نعيش حالة من التطرف العالمي في كل أنحاء العالم بعضه تطرف نابع من أزمات خاصة وبعضه أزمة تأويل منحرف; وبعضها أزمة عدمية. لكن كل تطرف لا شك يؤدي لتطرف مضاد, كما أن الاعتدال يمكن لاعتدال مقابل, ولكن كما أن التطرف خطاب وأدبيات تستند لتأويل ديني أحيانا كما هو حال الإرهاب الديني والمنسوب للإسلام أو لغيره من الأديان, قد يكون قوميا أو أسطوريا أو عرقيا يستند لمرجعية غير دينية, هكذا كان ظهور جماعات كالنازية والفاشية والنازيين الجدد وجماعة المعبد وغيرها قديما وحديثا. مع صحوة داعش كانت صحوات أخري للجماعات والمجموعات المتطرفة في مختلف أنحاء العالم, فقد زاد عدد الجماعات المتطرفة في الولاياتالمتحدة خلال العام الماضي2015, حيث أوجد العنف الموجه إيديولوجيا والخطاب السياسي التحريضي ارضا خصبة لدي الجماعات من العرق الابيض وجماعات عرقية أخري., ولا يمكن فصل ظهور أحزاب اليمين في أوروبا أو الولاياتالمتحدة, أو وجوه كدونالد ترامب المعادية للأقليات ولثقافات بعينها, عن هذه الصحوة العالمية في عالم التطرف مهما تعددت أشكاله ودوافعه وعملياته. حسب مركز(ساثرن بافرتي لو) الأمريكي وأرقامه فقد ارتفع عدد جماعات الكراهية المنتمية لليمين المتطرف بحسب الدراسة من748 الي892 كما زادت جماعات زواج المثليين ومعاداتها في الجانب الآخر, كما زادت جماعات ضد الهجرة ومع مقولات الهوية النقية التي لا تقبل التشوش وتطرد الآخر والغريب عنها, في طهورية تشبه الطهورية الإثنية والدينية القديمة. ولعلنا نسترجع في ذلك, أزمة الهوية, التي تعد من الأزمات الرئيسية التي تنتج التطرف ما كتبه صامويل هانتيجتون في كتابه الأخير قبل رحيله: من نحن؟ عن تحديات الهوية الأمريكية الجديدة, أو تبشيره الذي صح كثير منه في سفره الأهم عن صدام الهويات أو صدام الحضارات وخاصة الكبري منها, فقد أرجع المركز المذكور كثيرا من دوافع التطرف الي النزاعات حول العلم الإتحادي الأمريكي, وهويته ومن يحمله. والتطرف مناخ يساعد بعضه بعضا, فالحشد الشعبي والحرس الثوري الجهادية الإيرانية كما هو في منطقتنا بررت ومهدت لنصرة داعش ثم داعش في سوريا كما مهدت وبررت لصحوة القاعدة في العراق التي مازالت تسيطر علي مساحات شاسعة فيه, ولا زالت الموصل بعيدة المنال عن التحرير من براثن هذا التنظيم المتطرف. كذلك في أمريكا نشطت مجموعات متشددة من أنواع مختلفة, كتلك الميليشيات المسلحة998 مجموعة عام2015 بعد ان كان عددها لا يتجاوز874 في العام الذي سبقه, كذلك ارتفع عدد الجماعات الانفصاليين السود المدافعين عن آراء معادية للسامية إلي180 في2015 في الوقت الذي بلغ عددهم113 في.2014 وحسب تقرير المركز المشهور الذي صدر في فبراير الماضي فقد زاد عدد المجموعات المتشددة الإسلامية التي قامت بعدد من العمليات الخطيرة داخل الولاياتالمتحدة, التابعة لداعش والمتعاطفة معها, كما زادت جماعات النازيين الجدد مثل الأمم الآرية وإن تعثرت بسبب مصاعب مالية ومعارك علي القيادة. لعل السؤال الملح الذي سيلتقفه الفلاسفة والمفكرون والمثقفون الكبار, في ظل تراجع أداء وتأثير المنظمات الدولية, وتخلي القوي العظمي عن دورها, وغياب اليقين الاجتماعي والسلمي والروح العالمية التي بشرت بها العولمة والنظام العالمي الجديد بعد ظهور مقولاتها في تسعينيات القرن الماضي, هو سؤال الحداثة وما بعد الحداثة, هل فشل كلاهما في تحقيق سلام الإنسان, ونبدو أمام حقبة تبشر بحرب عالمية ثالثة وصدامات الهويات القاتلة, وهل يحتاج العالم لوقفة أكثر عمقا وفعالية للوعي بهذه اللحظات الخطيرة في التاريخ العالمي, الذي يشهد مآسي غير مسبوقة في مجال اللاجئين وفي مجال الفقر والمجاعات والانتهاكات الإنسانية واستخدامات الأسلحة المحظورة والأزمات الاجتماعية والاقتصادية.. ؟ هل نحن في الظرف ما بعد الحديث أو ما بعد الحداثة دون أن ندري الذي بشر بعض منظريها بسقوط اليقين, ونهاية التاريخ ونهاية الإنسان, وعودة النيتشوية فرديا وجماعيا.. مجرد أسئلة ترن الجرس ولا تنتظر الإجابات كما هي ما بعد الحداثة نفسها.