بأس من ضرب رءوس الفساد ولكن قواعده الصغيرة تحتاج إلي المزيد من الإزالة والطرد بسبب التقصير والإهمال.