أمريكا والعالم كله فى انتظار القرارات الأولى التى سيتخذها الرئيس ال45 دونالد ترامب، بغض النظر عن تشكيل إدارته الجديدة. ألهب ترامب بخطاب التنصيب الذى ألقاه فى واشنطن حماس الملايين من أنصاره، وأثار فى الوقت نفسه قلق وغضب «المتضررين» فى الداخل والخارج من وجوده على رأس أكبر دولة فى العالم، وعلى رأسهم الرئيس «السابق» باراك أوباما الذى امتلأ الخطاب بعبارات «التوبيخ» القاسية له ولسياساته. الأمريكيون العاديون فى انتظار إجراءات ملموسة لتوحيد بلدهم المنقسم بين جمهوريين وديمقراطيين، بين مؤيدى ترامب وأنصار أوباما وهيلاري، بين البيض والأقليات، بين أنصار أمريكا «العالمية» التى تفرض قيمها على الآخرين، وبين أنصار «أمريكا أولا» و»الحمائية» و»حماية الآخرين بمقابل»، فانتخابات الفضائح، وإعلام الكذب والدعاية الفجة، وأعمال العنف والتخريب التى واكبت وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لم تكن بالمشاهد التى ترضى أحدا، وجعلت النموذج الأمريكى موضعا للانتقاد والسخرية فى مختلف أنحاء العالم. (لا فارق بين أبيض وأسود، وإلهنا واحد). الأوروبيون فى انتظار فك طلاسم سياسات ترامب تجاههم، بعد أن أعرب أكثر من رئيس أو زعيم دولة فى هذه القارة عن قلقه وتوتره الشديد من تداعيات وصول ترامب إلى السلطة، والتى ستفوق تأثيرات الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبي، وستشجع على مزيد من صعود اليمين المتطرف فى أكثر من دولة، وأولها ستكون فرنسا التى تستعد لعام الانتخابات الرئاسية، ولا يفوتنا فى هذا الصدد أن حلف شمال الأطلنطى «الناتو» ينظر بكثير من التوجس إلى مستقبل علاقاته مع واشنطن فى ظل قيادة ترامب، الرافضة لإرسال أى جندى أمريكى فى عمليات للخارج. (أنفقنا تريليونات الدولارات على الحرب فى الخارج). الروس وبوتين فى انتظار تشكيل علاقات أفضل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، قوامها التعاون والتنسيق فى ملفات كثيرة شائكة شهدت إخفاقات أمريكية مثل ملفى سوريا وأوكرانيا، مع تجاوز حقبة العقوبات «العنجهية»، واستخدام روسيا فى الإعلام الأمريكى «فزاعة» دائمة لتبرير سياسات وقرارات أحادية. شعوب المنطقة العربية فى انتظار تنفيذ وعود ترامب بالتوقف عن التدخل فى شئون الآخرين، على عكس ما كانت تنتهجه الإدارة الديمقراطية فى عصر باراك أوباما من تمويل و رعاية ودعم لجماعات الإرهاب والفوضى، وكان سببا فى كثير من النكبات والنكسات فى أكثر من دولة، تحت مسمى «الربيع العربي»، ودفعت أمريكا نفسها ثمنا لذلك خصما من رصيد سمعتها ونموذجها. (لا أسعى لفرض نهجنا على الآخرين، ولكن سنقدم لهم النموذج فقط). شعوب العالم الإسلامي، يترقبون خطة ترامب الجديدة لمحاربة التطرف الإسلامى وتنظيم داعش، خاصة وأنه تحدث فى خطابه الأول عن مصطلح «الإرهاب الإسلامى المتطرف»، والذى عبر عنه بالإنجليزية بثلاث كلمات Radical Islamic Terrorism. المصريون تحديدا، فى انتظار إصلاح العلاقات التى أفسدتها إدارة أوباما مع بلدهم، وكادت تفسد أكثر فى حالة فوز هيلارى كلينتون بالرئاسة، بسبب مسئوليتها عن كارثة «الربيع العربي» دعم وتمويل جماعات الإرهاب والفوضى، وأولى خطوات هذا الإصلاح هى تصنيف جماعة «الإخوان» ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية فى الولاياتالمتحدة، بعد أن كانت الجماعة قد اخترقت الإدارة الماضية، وأثرت على توجهاتها نحو مصر، بل وتلاعبت بها وبكبار مسئوليها كعرائس «الماريونيت» على مدى سنوات! الفلسطينيون فى انتظار سياسة جديدة من الإدارة الأمريكية تعيد للحياة خطة حل الدولتين وتبنى على موقف أمريكا السابق برفض استخدام الفيتو فى مجلس الأمن على قرار الاستيطان، بينما الإسرائيليون على الجانب الآخر فى انتظار قرار تاريخى قد يقلب منطقة الشرق الأوسط رأسا على عقب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بينما تركيا تريد تسليم فتح الله جولن المقيم فى بنسلفينيا، وإيران ترفض أى اتجاه لإلغاء الاتفاق النووي، بعد أن ذاقت نعمة التطبيع مع الغرب. وتبقى ملاحظة أخيرة، وهى أن مشاهد العنف والتخريب وتكسير المحلات والسيارات والاعتداء على الشرطة وأعلام «الأناركية» التى رفعها المتظاهرون الملثمون غير السلميين فى محاولة لإفساد تنصيب ترامب، كلها مشاهد من صنيعة إدارة أوباما الديمقراطية وتلميذته هيلاري، وسبق أن اكتوت بها شعوب المنطقة العربية من ضحايا عاصفة «الربيع»، وهو ما يعنى أن بضاعة الأمريكان ردت إليهم، لدرجة أنه يمكن القول إنه لم يكن ينقص هذه المظاهرات سوى مشاركة الدواعش، وهذه ليست مبالغة، فرئيس أمريكا الجديد يؤكد علنا أن داعش صنيعة أوباما، وهو اتهام يستوجب تقديم أوباما وإدارته للمحاكمة! فماذا سيكون قرار ترامب الأول الذى يدشن حقبة «الترامبية» الجديدة، أمريكيا، وعالميا؟!