مساء الجمعة20 يناير.. دونالد ترامب رئيسا رسميا للولايات المتحدةالأمريكية, وبدأ ما يخشاه الكثيرون الحقبة الترامبية بعد أن انطلقت اللحظة الترامبية, وسافرت تداعياتها صعودا لليمين والشعبوية وزلزالا ضخما للحداثة الغربية في الغرب كله بجناحيه الولاياتالمتحدة والقارة الأوروبية العجوز. لكن بداية لابد لنا من كثير من التوقف ونحن نحاكم اللحظة أو نستشرف هذه الحقبة, ولابد من ضبط للفهم والقول في التعاطي معها, فحملة التسويق غير بناء المشروع والانتهاء منه في ذهن أي رجل أعمال وذهن أي مسئول. يجيد رجل الأعمال التسويق لمنتجه, وقد ضرب ترامب علي كل احتياجات الأمريكيين, داخليا وخارجيا, أعاد لهم أملا وثقة في عودة عظمة أمريكا وحلمها وهو يخاطب الخارج عنهم, طرح قضاياه بمنطق الربح والخسارة كيف سيحمل لهم الربح,من مسألة منافسة المهاجرين والدفع مقابل الحماية,وتحميل المكسيك تكلفة سور بينها وبين الولاياتالمتحدة لمنع تسلل مواطنيها,وهو ما رفضه الرئيس المكسيكي بشكل واضح قبل حفل التنصيب بأيام وغير ذلك من أمور. لكن كأي رجل أعمال, ما إن تنتهي حملة التسويق لمنتجه ومشروعه,حتي تبدأ حسابات الربح والخسارة الفعلية, والممكن والمأمول, ويعدل من كثير من دعايته لمستهلكيه. إن اللحظة الترامبية التي انتهت, والحقبة الترامبية التي انطلقت مع خطاب التنصيب أمام البيت الأبيض, هي حقبة تصحيح داخلي في أمريكا أولا,تعود علي المواطن الأمريكي أولا,هي انعزالية بدرجة ما كما وصف نائب الرئيس الأمريكي بايدن في تصريحات له يوم18 يناير الماضي,شأن كل حركات اليمين في الغرب التي تركز علي الهوية الوطنية ومصالح المواطنين,وتؤمن بالمصلحة وتتخذ موقفا شبه سلبي من مبادئ العولمة وحقوق الإنسان وحق التنقل والمواطنة العالمية والتجنيس وما شابه من أمور,مما يجعلها من ترامب ل لوبن للحزب القومي الألماني أو حركة الخمس نجوم الإيطالية الذي عاود نشاطه,تمثل تحديا للحداثة الغربية المستقرة بدرجة كبيرة. لكن من المهم مراعاة أمرين في فهم هذه الحقبة أولا أنها مخاض متأثر بالسياقات الدولية وصحوة الإرهاب الداعشي المدمرة والنشطة,خلال فترة السكون الأوبامي, كما أنها تختلف من دولة لأخري ومن أوروبا للولايات المتحدة حسب درجة التعدد وصفاء الهوية هنا أو هناك, وكما ذكرنا كان الكوبيون مصوتين ل ترامب وفق مصالحهم وطموحاتهم في تغيير كوبا وتخييب أوباما لآمالهم, ونشرت الصحف الفرنسية تقريرا عن تأييد قرية مسلمة ل لوبن بقوة طمعا في ضربها وقضائها مثلا علي الأصولية وحسمها في ذلك. كما أن قراءة ترامب دون قراءة الحالة النظرية وكتابات منظره وكبير مستشاريه في البيت الأبيض ستيف بانون خطأ, فثمة خطاب وراء ترامب,أجاد اللعب علي وتر التعاطف في البداية, ويعرف حدوده وضوابطه بعد الفوز وأثناء الإدارة,وكذلك من المهم قراءة كتابات ألكسندر ديوجين منظر بوتين الذي أثني عليه ترامب ومنظره وتثني عليه مختلف حركات اليمين الأوروبي. بينما شعر الأوروبيون الخوف كما يشعر بعض العرب نحن من خطاب ترامب بخصوص الأطلسي والدفع مقابل الحماية- والدفع يتم هنا وهناك- إلا أن ترامب يطرح ويعيد الاعتبار للدولة الوطنية وعلينا ألا نخاف من حسمه تجاه الإرهاب أو داعميه كالنظام الإيراني, ولا نخشي ما قاله فقد كان مناسبا للحظته وحملته ودعوته في ضرورة القطع مع الحقبة الأوبامية واستعادة صورة أمريكا كقوة عظمي. لكن عامية وسجالية واتهامية ترامب ولوبن وسائر الحركات اليمينية وصعودها المدوي بعد البريكست والخروج البريطاني تبدو برأيي لحظات مخاض ومساءلة طويلة للحداثة الغربية التي تجدد نفسها, قد تنتج تصحيحا جديدا لها, يتجاوز سيولة ورتابة ما بعد الحداثة ويضبط نسقها من جديد,قد يكون ما عبر عنه الفيلسوف الألماني هابرماس أو قد يكون ما يعبر عنه بسياسات الهوية لكن لا يمكن ان تكون غير حداثية أو مضادة للحداثة النظرية والإنسانية هناك, ولكن ضبط وتطوير لها.