علمت أن أستاذنا يعقوب الشاروني رائد أدب الأطفال في عالمنا العربي لا في مصر وحدها- قد أكمل عامه السابع والثمانين فبادرت بالاتصال به لتهنئته فله في القلب مكانة منذ الطفولة التي عرفتني به عن طريق قصص المكتبة الخضراء التي علمتنا القيمة ومنحتنا الخيال والمتعة. وطلبت منه تسجيل لقاء تلفزيوني معه جاء فيه الحديث كأروع ما يكون عن كيفية بناء الفرد في الدولة وكيفية صناعته. كان من بين ما حكاه لي الأستاذ الشاروني واقعة مفادها أنه في العام1960 فاز بجائزة الدولة التشجيعية لقصص الأطفال عن قصة كفاح شعب والتي تناولت هزيمة لويس التاسع في المنصورة. وعلمت منه أن كتابتها جاءت بناء علي توجيهات الرئيس عبد الناصر الذي طالب بتعريف الناس تاريخهم عن طريق القصة والادب. وكان قرار الرئيس عبد الناصر بتسليم الفائزين الجوائز بنفسه في قاعة الاحتفالات بمقر المحافظة في مدينة المنصورة. وفي اليوم الموعود وصل الرئيس وقد اكتظت الجماهير في ميدان المحافظة. فقرر نقل الاحتفال لشرفة مبني المحافظة لتتابعه الجماهير كلها دون ان يحرم أحد من الدخول. ثم قدم الأستاذ يعقوب الشاروني عليه ليلقي كلمة للجماهير عن القصة. أعجبتني الواقعة التي تشير الي حضور الدولة عن عمد في صناعة وعي وفكر مواطنيها رغم انشغالها بتحديات الأمن والدفاع عن الوطن وبناء نهضة المجتمع. هنا مربط الفرس يا سادة إذ أن صناعة البشر واحدة من التحديات التي تواجه اي امة تسعي للصعود في قائمة الأمم. ونحن بحاجة الي ذلك بجهد مؤسسي لا فردي ولا عبر جهود متناثرة ونشاطات منفصلة. نحن بحاجة لإدراك الدولة كأجهزة ان الهدف الحقيقي من كل ما تقوم به هو حماية الوطن بحماية الفرد والعمل علي صناعته كأفضل ما يكون. لا بخلق نماذج متطابقة ولكن بتوفير المناخ والسياسات واتخاذ القرارات المتكاملة والمتناسقة لصناعة مواطن انسان خلوق منتمي منتج تختلف إبداعاته من شخص لآخر حسب القدرات والهوايات والميول. بمعني أن سياسة التعليم لابد ان تسير وفقا لرؤية ما هية المنتج التعليمي عند كل مرحلة تعليمية ويتم قياسها عبر اختبارات شفوية وتحريرية يمكن من خلالها تقييم نجاح العملية التعليمية قبل مرحلة الجامعة أيا كان الاتجاه للتعليم العام أو الفني. ونأتي لمرحلة الجامعة التي لابد ان يكون مقياس الالتحاق بها المهارات الشخصية والتعليمية وميول الطالب بما يتفق بما تم تقييمه فيما سبق من مراحل من ناحية, وبما يحتاجه سوق العمل بعد انتهاء سنوات الدراسة الجامعية من ناحية اخري. وهو ما يعني تزويد الطالب بكل ما يحتاجه سوق العمل من مهارات بعد التخرج حتي لا نسمع عبارة انس ما درسته بالجامعة فالدراسة شيء والحياة العملية شيء اخر. ثم تأتي أدوار الوزارات الاخري كالقوي العاملة والتضامن الاجتماعي والصحة التي عليها ان تحدد مواصفات الخدمة والرعاية المقدمة للفرد والقوانين الحامية له سواء كان في القطاع الخاص او العام وكذلك القوانين التي عليه الالتزام بها دون زيف أو مواربة او خداع يمارس بين الطرفين. من ناحية اخري تعمل وزارة الثقافة ومنذ البدايات علي رسم ملامح الوعي والثقافة الي يجب منحها للفرد المواطن منذ طفولته عبر مراكز الثقافة والسينما والفنون المنتشرة في الوطن وفي كل مراحل حياته. لتكون الثقافة متعة ترتقي بالانسان وتمنحه القدرة علي تذوق الفنون لتسمو به. نعم يا سادة هي صناعة متكاملة تقوم فيها كل مؤسسات الدولة بأدوارها المنفصلة وفق سياسة متواصلة ومتناغمة هدفها الاساسي صناعة الفرد وفق معايير لا يجب المساس بها حتي لا ندعي مرة اخري أننا قد تفاجأنا بتراجع القيم أو انهيار المواصفات الشخصية للمصريين أو غياب الكفاءات أو سيطرة الفساد. وتبقي كلمة...أتمني أن تكون المدارس المصرية الحكومية والخاصة علي حد سواء علي قائمة زيارات الرئيس. أتمني عودة تكريم رمز الدولة لرموز الثقافة والفن ليكونوا قدوة. أتمني أن نبحث في صناعة البشر جنبا إلي جنب مع صناعة الحجر. وللحديث بقية...